قفلان كبيران على باب مستقبل الإسلام،  كسرتهما الثورتان المصرية والسورية، قفل الوهابية، وهذا ليس موضوعنا الآن، وقفل التشيع.

 في حوار له مع موقع صدى نيوز حول مستجدات التشيع في المغرب، قال “الباحث” إبراهيم الصغير المتخصص في الفكر الشيعي: “نجد مواقف بعض الحركات الإسلامية ضعيفة جدا، إن لم نقل أن هناك شبه تواطؤ من بعضها نجم عن اغترار وموقف متحمس اتجاه الثورة في إيران. وإلا فماذا يعني صمت جماعة العدل والإحسان عن الاختراق الشيعي الكبير لصفوفها، ومعروف أن أغلب من يتزعمون ملف التشيع خرجوا من رحمها؟ ولا بيان ولا تنديد بهذا الاختراق.

إن السكوت عن المد الشيعي بالمغرب خيانة عظمى، و إن مواجهته مسؤولية الجميع”..

هل فعلا “صمت” جماعة العدل والإحسان عن قضية التشيع في المغرب، وعدم إصدارها بيانا بهذا الشأن، هو تواطئ منها، وخيانة عظمى؟ وكيف تتحمل الجماعة المسؤولية لمواجهته، باعتباره، بحسب الباحث، “أصبح مشروعا منظما يهدد البلاد و العباد”..

في نفس الوقت يدعو الباحث “المؤسسات الرسمية إلى القيام بواجبها في التحذير والتصدي لهذا الفكر المنحرف، وعدم ترك المجال له لينتشر، والاعتبار بما يجري في الدول التي استهانت بخطره فكان ذلك سببا في خرابها” كما طالب “الدولة بسن قوانين زجرية لكل من يسب الصحابة ويطعن في عرض رسول الله صلى الله عليه و سلم. وتوجيه الإعلام الرسمي وخطباء الجمعة إلى نقد التشيع وبيان بطلان معتقداته والرد عليه بالتي هي أحسن”!

قبل التطرق إلى موضوع التشيع في فكر الجماعة، أسجل ملاحظات:

ـ ذكر الباحث مواقف بعض الحركات الإسلامية، في حين أنه لم يذكر إلا جماعة العدل والإحسان، مستثنيا، الباقي من ذلك البعض الذي ذكره! لماذا العدل والإحسان فقط؟؟؟

ـ ادعاء لا سند له، من الباحث، كون الجماعة مخترقة من الشيعة، ودليله المتهافت كون أغلب من يتزعمون ملف التشيع في المغرب خرجوا من رحم الجماعة! أليس من المصداقية أن يتم ذكر أسماء هؤلاء الذين يتزعمون التشيع بالمغرب، حتى يتم التعرف عليهم، كونهم خرجوا من رحم الجماعة؟

ـ طلب الباحث من خطباء الجمعة نقد التشيع وبيان بطلان معتقداته والرد عليه بالتي هي أحسن! لا يستقيم مع تحميل الجماعة المسؤولية لمواجهته، ذلك أن خطباء الجماعة ممنوعون من اعتلاء المنابر، وقد طرد منهم عددا كبيرا، فقط لأنهم أعضاء في الجماعة، وهناك خطباء مستقلون لا انتماء لهم تعرضوا لنفس العقوبة، فقط لأن سيرهم لا يتوافق وهوى من يهمه الأمر! إذن كيف تطلب من ملاكم الدفاع عن نفسه وهو مكبل اليدين، وفي نفس الوقت تحمله مسؤولية عدم الدفاع عن نفسه!

ـ الدولة لا يهمها من يسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقدر ما يهمها الذود عن شخصية الحاكم المقدسة.

*المعروف أيضا أن هناك أفرادا انتموا إلى الجماعة في فترة من الفترات، ثم بعد ذلك، لأسباب متعددة، التحقوا بالحركات “الجهادية” ومن ثم انتقلوا إلى جبهات القتال، ومعروف أيضا أن شبابا صحراويا، كانت الجماعة تمد جسور التواصل معه لاستقطابه، فالتحق بجبهة البوليزاريو، وهناك من التحق بالزوايا… فهل تتحمل الجماعة مسؤوليتهم؟؟؟

منطق غريب ولا يستقيم إلا من كونه موقف من الجماعة في حد ذاته.

