قيل أن بيع النقاب منع بقرار لأم الوزارات، وطبيعي أن تخاف الأم على أبنائها وهي التي جبلت على أن تخشى عليهم حتى من نسمة الريح المرسلة، لكن أم الوزارات ليست كباقي الأمهات، فالوزارات أصلا هي تنظيمات إدارية لا إحساس لها فضلا عن أن هذه الأم لم تخرج من رحمها شيئا، ومن تم فهي أم بلا إحساس فهي تجفو وتقسو ولا تحنو.

 تعددت ردود الأفعال بين الاستنكار والتأييد للقرار الذي يحظر بيع النقاب، وطرقت الفرق المؤيدة أو المعارضة كل الأبواب واستمدت أدلتها من وجهات نظرية شرعية أو حقوقية /إنسانية أو قانونية.. 

المثير في الموضوع، هو التناقضات التي يمثلها اتخاذ قرار من هذا القبيل مع المرجعيات والالتزامات المعلن عنها، وأهمها الوضع المتقدم الذي يحاول المغرب تكريسه لفائدة المرأة، ومحاربة جميع أشكال التمييز ضد النساء وتشجيعهن على الانخراط في الحياة السياسية والمهنية، فهل هذه الحقوق تستهدف كل النساء على أساس جنسهن البشري الأنثوي أم أن هذه الامتيازات خاصة فقط بنساء بمواصفات معينة؟

إن انخراط المغرب في تعزيز المنظومة الحقوقية عموما، وحقوق المرأة بوجه خاص تتجاذبه مرجعيتان دستوريتان، الأولى تتعلق بالمرجعية الإسلامية التي كرسها الدستور في فصله الأول والثالث، الذي ينص على أن “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية”، والثانية مرتبطة بتصديق المغرب على مجموعة من الاتفاقيات والمواثيق الدولية والتزامه بما تقتضيه من مبادئ وحقوق وواجبات لتعزيز حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.

ألا يعتبر منع المتاجرة في ملابس المنقبات تضييقا على حرية ممارسة الشؤون الدينية وبالتالي خرقا لمبدأ دستوري؟ ألا يعتبر هذا القرار شططا في استعمال السلطة باعتبار أنه لايوجد أي قانون ينص على منع ارتداء النقاب؟

ألم يكن من الأولى منع تجارة السجائر والخمور والقمار والجنس الرخيص باعتبارها تتعارض مع إسلامية هذا البلد؟ أم لم يكن من الأولى مصادرة السيوف التي تصنع محليا وتستعمل في التشرميل والسرقة؟

كان من الأولى التعامل مع فئة المنقبات باحترام اختياراتهن وفسح المجال لهن بما لايتناقض مع قناعاتهن، ودمجهن في التعليم والثقافة والرياضة، وفسح المجال لهن لإسماع صوتهن عوض اعتماد منطق الإقصاء الذي لا يولد إلا تطرفا وكرها للمجتمع؟ ألن يكون هذا الإدماج أفضل من النظر إليهن كعنصر لا يعني في مخيلة البعض إلا الإرهاب؟

الشواذ أصبحوا يطالبون بحقهم في الحضور على الساحة، والشواذ هنا ليسوا جنسيين فقط، بل كل من يتبنى اختيارات تتعارض مع توجهات المجتمع وقيمه وأخلاقه هو شاذ.

 مرجعية هذا البلد الأمين تضطرب حين نتساهل ونغض الطرف واقعيا عن كل الممارسات المشينة في مقابل التضييق على “المتدينين” أيا كانت المبررات، ومن ادعى الهواجس الأمنية فعليه أن يثبت ذلك، وسيادة الدولة لا يجرؤ أن يستبيحها أحد، لكن للأفراد أيضا حرمتهم.