تميز حزب ا”لعدالة والتنمية” بحضور لافت مقارنة بباقي الأحزاب على الإنترنت في السنوات الخمس الأخيرة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد بدا واضحا من الوهلة الأولى أن الأمر لا يتعلق بعمل عشوائي بل بعمل منظم يقوم به أشخاص لهم ارتباط إديولوجي وعقدي بفكرة الحزب، فكانت النتيجة أن أطلق مناوؤو البيجيدي لقب “الكتائب” على مدوني “العدالة والتنمية”، ومن يناصرون الحزب في تعليقات على الأخبار والروابط التي تنتقد التجربة الحكومية أو تدافع عنها، فغالبا ما لجأ هؤلاء لتقنية “نسخ لصق” التعليق ثم يأتي دور البقية عبر ضغط زر “إعجاب” على التعليق ليظهر لقارئ التعاليق أن الأغلبية تناصر بنكيران وحزبه.

تهمتي “الكتائب” و”العمل المنظم” لطالما أنكرها منتسبو البيجيدي وقالوا أن الأمر يتعلق بنشاط عادي لشبيبة الحزب التي لديها حضور على الويب المغربي، إلا أن استقبال بنكيران لمدونين مقربين من حزبه في واقعة “بطاطا بالزيتون” الشهيرة صيف 2015 أكدهما، وأكد أن الأمر يتعلق بعمل إلكتروني منظم و ليس بحضور عادي لشبيبة الحزب، لكن ما الذي جعل بنكيران ينقلب على أقرب مقربيه ومناصريه من “ميليشيات إلكترونية” بعد فوزه في انتخابات 7 أكتوبر رغم أن هؤلاء كان لهم الدور الأكبر في صد الهجمات وتشويه الخصوم وبالتالي فوز حزبه؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال علينا أن نتابع تسلسل الأحداث على العالم الافتراضي قبل وبعد الإنتخابات، بدءاً من واقعة بيان “خدام الدولة” الشهير وطلب بنكيران من أعضاء حزب الصمت إلكترونيا، ثم توجيههم بالصمت مجددا في قضية “مسيرة البيضاء”، فصيامه عن كلمة “التحكم” خلال الحملة الانتخابية، ثم الحملة على الوزير التوفيق بعد الانتخابات والتشهير بإحدى الفائزات من البيجيدي عن اللائحة الوطنية، فالهجموم على قيادات الاستقلال والاتحاد واستنكار التحالف معهما، في هاته الأحداث بدا واضحا أن خطاب بنكيران لم يعد يتماهى مع عمل “الميليشيات الإلكترونية” التابعة لحزبه على أرض العالم الأزرق، وظهر أن الحزب وأمينه العام قد فقدا السيطرة على سلاحهم الإلكتروني، وكي نكون عمليين دعنا نوضح الأمر بالمثال الآتي: لقد بدا الأمر كأن رئيس دولة ما يحاول تحسين العلاقات مع دولة مجاورة ويلتقي رئيسها ويصافحه بحرارة، بينما يستمر جيشه في فتح جبهات القتال وإطلاق الرصاص اتجاه حدود الدولة العدوة سابقا والحليفة حاليا، بل وحتى ضد حلفائها، هذا الأمر سبب حرجا كبيرا لعبد الإله بنكيران وكلماته عن أنه يدفع ثمن كل كلمة تكتب هو كلام صحيح، فقد أصبحت جهات كثيرة تطلب من بنكيران لجم “حواسيب” أعضائه ومتعاطفيه، وجميعنا نتذكر كيف ساءت العلاقة بين مزوار وبنكيران بعد أن اتهمت كتائب “البيجيدي” مزوار و”الأحرار” بالخيانة على الإنترنت عقب تصويت الحزب لصالح “البام” في انتخابات رئاسة الجهات، مما فتح على بنكيران أبواب جهنم، مما يعني أن الكلفة الحالية لميليشيات الحزب الإلكترونية أصبحت أكثر من فائدتها خاصة في ظرفية البحث عن التحالفات، وفي ظل الصراع الذي يخوضه الحزب ضد جهات مختلفة تنتظر هفوات مماثلة، ومثالا على هاته الهفوات “الحملة على التوفيق” التي انتقدها بنكيران بشدة، إذ جعلت الحزب متهما بمحاولة السطو على الحقل الديني وتجاوز إمارة المؤمنين، وهو ما قد يفتح على الحزب أبواب الجحيم، فبنكيران يدرك جيدا أن الدولة لن تسمح بتجاوز حدود المرسوم.

وكي نختم هذا المقال وليس الموضوع لأنه من المنتظر أن يسيل مدادا كثيرا، فإن أوصاف “المداويخ”، “المراهقين” و”عديمي العقل” التي أطلقها بنكيران واللكنة الغاضبة التي ظهر بها توضح بالملموس أن رئيس حكومة “تصريف الأعمال” لم يعد قادرا على دفع كلفة ما يقوم به “مريدوه الإلكترونيون”، كما أنه لم يعد بحاجة إليهم فبنكيران يعلم يقينا أنها آخر ولاية لشخصه وقد تكون الأخيرة أيضا لحزبه، ويدرك أن أغلبيته قد اكتملت وبالتالي لم يعد بحاجة لمن يصارع طواحين الهواء معه فقد حقق أهدافه بأكملها من “رئاسة الحكومة” حتى “جمع الأغلبية” فما الفائدة إذن من الكتائب الآن؟ ربما قد يتهمهم قريبا بأنهم مسخرون من جهات ما لعرقلة الحكومة وإفشالها من يدري؟