بنية سوق الشغل بالمغرب والسياسات الاقتصادية في مجال التشغيل – قراءة تقييمية (2)
2/ واقع سوق الشغل بالمغرب : عرض وطلب العمل
آراء أخرى
عرض العمل (الطلب على الشغل):
حسب التقرير السنوي الأخير لبنك المغرب بلغ عدد السكان في سن الشغل سنة 2015 حوالي 25.000.000 مواطن من بينهم 11.850.000 من السكان النشيطين بنسبة 47.4%، بمعنى أن 13.150.000 مغربي بنسبة 52.6% لا يشتغلون ولا يبحثون عن شغل. وعلى سبيل المقارنة تتراوح نسبة النشاط في الاتحاد الأوروبي بين 63.9% كأدنى نسبة بإيطاليا و 81.5% كأعلى نسبة بالسويد (لا غرابة أن تكون السويد من أجمل دول العالم).
كل التقارير والدراسات حول التشغيل والبطالة في المغرب تتوقف بالتفصيل عند نسبة النشاط لكن نادرا ما نجد تقريرا يتناول بالتحليل الدقيق نسبة غير النشيطين وهي في نظري نسبة مخيفة يجب الوقوف مليا عندها. فماذا تعني هذه النسبة ؟ بكل بساطة فإن 52.6% من المغاربة البالغين سن الشغل (إضافة إلى العاطلين) هم من الناحية الاقتصادية “عالة” على 47.4% المتبقين وبعبارة أقل حدة فمبدئيا لا يستفيد الاقتصاد الوطني من 13.15 مليون مواطن وهذا ما يسمى في الأدبيات الاقتصادية ب”تكلفة الفرصة البديلة” (le coût d’opportunité) والتي تشكل إحدى معيقات النمو الاقتصادي وبالتالي التأخر في مؤشرات التنمية المرتبطة به.
وكما أشرنا سابقا فالسكان غير النشيطين يتكونون من الأشخاص الغير قادرين على العمل (المرضى والمسنون وذوو الاحتياجات الخاصة)، التلاميذ والطلبة، ربات البيوت المتفرغات إراديا لتربية الأبناء أو الاعتناء بأشخاص في وضعية صعبة، النساء المجبرات على عدم العمل بسبب رفض أحد أفراد العائلة ثم الأشخاص الذين يئسوا من البحث عن شغل أو يرفضونه لدواعي شخصية. وإذا كانت فئات الغير قادرين على العمل والمتمدرسين لا يمكن احتسابها ضمن السكان النشيطين فإنه على العكس من ذلك يجب احتساب الفئات المتبقية ضمن النشيطين غير المشتغلين أي العاطلين وحساب مؤشر آخر للبطالة يعطينا فكرة أدق عن حجم الخسارة التي يتكبدها الاقتصاد الوطني والوطن بشكل عام.
فيما يخص تطور عدد السكان النشيطين فقد ارتفع من 10.213.000 سنة 2000 إلى 11.850.000 سنة 2015 أي بزيادة معدل 115.000 سنويا، وفي المقابل ارتفع عدد السكان البالغين 15 سنة فما فوق بمعدل سنوي بلغ 383.000 خلال نفس الفترة، وهذا ما يفسر انخفاض نسبة النشاط من 53.1% سنة 2000 إلى 47.4% سنة 2015. ويرجع هذا الانخفاض بالأساس إلى تحسن المؤشرات الكمية للتمدرس خلال 15 سنة الأخيرة وقد يستمر هذا التحسن لسنوات أخرى نظرا لعدة عوامل مرتبطة خصوصا بالتعليم العالي والتكوين المهني.
حسب الشواهد المحصلة يتوزع السكان النشيطون على الشكل التالي: 58.6% بدون شهادة، 24.4% حاصلون على شهادة متوسطة (ابتدائية أو إعدادية أو ما يعادلها في التكوين المهني)، 13% حاصلون على شهادة عليا (الباكالوريا فما فوق). أما عن المستوى الدراسي فنجد أن 34.9%من السكان النشيطين دون مستوى، 43.7% لم يتعدوا التعليم الأساسي، 11.3% بلغوا المستوى الثانوي، 9.5% فقط لهم مستوى عالي و0.5% لهم مستويات أخرى.
