رغم مرورأربعة عقود ونيف على المسيرة الخضراء،إلا أن هذا الإنجاز الكبير وماتلاه من منجزات في العمران،والتمدن والتحديث بالأقاليم الجنوبية المسترجعة،لم تستطع أن تحجب الأخطاء التي ارتكبتها المملكة المغربية في تدبير قضية وحدتها الترابية.

كان أول هذه الأخطاء وأهمهاعندما تصدت وزارة الداخلية سنة1972 للمظاهرات التي نظمها بمدينة طانطان مجموعة من شباب الأقاليم الجنوبية ،طالبوا فيها بتحرير منطقة الصحراء على غرار باقي مناطق المغرب المحررة.وعلى إثر الملاحقات الأمنية وحملة الإعتقالات التي تلت هذا الحادث ،فر الكثير من هؤلاء الشباب إلى الأراضي الموريتانية،حيث أسسوا لاحقا بمدينة الزويرات ،الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب(البوليساريو)التي تمكن النظام العسكري بالجزائر من جلبها إلى تندوف فيما بعد،واستخدامها ضد الجيش المغربي الذي كان قد ألحق بالجيش الجزائري هزيمة في حرب الرمال سنة 1963م.

وبعد سنوات من هذه الأحداث ستتوالى الأخطاء التي نتجت بالأساس عن استئثارالقصر ووزارة الداخلية بتدبير ملف الصحراء المغربية،وعدم إشراك الأحزاب الوطنية وهيئات المجتمع المدني في القرارات التي تخص هذه القضية ،تمثلت بداية في موافقة المغرب على مخطط منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1981 الذي كان من شروطه إجراء استفتاء على مغربية الصحراء،وهو الأمر الذي رفضه آنذاك الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد وأعضاء من المكتب السياسي لحزب الإتحاد الإشتراكي،ثم بعد ذلك جاء الإنسحابمن المنظمة الإفريقية سنة 1984،مما ترك المجال مفتوحا أمام  الجزائر والبوليساريو اللذين كسبت أطروحتهما المعادية للمغرب ، دعم وتأييد عدة دول من افريقيا وغيرها.

ولئن حاول الملك محمد السادس منذ توليه عرش المملكة المغربية ،تفعيل الديبلوماسية الشعبية وإشراك هيئات المجتمع المدني في الدفاع عن مغربية الصحراء في المؤتمرات والمهرجانات، والتظاهرات العالمية ،خاصة بعد تقديم المغرب مذكرة الحكم الذاتي سنة 2007 التي  أراد من خلالها الخروج من حالة الجمود بعد فشل مخطط التسوية التي اقترحته الأمم المتحدة سنة 1991،إلا أن ذلك التحول لم يقطع مع الأساليب المتبعة في السابق ،ولم يرق إلى التعامل مع الأحزاب وهيئات المجتمع المدني كقوة اقتراحية، ينظرإلى مبادراتها بشكل ايجابي،ويدل على ذلك ماجرى لمذكرات الأحزاب المغربية حول الحهوية الموسعة التي لم تجد طريقها إلى التطبيق،وفي مقدمتها مذكرة حزب العدالة والتنمية التي طالب فيها بتمتيع الأقاليم الصحراوية بوضعية متقدمة، تمكنها من صلاحيات اضافية ومقتضيات خاصة تنسجم مع خصوصيات المنطقة في اتنظار الحل النهائي.

وفضلا عن هذا، راهن المغرب منذ مدة طويلة على فئة من الأعيان وعائلتهم،هؤلا ء الأعيان الذين ظلت مساهماتهم في الملف جد محدودة،ولقبوا في السنوات الأخيرة بالقطط السمان لاستغلالهم قضية الصحراء من أجل الإغتناء وخدمة مصالحهم الخاصة،وهملايقلون فسادا عن قيادة البوليساريو التي راكمت الأموال و الثروات،وعمقت مأساة اللاجئين بالمخيمات،وفيمقابل ذلك تم تهميش النخب المثقفة بالمنطقة، والعائدين إلى أرض الوطن من قيادات البوليساريو،وحتى إذا استثنينا الذين تم اشراكهم في تدبير الشأن المحلي ،فقد تمت محاربتهم من رموز الفساد ،وحرمت المنطقة من كفاءاتهم ، كما حدث مع  عمر الحضرمي عندما عين واليا على مدينة كلميم باب الصحراء.

وإذا أضفنا إلى ماسبق ،جهل الصحافة العربية والعالمية بالمعطيات الحقيقية حول قضية الصحراء المغربية،نخلص إلى حقيقة مهمة،ألا وهي ضعف أداء الديبلوماسية المغربية التي عجزت لعقود من الزمن عن تعريف الرأي العام الدولي بالحقائق التاريخية والقانونية الدالة على مغربية الصحراء.

