الأسلوب المحراثي

  الكتابة بالأسلوب المحراثي (en boustrophédon )، كتابة وُجدت في القديم، تتحرك من اليسار إلى اليمين في  السطر الأول، ومن اليمين إلى اليسار في السطر الثاني؛ وقد سُميت كذلك لأنها تُشبه دورة البقرة  في سيرها بالمحراث في حرث الأرض.

أرى أن هذه الاستعارة تنطبق على مشهدنا السياسي – الحزبي بالمغرب، خاصة أثناء الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة (اقتراع 07 أكتوبر) وما تمخض عنها.

الزمن الانتخابي وحركية الاحزاب

  الزمان، في عُرف الفلاسفة، “مقدارُ الحركة في المتقدم والمتأخر”؛ غير أن الحركات تختلف بالسرعة والبطء، بقدر اختلاف المحركات والمتحرك. وهذا ما عايناه إبان الحملة الانتخابية السابقة ليوم الاقتراع، بحيث تحركت الأحزاب المنخرطة في العملية الانتخابية، يُمنة ويُسرة، وذرعت المسافات جيئة وذهاباً ، بحسب ما تسمح به الطاقة المالية واللوجستيكية  للمحرك والمتحرك معاً.  ومن ثمة، كانت الحركة الحزبية، فيما سبقها من قبليات وما صاحبها من معيّات، تختلف عن الحركة فيما ترتب عنها من بعديّات.

أسفرت الحركات تلك، عن تخلخل (بمعنى الزيادة) بالنسبة لبعضها، وعن ذبول (بمعنى النقصان) بالنسبة لبعضها الآخر؛ فيما بارحت أخرى نفس الوضعية (بمعنى حركة وضعية)  دون أن تحقق أي نقلة.

كان يلزم، لو تعلق الأمر بمشهد حزبي سليم،، وفي ضوء هذه البعديات، أن يحتل كل حزب “مكانه الطبيعي”  في الأغلبية أو في المعارضة؛ في اليمين أو في اليسار ليتكرس المعنى النبيل للسياسة بما هي ” تعاون بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء الانسان” (ابن سينا)؛ لكن أحزاباُ معطوبة، بلا هوية، ت” تُربط يميناُ كما يمكن أن تُربط يساراً ” (كما يقول المثل الريفي)، صنعت مشهداً سياسياً موبوئاً من بين أعراضه تعذر تشكيل الحكومة؛ وحتى إذا تشكلت فلن تكون إلا حكومة هجينة.

فائدة

إن الحركية الحزبية، بالمعنى السالف، وفي ظل هكذا شروط، لا تحقق أي هدف؛ بحيث تصبح “الحركة كل شيء، والهدف لا شيء”، مصداقاً لشعار المذهب الفوضوي. واعلمْ أن هذه الفوضى مستمرة طالما استمر وجود أحزاب تتحرك حركة الاستحالة، أي تنتقل من كيف إلى كيف ( مثل الانتقال من الابيضاض إلى الاسوداد، ومن الاسوداد إلى الابيضاض)،  وتحرث الأرض يُمنة وشمالا سيراً على نهج (البوستروفيدون).