وعلى سبيل المقارنة دائما ففي تونس سنة 2011 (والتي ليست نموذج مثالي يحتذى به) نجد 9.5%من السكان النشيطين دون مستوى، 33.1% لهم مستوى ابتدائي، 37.9%مستوى ثانوي و 19.5% لهم مستوى عالي. في كندا نجد 30.8% من السكان النشيطين بين 25 و 64 سنة لهم شهادة جامعية و12.7% فقط ليس لهم أية شهادة.
من خلال قراءة سريعة لهذه المعطيات يتبين أنه رغم التطور الملموس في أعداد المتمدرسين وكذلك طول مدة التمدرس مقارنة بالعقود السابقة إلا أن منظومة التربية والتكوين ما زالت تعاني فشلا مزمنا يترجم بخروج أفواج كبيرة من المتمدرسين إلى سوق الشغل بدون شواهد. وكما هو معلوم فالعلاقة بين بنية الاقتصاد الوطني ومنظومة التربية والتكوين علاقة جدلية ذات تأثير متبادل ومباشر. ومن مظاهر الفشل التربوي التي تؤثر سلبا على عرض العمل النسب المرتفعة للهدر المدرسي وضعف تمدرس الفتيات بالعالم القروي وضواحي المدن ثم في حالات كثيرة عدم ملائمة الشواهد والتكوينات المرتبطة بها مع متطلبات سوق الشغل.
ولقد أثبتت النظريات الاقتصادية والحقائق الملموسة على أرض الواقع أن ضعف تكوين اليد العاملة له انعكاسات سلبية سواء على المستوى الميكرو أو الماكرو اقتصادي. فمن الناحية الفردية يؤدي ضعف التكوين إلى ضعف انتاجية العمل، ضعف تنافسية المقاولة المشغلة وبالتالي ضعف دخل الأفراد من العمل. وهو ما يؤدي على المستوى الماكرو اقتصادي إلى تراجع الاستهلاك الوطني والادخار على حد سواء ثم يترجم إلى تراجع في الاستثمار، ضعف النمو الاقتصادي، تقليص فرص الشغل ومن ثم تفاقم البطالة من جديد.
من جانب آخر يتوزع السكان النشيطون المشتغلون حسب القطاعات الاقتصادية على الشكل التالي : 39.4% في قطاع الفلاحة والصيد البحري (حوالي 4 ملايين ونصف مليون مواطن) ، 11.1% في القطاع الصناعي (حوالي مليون و400 ألف مواطن)، 9.3% في البناء والأشغال العمومية (حوالي مليون و 100 ألف مواطن) و 40.2% في التجارة والخدمات (حوالي 4 ملايين و 800 ألف مواطن). ويعكس هذا التوزيع بشكل واضح بنية وهيكلة الاقتصاد الوطني حيث يساهم قطاعي الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات ثم التجارة والخدمات بحصة الأسد من التشغيل بينما لا تساهم الصناعة والبناء بأكثر من الخمس في مجهود التشغيل.
أولا : القطاع افلاحي
كما هو معلوم اعتمد المغرب منذ سنة 2008 مخطط المغرب الأخضر الذي يهدف إلى جعل القطاع الفلاحي المغربي رافعة للتنمية من خلال الرفع من استثمارات القطاع سواء على مستوى الفلاحة أو الصناعات الغذائية المرتبطة بها. ورغم التطور الذي عرفته الفلاحة خلال الثمان سنوات بعد انطلاقة المخطط إلا أن ذلك لا يعكس الأهداف المسطرة فيما يتعلق بالتشغيل والبطالة وهو ما سنكتشفه عند تحليل خلق مناصب الشغل حسب القطاعات.
وعلى العموم، فالاعتماد على القطاع الفلاحي في التشغيل يجعل هذا الأخير رهينا بالتقلبات المناخية حيث أن الإنتاج الفلاحي في المغرب بصفة عامة مرتبط بحجم وانتظام التساقطات المطرية وهذا ما يؤدي إلى التذبذب في عدد مناصب الشغل التي يوفرها القطاع الفلاحي من سنة إلى أخرى. هذا بالإضافة إلى أنه يعرف أكبر عدد من مناصب الشغل الموسمية وغير القارة.