يعتبر الإمام عبد السلام ياسين، رحمه الله، صاحب الأفضال الكبرى في تناول موضوع الشيعة والتشيع بكل تجرد من الذات والتراث وفتاوى الأولين والآخرين، إذ تناول الموضوع بكل موضوعية وعدالة، بغية تأسيس جسور التواصل لمستقبل الإسلام بين المسلمين، انطلاقا من العهد الأول الذي لم يكن فيه المسلمون إلا ذات واحدة، لا وجود لما عرف بعد بالسنة والشيعة، وما تفرع عنهما من طوائف وملل ونحل.

وبسبب موضوعيته في تناول الموضوع، اتهم الرجل، رحمه الله، بالتشيع وبالتالي رمي بالكفر، كون الشيعة كفار، إذ لا فرق عند القوم بين كل من أعلن تشيعه لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

“أنا أحرص الناس على أن تسمعوا مني، وعلى أن تشهدوا علي، أنني أرفض الروافض وأكرههم، وأعتقد أن من ينتقص من صحابة رسول الله هذا عرضة للهلكة يوم القيامة والعياذ بالله، لست أحب أن أكفر وأقول كافر أو كذا، فأكل أمر ذلك إلى الله عز وجل، مادام هذا يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله أكل أمره إلى الله، لكن الذي يكره أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وسائر الصحابة رضي الله عنهم، هذا في تهلكة، هذا لا شك فيه إلا أن يشاء الله، فنحن لا نحكم على الله عز وجل بشيء. يفعل ما يريد”..

بهكذا توضيح حرص الإمام رحمه الله أن يبني رؤيته ومقاربته للموضوع، فهو أعلن أنه يرفض الروافض ويكرههم، لانتقاصهم من قدر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه يرفض اعتبار كل الشيعة كفارا، وهو نفس الموقف الذي اتخذه من المتصوفة والتصوف الذي اختلط فيه الحق بالباطل.

يقول رحمه الله، في هذا الباب: “الشيعة من أهل القبلة، من أهل لا إله إلا الله، الشيعة أصيبوا بمرض هو ناتج عن السرية التي عاشوها قرونا، عاشوا تحت الحكم الأموي والحكم العباسي ثم القلاقل الكثيرة في بقاع الأرض، فكانوا يتخفون بدينهم، والسرية هي دخول في أمكنة مظلمة في أمكنة رطبة فيها رطوبة، في أمكنة صالحة لكي تنشأ فيها كل أنواع الأوبئة، من أوبئة الشيعة الرفض، لا أقول إن الشيعة روافض كل الشيعة روافض، كما يقول بعض من يقرأ كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي حارب الروافض حربا شعواء، وحق له أن يحارب الروافض إذا كانوا روافض، أما أن نقرأ ابن تيمية فنعمم نقول كل الشيعة روافض فالعياذ بالله”.

ويؤكد رحمه الله، أن خلافات أهل السنة مع الشيعة كثيرة وليست قليلة، ومع ذلك هم من أهل القبلة، ومن أهل لا إله إلا الله، وإذا كان المستقبل للإسلام فينبغي أن يسير بجناحين، ولا بد لمستقبل الإسلام أن يجتمع أهل السنة والجماعة مع أهل الشيعة بقلوب سليمة، وبنيات صالحة، لكي يتعلموا بالتؤدة المطلوبة كيف تفرعت بهم الطريق، كيف بدأ الخلاف، كيف نشأ، وهذا يتطلب منا أولا وقبل كل شيء نحن -أهل السنة والجماعة- أن نقف عند مفترق الطريق، وهو عندما انتقل الأمر من الحكم الراشدي من الخلافة الراشدة فأصبح حكما عاضا.

يعتبر الإمام رحمه الله أن وقوف أهل السنة إلى جانب الملك العاض، الذي انتهك حرمات بيت النبوة وقتل حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسينا، وسبى نساء بيت النبوة، كان البرزخ الذي قسم الأمة إلى سنة وشيعة، ما لبث البرزخ يتسع ويتسع حتى وصلنا إلى الحالة التي نحن عليها الآن، من الاقتتال وسفك الدماء.

