هل جرّبْتِ أن ترافقي شاعراً إلى مقهىً، إلى مطْعمٍ أو إلى أيّ مقشدةٍ في أيّ مكانٍ قصيّ، هل جرّبتِ أن تستفيقي على رسائِل الورد وكلّ أسمائِه، هل جرّبْتِ أن تنهِي نهارك بالقُبل وكلام الحبّ الصّادق، هل جرّبْتِ أن توقظكِ كلمة “أحبّك” في هزيع الليل، في الصّيف الحارّ وفي فصول الشّتاء القارّ، هل جرّبتِ أن تُمسك يد شاعركِ في الشّارع الطويل كما تُمسك الطّفلة حبل طائرتها الورقِية، هل جرّبتِ أنْ تشترِي شيئاً لا يعنيك أبداً، لكنّه يرسُم ابتسامةً ساحرة على ثغرِ حبيبتك، هل جرّبْتِ أن تكتُبي رسائِلَ الغرام في زمنِ الميسانجْر، هل جرّبْتِ أن تنتبهِي لكلّ التفاهات من حوْلك بدقّة منتهية، هل جرّبْتِ أن تتأبطي ابطَ حبيبك وتُقبّل راحة يدهِ ذهاباَ ومجيئاً دون أن تنتبهي لأحدٍ، هل جرّبْتِ أن تتقطّع أنفاسُك وأنت تنتشِين بحُضن حبيبك في محطّة بئيسة؟

أنا جرّبتُ، شربتُ الحساء السّاخن رفقة حبيبتي في مقشدةِ تعجّ بطلبة الجامعات، كنتُ شاعرها وكانت حبيبتي، كانتْ تشربُ الحساء كما ترتوِي الحمامة، كانتْ تضعُ الملعقة في فمها فأقيسُ حرارة جسمِي، كان النّادل باسماً وفرحاً وهو يعرضُ علينا خدماته، سخيا كريماً، لأنّنا دخلنا عليه باسمين ممتلئين بالحبّ رغْم تعب السّفر والسّهر، أنا جرّبتُ وأكلتُ فصوص التّمر وفتحنا موضوعاً شجيا عن فوائِد التّمر، وكانت كلّ فرص الحدِيث تفتحُ لنا أفقاً للحديث الطّويل حتَّى دون أن نتّفق على شيْء، إنّها الدّهشة في الحديث إلى من نُحبّ، هل جرّبتِ أن تشتهِي الحديث إلى من تُحبين حتَّى وإن ليس لديْك ما تتحدثين فيه؟
أنا جرّبتُ، هل أخبركُ بأشياء أخرى، أنا أقبّل حبيبتي في الشّارع، أمسكُ خصرها بيديّ، أقبّل كفّها، وأتغزّل بأناملها، أتغزّل بعينيها، أشاغبها في كلّ مكان، أسمعُ كلامها بحاسة المتذوّق وليس بحاسة المستمع، أتلذّذ بنظراتها، فأصاب بتخمة الحياة، هل جرّبتِ أن يغنيك النظر في عيني حبيبك عن المأكل والمشرب، أنا جرّبت.

هل أزيدك؛ أنا لا أنامُ إلا على لغة حبيبتي، على صوتها وأمانيها وأحلامها بغدٍ يأتي إلينا ليضمنا معا للأبد، أنام في حضنها وتنامُ فيّ، أغني لها حتَّى وإن كان صوتي بشعاً، أكتبُ لها بدوامٍ حبّاً ورغبةَ، أقرأ لها ما اختارهُ لها من نصوص، تنامُ مشبعةً راضية عن يومها، فاتحةً كلّ ذراعيها للغد، هل جرّبْت أن يكُون آخر ليلك “صباحك سكّر حبيبتي”، أنا جرّبت وأكثر.

أنا رجلٌ شاعرٌ لحبيبتي فقطْ، وأن تكُون شاعراً لأجل امرأة وحيدة تحبّها، معناهُ أن تكُون سماءً بطولها وعرضا لأجلِ فراشة وحيدة في هذه الدّنيا، أنا شاعرٌ لحبيبتي وهي شاعرتِي، لا أنْظُمُ لها إلا ما تُلهمني هي من سحرها وشعريتها، أنا شاعرها في ليْلها ونهارها في حضورها وغيابها، في قلقها وفرحها، شاعرها في أشدّ أوجاعها، في خجلها وفي عزّ بكائها. هل جرّبتِ أن تكُوني حبيبة لشاعر؟

الشّاعر ليْس مهنة، ولا يأكل الشّعراء الخُبز من لغتهم ومجازاتهم، الشّعراء يحوّلُون الخُبز آيس كريم، الشّعراء لا يأبهُون لبطونهم، لا يفتحُون قائمة الأطعمة، الشّعراء نمطُ عيشٍ، نقيضُ الحروب واليباب، الشّعراء آخر مراتب الإنسان، الشّعراء توائم الأنبِياء، الفرق أنّ النبيّ مطالبٌ بقول الحقيقة، أما الشّاعر يا صديقتي فلا حرج عليه إن كذب، لأنّ وظيفته أن يصنع من اللغة جمالاً.
الشّاعر هو الكائنُ الوحيد الذي يبيتُ دون عشاء، ليستعير جوع الآخرين، هو الكائن الوحيد الذي يقتسم رغيفه من كلبه وقطته وتحط الحمامات على معطفه.

الشّعراء وحدهُم يأكلون من شجرةِ الغواية، وآدم كان أوّل الشّعراء.

جرّبي أن تخرُجي من جبّة السيدة زينب، وادخُلي فرغة فرجيينا وولف، جرّبي أن تجلسي في المساء أمام مشهد دخُول الشّمس في حمرتها، لعلّك تتحسّسين قلبك.

أنا جرّبتُ كلّ هذه الأنماط الحياتية، إنّها فلسفتِي في العيْش.