ثانيا، بالنسبة لقطاع البناء والأشغال العمومية فكل التوقعات والدراسات الاستشرافية حول النمو الديموغرافي في المغرب تذهب إلى أننا نسير في اتجاه الاستقرار الديمغرافي وبالتالي استقرار الطلب على السكن وهذا ما يعني أن القطاع سيعرف حتما حالة من الركود أكبر من التي يعرفها خلال الخمس سنوات الماضية وبالتالي لا يمكن أن نراهن على قطاع البناء في خلق مناصب شغل جديدة كافية.
ثالثا، فيما يخص التجارة والخدمات فرغم أنه يعتبر القطاع الأكثر تشغيلا لليد العاملة فإنه بالمقابل يتميز بكونه القطاع الذي تكثر فيه ما تسمى “البطالة المقنعة” حيث أن أغلب المشتغلين في التجارة أو الخدمات الفردية يمارسون أعمالهم في إطار غير مهيكل وبالتالي يكثر فيه الشغل الهش، الشغل الموسمي أو الشغل الناقص. وهو ما يؤدي إلى نتائج ضعيفة على مستوى خلق القيمة المضافة ودخل الأفراد من العمل تترجم بضعف الآثار الجانبية الإيجابية (externalités positives) على الاقتصاد الوطني وخصوصا منها معدل النمو والاستثمار المنتج لمناصب شغل جديدة.
وأخيرا بالنسبة للقطاع الصناعي، فكما هو معلوم عرف المغرب عدة مخططات صناعية كان آخرها مخطط الإقلاع الصناعي (plan émergence) 2009-2015 ثم خطة تسريع التنمية الاقتصادية (Plan d’accélération industrielle) 2014-2020 وقد حدد هذان المخططان كأهداف على مستوى التشغيل خلق 220.000 منصب شغل بالنسبة للأول و 500.000 منصب شغل بالنسبة للثاني. إلا أن الملاحظ أن قطاع الصناعة بالمغرب لا يزال يعاني من ضعف التنافسية على مستوى العلاقات التجارية الخارجية وخصوصا أن الاقتصاد الوطني كان الخاسر الأكبر في جل اتفاقيات التبادل الحر التي أبرمها مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا ثم تركيا وهو ما نلاحظه بشكل ملموس على شكل إغراق للسوق الوطنية بالمنتوجات الصناعية المستوردة. على هذا الأساس ولأسباب أخرى يصعب الإيمان بأن الصناعة الوطنية قادرة على إحداث حوالي 72.000 منصب شغل جديد سنويا من هنا إلى سنة 2020.
طلب العمل (عرض الشغل)
يشكل إذا المشغلون الخواص (القطاعات الاقتصادية) بالإضافة إلى القطاع العام (القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية) مصدر طلب العمل أو عرض مناصب الشغل. فإذا كان طلب العمل الإجمالي المتوفر في تاريخ محدد (la variable de stock) هو بالضبط عدد السكان النشيطين المشتغلين والذي تطرقنا إليه أعلاه، فإن تقييم قدرة الاقتصاد الوطني على خلق مناصب الشغل يدفعنا إلى تحليل الإحداث الصافي لمناصب الشغل (création nette d’emploi). والمقصود بالإحداث الصافي للشغل عدد المناصب الجديدة (variable de flux) التي يوفرها الاقتصاد الوطني خلال سنة مثلا، ويتم حساب هذا العدد بطرح عدد المناصب التي يتم تدميرها (destruction d’emploi) من عدد المناصب الإجمالية التي يتم إحداثها سنويا. فمثلا إذا تم إحداث 1.000 منصب شغل جديد في قطاع معين فيما تم الاستغناء عن 300 منصب في قطاع آخر فإن الإحداث الصافي لمناصب الشغل هو 700 منصب.
القطاع العام:
حسب آخر الإحصائيات المتوفرة من طرف وزارة الوظيفة العمومية فقد بلغ العدد الإجمالي لموظفي القطاع العام (القطاعات الوزارية، الجماعات المحلية، المؤسسات العمومية) حوالي 860.000 موظف عمومي. وما بين سنتي 2000 و 2016 تم إحداث ما مجموعه 273.740 منصب شغل أي بمعدل 16.100 منصب سنويا (25.998 سنة 2016) وذلك دون احتساب المغادرين للوظيفة العمومية سواء بسبب التقاعد أو لأسباب أخرى. ومن خلال قراءة سريعة للمؤشرات الماكرو اقتصادية المرتبطة بالتوازنات الكبرى وكذلك التوجهات التقشفية للحكومة الحالية (على ما يبدو من خلال الورقة التوجيهية لقانون مالية 2017 فالحكومة المقبلة سائرة في نفس التوجه) فإن الوظيفة العمومية لا يمكن أن تحدث أكثر من 20.000 منصب شغل كمتوسط سنويا كحد أقصى بذريعة أن كتلة الأجور تشكل أكبر عبئ على الميزانية العامة (مرسوم التشغيل بالعقدة الذي يدخل حيز التنفيذ هذه السنة يؤيد هذا الطرح).