وقوف علماء السنة عبر التاريخ، إلى جانب الملوك العاضين والجبريين من بعدهم، ومع الاضطهاد الذي تعرض له أنصار آل البيت، وسكوت علماء السنة عن جرائمهم تلك، ومع لجوءهم إلى السرية والتخفي، انتقلت بينهم الأخبار والأحاديث المكذوبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أئمة آل البيت الأطهار، فكانت سندا لهم، ولا زالت، للانتقاص من قدر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول الإمام رحمه الله: “ولئن كان ينتسب إلى الشيعة روافضُ، قاتلهم الله، يكرهون أبا بكر وعمر، ويفشو في عوام الشيعة داء التطرف الرفضيِّ الوبيل فليس الذنب ذنب الأئمة من آل البيت، حاشاهم. ولئن كان في علوم الشيعة ورواياتهم تقلُّص فمرجع ذلك إلى الإرهاب الأموي والعباسي الذي لاحق الأئمة المطهرين فاندسَّ شيعتهم بانفعال يفسره الاضطهاد، ويفسر هو نفورَهم من علومنا معشر أهل السنة والجماعة، الواسعة الكاملة”.

أول الطريق بالنسبة للإمام رحمه الله، لإذابة جبل الجليد الذي يحول دون عودة الشيعة إلى حضن السنة، وحصار الرفض، تحيين موقف السنة من الملك العاض الذي كان سبب كل الخراب الذي ضرب ديار المسلمين ومزق صفهم، “فإذن ما دمنا لم نقل الكلمة السواء بيننا وبين إخواننا الشيعة، في الانحراف الأموي، وفي النزو الأموي، وفي الانقلاب الأموي، وفي خروج الحكم من الخلافة الراشدة إلى الحكم العاض ثم الجبري، فيعسر علينا مستقبلا أن نتفاهم”.  يقول الإمام رحمه الله، رغم أنه، رحمه الله، لا يشك “لحظة بأن أهل السنة والجماعة، ولو عاشوا وانحازوا إلى الحكم العاض، فهم حافظوا لنا على صفاء ديننا وحملوا إلينا حديث رسول الله بعد أن نقلوه، وبعد أن طردوا عنه كل الأحاديث المكذوبة، وكل المفتريات، حتى أوصلوا إلينا الحديث سالما إلى الآن”.

هناك هيجان في النفوس بين الفريقين، فريق السنة يرى أن الشيعة، كل الشيعة، كفارا يجب قتالهم، لما يشكلونه على الإسلام من خطر وبيل، يغذي ذلك “سلاطين العض قارونات العصر ويزيداته الذين ينفقـون أموال المسلمين بسخاء المبذرين وحَنَق الـمَوْتورين لتُنْشَـر كتب الثلب في الشيعة، ولتُحفَرَ الخنادق بيننا وبينهم، ولتُشعل نار الفتنة. وهكذا يجتَرُّ الكتبة الخلاف القروني وينظرون في كتب الطعن على الروافض ليبثوا الوقيعَة بين المسلمين، وليلتحموا مَع الشيعة في نزال دائم بعثوه من القبور، ونفخوا فيه البغضاء المتجددة فنعتوا الشيعة بالمجوسية وحملوا لواء القومية العنصرية مع صدام القومي خادم الصليبية بالأمس القريب وحليفِها في «قادسيته”، وفريق الشيعة يرى أن السنة، كل السنة، حفدة يزيد وجنود يزيد وعلماء يزيد، وما يشكله يزيد في ذاكرة الشيعة. لعن الله يزيدا.

يرفض الإمام رحمه الله، تغذية أسباب الهيجان في النفوس ولا يرى أن أسلوب «الحسينيات» -أي حفلات الحزن والذكرى- التي يشعف بها الشيعة يفيد كثيرا ولا قليلا في تقريب الشقين العظيمين من الأمة، شق السنة وشق الشيعة.

يعتقد الإمام، رحمه الله، أن لدى غلاة الشيعة في أوساط الشعب الجاهل المحروم روافض تنخر فيهم التعاليم الضالة. ولا يشك أن علماء الشيعة المتنورون يجدون صعوبات للقضاء على هذه الضلالات، فعندهم أيضا من ديدان القراء من يتعصبون للرفض والتخلف على الخصومات التاريخية ويندبون أنفسهم للمحافظة على كل هذه الأمراض العقائدية.