من الثابت في تصريحات وكتابات الأمازيغي أحمد عصيد، مهاجمة كل ما يتعلق بالدين، لدرجة أن الرجل أصبحت هوايته المفضلة هي تقديم صورة مشوهة عن مظاهر الدين في المجتمع، من خلال الركوب على قيم الحداثة الغربية كالعلمانية والحريات الفردية وحقوق الإنسان..

ولأنه يعتبر نفسه من المدافعين عن العلمانية والحريات الفردية، فهو لا يكلّ ولا يملّ من ترديد بعض المقولات التي تجعله يعتقد واهما أنه يقف في صف “الحداثيين”، مع العلم أن مفهوم الحداثة بعيد عن الأفكار التي ينادي بها، والتي تنم عن عداء مزمن مع الدين ومظاهره، وهذا يتناقض مع الحداثة التي لها موقف إيجابي من الدين والتدين.

ومن بين القيم التي جاءت بها الحداثة، مفهوم الحريات الفردية، كما ينص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يشمل حرية الفكر والاعتقاد والدين، وحرية الرأي والتعبير، لكن عصيد ومن على شاكلته من منتحلي الحداثة، يتظاهر بالدفاع عن الحريات قولا، في وقت يتناقض معها فعلا في تصريحاته وكتاباته، وا يكتبه أحمد عصيد من مقالات، غارقة في التناقض والتخبط، بين دعوته إلى العلمانية والحريات الفردية، وبين مهاجمته كل مظاهر الحرية الدينية، وآخرها نشره لمقالة بعنوان “الجهاد الكروي”، عبّر فيها على نفس موقفه الإيديولوجي الثابت من الدين الإسلامي، كما فعل في مقالات سابقة، تعرّض فيها للصلاة في أماكن العمل والصلاة خارج المساجد، وأعاد طرح نظرته الدونية لكل تصرف أو ممارسة دينية، لكن هذه المرة دخل مجالا جديدا ألا وهو مجال الرياضة، وبالتحديد كرة القدم بمناسبة تنظيم كأس العالم 2018 بروسيا، حيث جاء في مقالته:

” الآن بعد أن انتهت منافسات كأس العالم وفاز من هو أفضل، لنعد إلى سلوكات المسلمين، الذين يبدو أن تخلفهم لم يستثن أي مجال بما فيه المجال الكروي، حيث في الوقت الذي كان فيه على المسلمين التنافس على الكرة، انعطفوا إلى الدعاية لعقيدتهم مستغلين مباريات الكرة، حيث حدث لديهم خلط غريب بين الرياضة وبين العقيدة، بين الانتصار في الكرة وبين الانتصار للعقيدة والدين، التي لا علاقة لها مطلقا بموضوع التنافس الرياضي”.

وكما يلاحظ من خلال هذه الفقرة التي استهل بها عصيد هجومه على “المسلمين” بتذكريهم بتخلفهم في جميع المجالات، بما فيها مجال كرة القدم، وهو عندما استخدم عمدا لفظ “المسلمين” وليس العرب، كان يقصد أن يربط بين تخلفهم وبين اتباعهم للدين الإسلامي، ولكن الحقيقة التاريخية التي يتجاهلها الرجل، هي أن المسلمين والعرب عرفوا خلال فترات من التاريخ الإنساني، تقدما علميا وحضاريا كبيرا، ولم تكن ديانتهم الإسلامية عائقا أمام تقدمهم، بل كانت هي الأساس الفكري والعقدي المرجعي الذي اعتمدوه في نهوضهم الحضاري، لكن مشكلة عصيد في علمانيته المتطرفة، التي تحجب عنه حقائق التاريخ، ولذلك فهو لا يجد حرجا في اتهامهم بالدعوة لدينهم في مباريات كرة القدم، وطبعا هو يقصد بعض اللاعبين العرب، الذين يُعبّرون عن فرحتهم داخل الملاعب بعد تسجيل فريقهم للأهداف بالسجود على العشب الأخضر، وهو يريد أن يفرض وصاية على حرية التعبير لدى هؤلاء اللاعبين عن الفرح بما ينسجم مع قناعاتهم وعقيدتهم، وهذا يدخل في مجال حرية المعتقد، الذي يزعم عصيد أنه يدافع عنه.

وحتى يوضح موقفه جيدا، يأتي عصيد بالمثال عن ذلك من خلال الفقرة الموالية:

” كانت بداية الهذيان الإسلاموي مع لاعب ليفربول الممتاز محمد صلاح (المصري الأصل)، الذي كان يقوم عفويا بحركات بعد تسجيله لإصابة، كرفع السبابة أو السجود على الأرض، وهي حركات تقابلها عند اللاعبين الغربيين أو لاعبي أمريكا الجنوبية حركة الصليب المعتادة،  لكن مشايخ الأزهر ودعاة الهذيان الوهابي سرعان ما تلقفوا حركات اللاعب المصري، ليجعلوا منها علامة على وعي “جهادي” لديه، جعلهم يثقلون كاهل اللاعب المسكين بمهمة ثقيلة وعويصة، هي “الجهاد” ونشر الإسلام بالكرة...”.

ومن خلال هذه الفقرة، يظهر جليا أن عصيد لديه مشكلة كبيرة مع تعبير “المسلمين” عن حريتهم الدينية في المجال العام، سواء في المجال السياسي أو الرياضي، لأنه يعتقد أن الدين مجال خاصا بالفرد، ولذلك فهو يؤمن بأن أي تعبير عن حرية المعتقد في هاذين المجالين، هو استغلال للدين، في حين يعتقد المسلمون أن الدين الإسلامي، هو دين جاء لتنظيم الحياة.

كما لا يخفى التخبط الذي وقع فيه عصيد، حينما ربط بين سجود اللاعب في الملعب والجهاد، مع العلم أن مفهوم الجهاد قائم على العنف، والدعوة تقوم على السلمية، وكان الأجدر به أن يختار لمقالته عنوانا آخر يتوافق مع مضمونها مثل “الدعوة الكروية” أو “السجود في الملاعب”…

وحتى تكتمل الصورة، يضيف عصيد في فترة تالية: ” وامتدت العدوى إلى تونس، فصار لاعبو الفريق التونسي أيضا من الساجدين، فتحولت المباريات إلى طقوس استعراضية لعقيدة اللاعبين، وتوالت الهزائم في الكرة، والغزوات المظفرة في الدعوة”.

ومن خلال ما ذكرنا، يكشف عصيد مرة أخرى، عن موقفه الإيديولوجي المعادي لكل مظاهر الدين، بما في ذلك حق اللاعبين في التعبير عن حريتهم الدينية داخل الملاعب، في تناقض مثير للاستغراب مع دعوته المستمرة لإقرار حرية المعتقد.