حين أعود إلى الوراء كثيراً، لا أدرك كيف رحلتَ مجبراً وأشعر وكأن الذي عشته فيك كان مجرد حلم!

كل صورك الغالية أسقطَتها ذاكرتي دون أسف …

 لم أعد أعرفك يا وطني، ما عاد يعرفك أحد.

كنا ننتمي لأرضٍ واحدة، و تراب رطبٍ سقته أمطار الأمل. 

نفترش أرضاً عارية، نتسابق بين البيوت، نقتسم كسرة خبزٍ ساخن صنعته أيادٍ بدويَّة و نفرح ملء قلوبنا و أكثر.

كنا أكثر هدوءاً، أكثر تسامحاً وأكثر حباً لتراب هذا الوطن، نتغنى به، و ننشده بحماس!

لم يرغمونا يوماً على الصلاة أو الصوم و لم يكفِّرنا أحد، نعبد الإله الواحد … كل على طريقته.

حين كان الوطن حقاً لنا جميعًا باختلاف أفكارنا و كان الدين عقيدةً يمكن ممارستها في أكثِر من وطن!

لكنهم جاءوا خلسة و سرقوا من قلوبنا الفرح …

يا وطني، ما عدت أشعر بأمان على أرضك، أخاف من عيونٍ حاقدة و قلوبٍ تسكنها ابتساماتٌ مزيفة، تبادل الحب بالكراهية و تعشق الغراميات المفضوحة!

كيف أصبحنا داعشيي التفكير و إن لم ننتم لدولة الخلافة، نتعامل بمبدأ التدين أو الديوثية، نحكم و نحاكِم، نتربص كالفخاخ و نتصيد أخطاءهم.

منَّا من يحسب الوطن جحيماً يعاقب فيه الله الأشرار من الكفرة و العلمانيين و المثليين و فاطري رمضان… يتمنون أن ينوبوا عنه و يكونوا حماة الدين، لا حماة الوطن!

أعلم أننا نمارس الصمت أمام حالة الفوضى التي تعيشها اليوم، أمام هذا المشهد المحزن الذي لا يشبهك،كما أعلم أن الحياد في زمن الخيانة انحياز وتواطؤ،لكن سهل عليَّ، كما على غيري، أن أقف موقف المتفرج.

علينا أن لا نلومك، بل نلوم أنفسنا لأننا سقطنا مع أول اختبار، لأننا لم ندرك أن خطر المصالح السياسية متواصل، هم يريدوك سوقاً كاسدة ونحن مجرد بضاعة منتهية الصلاحية …

 هم دفنوا أحلامك و أضاعوك دون أن ترمش لهم عين.

هل فعلا نحبك يا وطن، أم أن حبنا يزيد و ينقص كالإيمان؟

أتدري لماذا أشكي لك وحدك؟ لأني أريد أن أغفر لنفسي خطاياك، و أذكِّر من تناسوا بأنك … أنت الوطن!

عشت يا وطن.