يعتبر الأستاذ من أهم أقطاب العملية التعليمية، وتزداد أهميته عندما يتعلق الأمر برهانات الرفع من جودة التعلمات والرقي بمستوى مخرجات المدرسة العمومية؛ فتتعدَّد وظائفه ومهامه، ويتضاعف مجهوده وعمله في هذا السياق. 

وعليه، يتوجّب أن تتحقق في هذا المدرس مجموعة من الشروط والمواصفات، الأخلاقية والعلمية والمنهجية؛ حتى يتسم تدريسه بالفعالية والجودة. ويمكن إجمال هذه الشروط والمواصفات فيما يلي:

1 –  أن يستحضر المدرس مراقبة الله تعالى، قبل مراقبة المشرف التربوي أو أي عنصر آخر.

2 – ألا يلتحق بالتدريس إلا من اطَّلع على واقعه، واقتنع بالعمل في ظل إكراهاته وصعوباته.

3 – أن يجتهد غاية الاجتهاد في تنويع المصادر والمراجع التي يعتمد عليها في تحضير دروسه.

4 – أن يكون مُلمًّا بالمضامين المقررة في البرامج، وبأهداف كل برنامج على حدة.

5 – أن يَجتهد في تكييف هذه البرامج مع خصوصية قسمه، في حدود معينة؛ بحيث لا يُسيء إلى جوهر المادة المدرَّسة عامة. فالتكييف لا يعني: حذف بعض المواد أو إلغاءها؛ بل تكييف المادة فقط، من حيث التفاصيلُ، فتُختصر  المادة التي لا تنطبق على محيط بعينه، ويُكتفى بالأساس الذي لا يمكن جهله منها، وإضافة بعض التفاصيل على المادة المناسبة للمحيط. شرط ألا يتعارض هذا التكييف مع المنهاج ومواده الأساس، فلا يَصح أن يُلغيَ المدرس مادة، أو يُبدل عدد ساعاتها بشكل لا يمكن معه الوصول إلى الأهداف المرصودة.

6 – أن يَطَّلع على تجارب زملائه في تدبير العمل، داخل المدرسة نفسها، أو في مدارس أخرى، وذلك  بحضور بعض الدروس التي يجد صعوبات في تدريسها، من أجل الإفادة وتبادل الخبرات والتجارب بشكل أفقي.

7 – أن يقوم بإنجاز بعض البحوث الإجرائية في جزئية واحدة، مرتبطة بصعوبة بعينها؛ قصد التوصل إلى حلول عملية لها. 

 وبالمقابل؛ يتحتّم على القائمين على الشأن التربوي، أن ينتهضوا بمسؤولياتهم كاملة تجاه هذا الأستاذ؛ بدءا بالاختيار الجيد للموارد البشرية، ومرورا بالتكوين الأساس المتين لها، ثم تعهّدها بالتكوين المستمر والتحفيز الدائم والتقويم العلمي. 

ثم إن الاحتكاك مع واقع التدريس، والكشف عن حقيقته والصعوبات التي يعاني منها الممارسون ؛ يفرض من باب المسؤولية التربوية الإسهام في تطوير هذه الموارد البشرية ؛ من خلال تقديم بعض المقترحات، علَّها تجد آذانا صاغية، وقلوبا واعية لدى الساهرين على شؤون التربية والتعليم داخل الوطن. وإليك تلك المقترحات:

إن المأمول من المؤسسات الرسمية التي تُعنى بالشأن التربوي وطنيا، جهويا ومحليا، وهي: وزارة التربية الوطنية، الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والمديريات الإقليمية؛ أن تتحمَّل مسؤولياتها كاملة، وتعبِّرعن إرادتها الحقيقية في تطوير الموارد البشرية وتجويد كفاياتها التدريسية، عبر تحقيق ثلاثة (ضوابط) عملية وتنزيلها على أرض الواقع، وتوفير الشروط الموضوعية المساعدة على تحققها؛ لأنها  ستُسهم في الرقي بجودة التعلمات والدفع بالأستاذ للوصول إلى مستوى الإنتاج والإبداع ، وتأتي هذه الضوابط على المنوال الآتي:  

1- ضابط التكوين:

 أقصد بهذا الضابط تمكين الأستاذ الممارِس من تكوين أساسٍ وتكوين مستمر ومصاحِب، على الصيغة الآتية:

1.1-  التكوين الأساس: يكون من مسؤولية الوزارة الوصية على قطاع التعليم المدرسي، فيتوجب عليها تكوين الطلبة الأساتذة، نظريا وميدانيا، عبر تخصيص فترات للتدريب والاحتكاك مع الواقع.

