حرستا، داريا، معرة النعمان، حمص…أسماء جميلة لأمكنة جميلة… كانت جميلة، وحلب أجملها جميعا، وعروسها المدماة.

ما جدوى التاريخ عندما يبني الوهم، و ما جدواه عندما يعتلي الأقزام رقبته، وعندما تضحي حلب غير حلب، و يغدو التاريخ كومة من التراب المقلوب.

من سمح للمغول الجدد ،أن يتسرّبوا عبر الشقوق، ليفعلوا فعلتهم التي يفعلون ، وليدوسوا التراب المقدس هناك، و متى استعاد الروسي الموتور ـ لاعب الجودوـ كامل لياقته ليتجاسر على أرض الشام ويطأ الفستق الحلبي بنعليه. 

تختصمون وكأنكم  تختصمون، تشجبون و كأنكم تشجبون وتستنكرون و ما تكادوا تفعلون… في دار الندوة الجديدة ترفعون لاءاتكم ، وتنكصون على أعقابكم، وتطيلون الفتيل ليتوهج الموت  وليموت عمران ومحمد وإيلان وعلي …ولتموت فاطمة ، وهي تدس تحت عباءتها البنفسجية ، قلما للحبر و المدرسة، خبأته هناك لتكتب تاريخ الدم و الحقيقة، تاريخ الألم و الفجيعة ، ولتقول لإعلامكم الأعمى ، أنْ لا المجنزرات و لا الطيارات و لا الرصاص… يقتل الذاكرة .

في هذا الخضم الموبوء، تختلط الألوية و تتشابه الرايات وكلٌ يمد بسبب إلى دلوه، تتمترس الأخت الكبرى ، مصر أم الدنيا كما كانوا يقولون، وراء الغزاة القادمين من بلاد الثلج و الفودكا، وتُدير ظهرها لابن البلد ، وتصافح الجلاد وتأخذ النصح و الخديعة منه، ولتسمع طقطقة الفستق الحلبي من كل مكان، وينهمر شلال العار يشين المتواطئين .

عصي على الفهم، كيف يغدو الدم العربي أرخص من البترول العربي و أرخص من الرخص ، جُلْ بناظريك في كل بقعة من بقاع العالم ، تجد دما عربيا مهروقا وعربيا مشنوقا ، ومشنقة يعدونها على مهل لبقية البقية من العرب، يبنيها عرب و يتدلى منها عرب.

وانظر إلى كل بلاد الدنيا ، حيث يبني الناس أوطانهم ويشدون نصبها عميقا في غور الأرض والتاريخ، و انظروا إلى فلسطين والعراق والشام و ليبيا واليمن… يمسحونها مسحا من ذاكرة التاريخ . 

بعد إسقاط جدار برلين، انهار اللفيف السوفياتي القديم، واختفى الروس ردحا من الزمن، منشغلين بالانقلابات و”البيرسترويكا” و بوريس يلتسين، حتى كاد الناس ينسون دولة عريضة المساحة اسمها روسيا، حكمتها المافيا وغارت في حرب الشيشان حتى أخمص قدميها، وبدأ المحللون “البارعون دوما” يتحدثون عن قطبية فقدت أحد رأسيها، يقودها الأمريكان إلى العراق و أفغانستان.

سوريا إذا، سبيل الروس إلى النجومية والعودة إلى الركح العالمي الذي يعتليه رهط من الفتوة الممثلين، يلوحون ” بنبابيتهم المسننة” و الحشود تنظر و تتابع.وسوريا هي حقل تجريب العضلات المنفوخة على عجل،و القنابل الفراغية التي تحفر تحت الملاجئ ، وليجرب وزير خارجيتها أحدث موضة من الكلام المسموم و الضحك على الذقون.

أيها القياصرة الجدد لمَ يممتم صوب دارنا ! ولمَ زرعتم العلقم وسط مروجنا الخضراء…!

 دمُكم ليس بيننا أيها القادمون من وراء الجبال الباردة، و ذاكرتنا أشد مضاء من حد السيف، . لن ننسى ترابنا الندي المبلول بالدم و البارود، لن ننسى خرائط المكر و الخديعة ، تنسجونها بين العواصم القديمة للاحتلال والغطرسة والاستعمار.سنعيد بناء نصبنا التذكاري قطعة قطعة، نأخذها من متاحفنا المسروقة.

في كل ثانية وحين ، يرفعون من تحت الأنقاض عريسا ، مغبرا مدمّى الوجه و اليدين، وسيما مثل طيف و نبيلا مثل ملاك، يأخذ كامل وقته وكامل أناقته، و ينظر في وجه العالم والكاميرا ليقول لهم: ” أيها الجبناء… سأظل أعيش في ذاكرتكم!”