ومن هذه الحقائق التاريخية التي تتعلق بالصحراء المغربية ،نجد أنها لم تكن ارض خلاء ،فمنذ عهد المرابطين حيث استقرت بها قبائل صنهاجة ،ومن بعدهم قبائل بني هلال وبني معقل القادمة من المشرق العربي،كان دائماهناك ارتباط بين   أهل الصحراء وسلاطين الدولة المغربية الذين تولوا حل المشاكل التي كانت تقع بين سكان المنطقة والقوى الاستعمارية أو شركاتهم التجارية،وهكذا عندما أراد الاسبان الاستيلاء مبكرا على السواحل الصحراوية لصيد السمك تصدت لهم الدولة السعدية عام 1527م،وكذلك عندما حاولت بريطانيا عبر التاجر “ماكينزي”التغلغل في الصحراء تدخل السلطان الحسن الأول للحد من تلك الأطماع،ولما اتفقت اسبانيا وفرنساعلى تقاسم الأراضي المغربية والموريتانية،دعم السلطان الحسن الأول وبعده السلطان عبد العزيز مقاومة القبائل الصحراوية لهذا الاستعمار الاجنبي،وكان الشيخ ماء العينين رحمه الله من أبرز قادة المقاومة بالجنوب، فقد أعلن النفير وسط القبائل الصحراوية،وقادها إلى الجهاد ضد الجيوش  الفرنسية والاسبانية،مكبدا إياها خسائر فادحة في الرجال والعتاد،ولم تستطع القوى الاستعمارية أن تجد لها موطئا في الصحراء المغربية إلا في سنة 1926.

ولقد استمرت الملاحم البطولية  لقبائل الصحراء بعد ذلك ،سواء تحت قيادة أبناء الشيخ ماء العينين كأحمد الهيبة و مربيه ربه و محمد الأغظف، أو آخرين كمحمد ولد الخليل قائد ركيبات الساحل المتوفى سنة 1925،و بعد إحداث المركز الكبير لجيش التحرير بمدينة كلميم ،تعززت الصلة أكثر بين المقاومين في شمال المغرب وجنوبه،وتوزعت الفرق والوحدات العسكرية على مختلف المدن والمداشرالصحراوية،فخاضت معارك هامة بأم العشار والسمارة ،وبئرانزانوأوسرد،والعركوبوكلتة زموروغيرها من المعارك التي يشير إليها أرشيف المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير.

كما كان لعلماء الصحراء موقفا حازما في رفضهم للإستعمار،فأفتوا بحرمة نقض البيعة ولو تغلب النصارى،ومن هؤلاء الشيخ عبد القادر بن محمد بن محمد سالم الذي قال:”من خرج عن طاعة السلطان بغير إذن فقد استحق مقت الله”،وقالأيضا:”إن تلك البلاد(الصحراء)متسلسلة عليها بيعة عرش المغرب الكبير من ظهور الإسلام…فهي داخلة شرعا بالتواريخ في جريان العمل فيها بأوامر الملوك المغاربة”.

أما قانونيا،فقد أقرت محكمة العدل الدولية بلاهاي بوجود روابط بيعة وولاء بين القبائل الصحراية وسلاطين المغرب،بالإضافة إلى الإقراربوحدة المذهب المالكي المعمول به في الشمال والجنوب،وهذاماجعل يحجب خطري أحد شعراء المنطقة يقول في أبيات من الشعر:

           هذي لهاي برهنت في حكمها       عن حقنا المنشود في الصحراء

           وهي السيادة للملوك حديثهم         كقديمهم  في سائر الأنحاء

          فمن الشمال إلى أقاصي قطرنا      دأبا جنوبا دونما استثناء

وكذلك كانت ممارسة المغرب لسيادته على صحرائه باستمرار بتعيين القضاة والقواد ،وضباط الجيش وغيرهم من المسؤولين المحليين بواسطة الظهائر الملكية،كما كانت تتم عبر المراسلات بين سلاطين المغرب وشيوخ القبائل الصحرواية، ولذلك اعتبرت  الصحراء دائما جزءا لايتجزأ من التراب المغربي  حسب الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمها المغرب مع مجموعة من الدول الأجنبية.

إن طي هذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية ،يقتضي بداية تفعيل مبادرة الحكم الذاتي ،وذلك بعد فتح حوار صريح بين المغرب وأبنائه بالأقاليم الجنوبية،حواريضم الشباب والشيوخ ،كما يضم أيضا منظمات وهيئات المجتمع المدني ،وسيكون جيدا لو تم الانفتاح على بعض القيادات المعارضة لجبهة البوليساريو،ويجب أن يتزامن ذلك مع الشروع في جلب استثمارات كبيرة،من شأنها تحويل المنطقة إلى مركز اقتصادي كبير يربط المغرب بعمقهالإفريقي،ثم الوصول في النهاية إلى إجراء مصالحة حقيقية بين المغرب والجزائر،بعيدا عن التأثير السلبي لمصانع ولوبيات السلاح العالمية التي ترغب في استمرار النزاعات والحروب خاصة في القارتين الإفريقية والأسيوية.