     يمكن كذلك، الاتفاق على الكفايات الأساس التي ينبغي توفرها في المدرس، انطلاقا من جرد الصعوبات المرتبطة بالتدريس، والعمل على تحويلها إلى أهداف تكوينية يُسهم  في دراستها وتحليلها ومناقشتها، الطلبة الأساتذة مع المدرسين المؤطرين والمشرفين التربويين وأساتذة التطبيق؛ لأن الأستاذ المتخرِّج من مراكز التكوين يتم تعيينه مباشرة، وفي مناطق نائية أحيانا، فلا يَصح ألا يخضع لتكوين أساس متين، يخوِّل له كفاءة نوعية لممارسة فعله التعليمي بكل أريحية.

     2.1- التكوين المستمر: يجب أن تتولى الأكاديميات الجهوية هذه المهمة، فتضع كل أكاديمية برنامجا خاصا للتكوين  المستمر للأساتذة العاملين داخل نفوذها الترابي، بحيث يَسهر على هذا التكوين أساتذة من المراكز الجهوية ومشرفون تربويون.

كما يمكن لكل أكاديمية جهوية أن تجتهد في وضع برامج خاصة موازية، تراعي خصوصية الجهة، والأهداف العامة المشتركة،  والمحاور الكبرى  للبرامج ومفرداتها الأساس، بحيث يتفق عليها الأستاذ، المدير، المؤطر والمسؤول؛ حتى ينخرط الجميع في التفعيل والتنزيل وفق رؤية علمية ومنهجية مضبوطة، بعيدا عن الارتجال والعشوائية.

ومن مسؤوليات الأكاديمية الجهوية كذلك، إعداد دلائل منهجية وعلمية، يتم تمكين الأستاذ المزاوِل منها، تساعده في مستويات: تدبير التخطيط، تدبير التنفيذ، تدبير الفضاء وتدبير عمليات التقويم.

3.1- التكوين المُصاحِب: يتكلف بهذا النوع من التكوين المديريات الإقليمية والإدارات التربوية، بحكم قربها من الممارِس وتواصلها الدائم معه.

يُقوم بهذا التكوين المشرف التربوي أو مدير المدرسة أو الأستاذ المصاحِب الذي ثبتتْ كفاءته وخبرته في هذا النوع من التدريس. وقد أصدرت وزارة التربية الوطنية في هذا الصدد مذكرة بخصوص “الأستاذ المصاحِب”، تحمِل رقم 15/134 بتاريخ 11 دجنبر 2015م، وجعَلتْ من مهام هذا الأستاذ، مساعدة زملائه على تجاوز بعض الصعوبات التي يواجهونها أثناء التدريس وتقديم الحلول العملية لذلك. وهي مسألة بالغة الأهمية انطلاقا من التسمية (المصاحَبة) التي تجعل الأستاذ متفاعلا مع زميله في العمل بهدف تجاوز الصعوبات، دون أن يُحِس بالسلطوية أو الترابية الإدارية التي غالبا ما ينفِر منها الموظف بشكل عام.

كما يتعين على المكوِّن  المصاحِب الإعداد لبعض الدروس التي يقدِّمها هو، أو يتطوع أحد زملائه لإجرائها، ويحضرها الأساتذة، و تَستهدِف كيفية تدبير القسم من حيث الزمنُ أو التعلماتُ، أو الفضاءُ…  ثم يُختتم الدرس بالمناقشة وتبادل الأفكار والاقتراحات. 

إن التكوين عملية مستمرة ودائمة ومتجددة، وحتى إنْ قامت الجهات الوصية بمسؤوليتها في هذا الجانب؛ يتعين على المدرس أن يسعى دائما إلى توسيع مداركه وتجديد معلوماته وإغناء خبراته  وتطوير أساليبه، وألا يتوقف عن البحث والابتكار وتطوير الأداء، عبر التكوين الذاتي الذي لا ينقضي إلا بانقضاء الأجل.