القطاع الخاص (القطاعات الاقتصادية):
ما بين سنتي 2000 و 2014 تمكن الاقتصاد الوطني، كل القطاعات الاقتصادية الوطنية مجتمعة، من إحداث معدل 129.000 منصب شغل سنويا (33.000 منصب شغل فقط سنة 2015 والأمر لن يختلف هذه السنة بسبب الجفاف).
وتتوزع هذه المناصب على الشكل التالي (ما بين 2000 و 2014 ثم 2015):
قطاع التجارة والخدمات (حوالي 67% من المناصب المحدثة) : معدل سنوي 88.000 منصب ثم 32.000 منصب سنة 2015؛
قطاع البناء والأشغال العمومية (حوالي 24% من المناصب المحدثة) : معدل سنوي 31.000 منصب ثم 18.000 منصب سنة 2015؛
قطاع الفلاحة والصيد البحري (حوالي 8% من المناصب المحدثة) : معدل سنوي 10.000 منصب ثم ناقص 32.000 منصب سنة 2015؛
قطاع الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية (حوالي 1% من المناصب المحدثة) : معدل سنوي 1.000 منصب ثم 15.000 منصب سنة 2015.
ومن الملاحظات الأساسية التي يمكن الإدلاء بها فيما يخص هذا التوزيع:
هناك تحول في القطاعات المحدثة لمناصب الشغل حيث أنه على الرغم من كون القطاع الفلاحي يظل من القطاعات المهمة قياسا لحجم التشغيل فإنه يفقد مكانته تدريجيا لصالح قطاع التجارة والخدمات، ولهذا الأمر مجموعة من التفسيرات الرسمية أهمها الهجرة القروية، توسع هوامش المدن، المكننة المتتالية للقطاع الفلاحي، إلخ. إلا أنه في اعتقادي يجب إضافة سبب آخر لهذا التراجع وهو مرتبط بنتائج مخطط المغرب الأخضر، فقد استفاد من هذا المخطط على الخصوص الفلاحون الكبار أصحاب الزراعات الموجهة للتصدير بيمنا لم تستفد منه الفلاحة القروية والفلاحون الصغار بالشكل الذي كان مخطط له وكما هو معلوم فإن أغلب الضيعات الفلاحية الكبرى ممكننة بشكل شبه كلي وبالتالي فإن الاستثمارات المرصودة في هذا الباب لم تترجم بإحداث مناصب شغل مناسبة.
نفس الشيء بالنسبة للقطاع الصناعي فقد عرفت حصته من المناصب المحدثة انخفاضا ملحوظا من 13.2% سنة 2000 إلى 11.1% سنة 2014 ومن التفسيرات التي تعطى لهذا الانخفاض التغيرات التي عرفها القطاع في السنوات الأخيرة وخصوصا تراجع الأنشطة التقليدية واستبدالها بأنشطة حديثة تلجأ أكثر فأكثر لرأس المال على حساب العمل (activités à forte intensité capitalistique). ويعزى كذلك هذا التراجع للمنافسة الشرسة التي يعاني منها القطاع سواء على مستوى الصادرات أو على مستوى السوق الداخلي. كما تجدر الإشارة كذلك أنه داخل القطاع الصناعي هناك قطاعات تحدث مناصب شغل مهمة (صناعة السيارات، …) بينما تدمر قطاعات أخرى مناصب الشغل (قطاع النسيج مثلا).
في المقابل نجد أن حصة قطاع التجارة والخدمات من المناصب المحدثة سنويا قد عرفت ارتفاعا خصوصا على مستوى التجارة بالتقسيط وإصلاح الآلات المنزلية، الخدمات الخاصة والمنزلية، النقل ثم المطاعم والفنادق.