2- ضابط التحفيز:

إذا كان التحفيز في العملية التعليمية التعلمية بمثابة قوة داخلية تدفع التلميذ إلى التعلم؛ فإنه كذلك، بمثابة قوة تدفع الأستاذ إلى العمل. ويؤكد الأساتذة الممارسون خلال محاورتهم أهمية هذا الضابط، خاصة في بعض المواد والسياقات التي تقتضي الإبداع ومضاعفة الجهد؛ إذ إن تغييب هذا الضابط يجعل جميع الأساتذة على وِزان واحد، فلا يُميَّز بين الأستاذ المبدِع المجتهد، وبين غيره ممن يلتزم بما هو مقرر دون تجديد أو تطوير لأدائه. وعليه،  يمكن للجهات المسؤولة أن تُحفز الأستاذ الممارِس، عبر تحقيق الشروط الآتية :

• منح شواهد تقديرية للأساتذة المبدعين الذين يَشهد لهم الأستاذ المصاحِب أو المشرف التربوي أومدير المدرسة ؛ بحيث تُمنح هذه الشواهد من قِبل المديريات الإقليمية أو الأكاديميات الجهوية.

• ألَّا يتولى مهمة الأستاذ المصاحِب، إلا من ثَبتتْ كفاءته، وحصَّل على مجموعة من الشواهد الآنفة الذكر.

• إجراء مسابقات محلية، جهوية ووطنية في كيفية تقديم بعض الدروس، وتخصيص  شواهد تقديرية وجوائز مالية لأحسن عرض على مستوى: تدبير الزمن، تدبير الفضاء، تدبير الحصص…

4 –  ضابط التقـويم (المُحاسَبة):

المقصود بهذا الضابط، ربط المسؤولية بالمحاسبة، وقد جُعل هذا الضابط في المرتبة الأخيرة؛ لأن وجوده مرتبط بمدى تحقق الضوابط الأخرى وتفعيلها، آنذاك يمكن تنزيل هذا الضابط بشكل عملي.

ويعتبر هذا الضابط – المغَيَّب حاليا – أساسا لضبط التدريس، والخروج به من الارتجال والمزاجية إلى التقعيد والعلمية، وهو الذي سيَتحكَّم في هامش الحرية الممنوح للأستاذ، ويقيس مدى تحقق أهداف التدريس والكفايات الأساس المرتبطة بكل مستوىً من المستويات. فينصب تقويم الأستاذ ومحاسبته على مدى التزامه بالأهداف التعليمية، وكيفية تدريس المواد الدراسية ووسائل التقويم والدعم.

وينتهض بهذا الضابط لجنة مكونة من: الأستاذ المصاحِب، مدير المدرسة، المؤطر التربوي وأستاذ من المركز الجهوي؛ بحيث تَبني اللجنة تقييمها بشكل متكامل يستحضر عمل الأستاذ طيلة السنة، ويُكافأ المجتهدون على اجتهادهم، ويُحاسبُ المقصِّرون عن تقصيرهم.

على سبيل الختم، يمكن القول: إن تطوير التعليم والرفع من جودة مخرجاته لن يتحقق؛ مادام أحد أقطاب العملية التعليمية (الأستاذ)، لم يقتنع بعدُ بجدوى هذا التطوير، وغير قادر على تغيير تمثلاته الراسخة عن صعوبة تحققه؛ فيُعبّر عن عدم استعداده للانخراط الفعلي في عملية التطوير.    

يحتاج السادة الأساتذة إلى (التكوين) و(التحفيز) و(المحاسبة) . تلك ضوابطُ ثلاثة، إنْ لم تعمل الجهات المسؤولة على تفعيلها وإيجاد الشروط الموضوعية لتنزيلها كاملةً؛ ستجد نفسها في صدام مع الأستاذ، الذي يعتبر العمل بالقسم واجبا تربويا فقط، فرضته عليه ظروف الاشتغال والواقع المعيش الذي لا يعبِّر عن همومه وتطلعاته.