وهو الأمر نفسه في قطاع البناء والأشغال العمومية الذي عرف ارتفاعا في عدد المناصب المحدثة خلال المدة المذكورة إلا أنه في السنوات الأربع الأخيرة بدأ في فقدان مناصب الشغل وذلك كما قلنا راجع إلى الأزمة التي بدأ يعرفها القطاع.
نتائج التقاء العرض والطلب على العمل
من خلال قراءة المعطيات المتعلقة بسوق الشغل يمكن استخلاص ما يلي:
معدل البطالة : عرفت نسبة البطالة خلال 15 سنة الأخيرة انخفاضا ملموسا (9.7%سنة 2015) لكن هذه النسبة تخفي مفارقات يجب الوقوف عندها، بحيث تصل هذه النسبة 14.6%بالوسط الحضري مقابل 4.1%بالوسط القروي، وتصل النسبة عند الشباب من 15 إلى 24 سنة حوالي 39% بينما تصل عند أصحاب الشواهد حوالي 17.3%.
الشغل غير المؤدى عنه : 22.5%من مناصب الشغل غير مؤدى عنها (41.6% في العالم القروي)، ويتعلق الأمر هنا بالأشخاص الذين يشتغلون كمتعلمين بدون أجر أو المساعدين العائليين.
الشغل الموسمي أو غير القار: 8% من المشتغلين على الصعيد الوطني يعملون بشكل موسمي وغير قار وما بين سنة 2008 و 2014 53.9% من مناصب الشغل المحدثة هي غير قارة أو موسمية.
الحماية القانونية والاجتماعية: 20.5% فقط من المشتغلين على الصعيد الوطني يستفيدون من التغطية الصحية (5.6%بالوسط القروي) بينما 36.5% فقط من الأجراء يعملون بموجب عقد عمل مكتوب (7.5% بالقطاع الفلاحي و 7.4%بقطاع البناء والأشغال العمومية).
خلاصة:
يتضح إذن من خلال المعطيات السابقة أن البطالة بالمغرب ظاهرة هيكلية وليست ظرفية إلا في جزء قليل منها، بمعنى أنها مرتبطة أساسا بالمشاكل البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد الوطني ومن أهمها أنه 1/ اقتصاد احتكاري وريعي بامتياز 2/ اقتصاد غير مهيكل بشكل كبير 3/ اقتصاد غير تنافسي على المستوى الدولي وخصوصا مقارنة مع الشركاء الرئيسيين 4/ لم يحترم في تطوره المسار النموذجي : فلاحة – صناعة – ثم تجارة وخدمات 5/ لا يخدم تطور منظومة التربية والتكوين، إلخ.
ومن هذا المنطلق، وكما هو معروف في النظريات الاقتصادية المتعلقة بالسياسات الاقتصادية والتي تقول بضرورة ملائمة السياسة الاقتصادية لطبيعة المشاكل التي يجب معالجتها بحيث تحل الإشكالات الهيكلية بإجراءات هيكلية وتحل الإشكالات الظرفية والقطاعية بإجراءات ظرفية، نعتقد أن معضلة البطالة بالمغرب لا يمكن حلها من دون إحداث تغييرات جدرية على النموذج الاقتصادي الوطني في اتجاه اقتصاد حر وتنافسي يخضع قولا وفعلا لمبادئ الليبيرالية الاقتصادية مع ضرورة تدخل الدولة، انسجاما مع النظرية الكينزية التي أثبتت راهنيتها، وذلك بالاستثمار في القطاعات الاستراتيجية والبنيات التحتية بما يكفي للرفع من الطلب الداخلي المؤدي إلى تدفق الاستثمارات الخاصة الداخلية منها والخارجية. ما عدا ذلك قد تنجح المخططات الحكومية المتفرقة والإجراءات التحفيزية لصالح المشغلين (ضريبية أو متعلقة بالضمان الاجتماعي مثلا) والبرامج التحفيزية من أجل التشغيل الذاتي للشباب أصحاب الشواهد، إلخ، قد تنجح في خلق مناصب شغل إضافية لكنها بالتأكيد لن تحل المشكلة ولن تمنع اندثار مناصب شغل أخرى في قطاعات قد تعاني في أية لحظة من تداعيات الاختلالات البنيوية التي تحدثنا عنها. فهل أخذت الاستراتيجية الوطنية للتشغيل 2015-2025 هذه الأمور بعين الاعتبار أم أن وضع الاستراتيجية كان بالنسبة للسيد الصديقي هدفا في حد ذاته؟