قطعة الثلج التي كونها أعضاء “جماعة الإخوان” في المغرب وفي مشهده السياسي، وصلت إلى مرحلة صب المياه عليها بغية تذويبها وجعلها عبارة عن مياه ضئيلة ستختفي مع مرور شيء من الوقت، والرائي لقطعة الثلج المذكورة سيجدها قد اختفت تماما بعد صب المياه عليها كما أن شيئا منها لم يكن من قبل. 

بعد مرور أزيد من 4 أشهر عن عجز بنكيران في لم شمل حكومته وتنصيبها، وبعد عدم قدرته عن مقاومة رغبته في بسط سيطرة عشيرته عن دواليب ومفاصل الدولة وإعطاء مفاتيح الحكومة للملك، تحركت الدولة وأجهزتها نحو فتح صراع “قديم جديد” مع جماعة “الإسلاميين” في المغرب، قال عنه بعض المحللين السياسيين الغربيين إن المخزن المغربي يُريد تصفية “إخوان المغرب” بطريقة ديمقراطية”.  

ظن حزب “العدالة والتنمية”، أنه بفوزه في الانتخابات البرلمانية لسنة 2016 وتكليف الملك محمد السادس لعبد الإله بنكيران بتشكيل الحكومة، أنه تخطى “الواد ونشفوا رجليه” كما يقول المثل المغربي، فبعدها وجد “الإسلاميون” أنفسهم في محنة إزاء تعثر المشاورات التي يجريها الأمين العام المكلف عبدالإله بنكيران مع أمناء الأحزاب السياسية المشاركة، انتهت بدون حكومة لأزيد من 100 يوم، وتشكيل برلمان استعجالي ترأسه الحبيب المالكي عن حزب “الاتحاد الاشتراكي”، مع الإشارة لغرفة المستشارين التي يشغلها حكيم بنشماش عن حزب “الأصالة والمعاصرة”، وهو الخصم اللَّدود للإسلاميين في المغرب، حتى راح يتساءل بنكيران في مرحلة الأشواط الإضافية من المشاورات “ماذا تبقى لنا؟”.

هذا الصراع، أشعلت شراراته الدولة، بعدما قررت إجراء مسح عريض لمؤسسات الدولة وأجهزتها، وكلما وجدت فردا ينتمي لجماعة العدل والإحسان في أحد المناصب العليا وغيرها، إلا وشطبت عليه، وانتقمت بطريقة ذكية من نضالات الأساتذة المتدربين الذين تزعمتهم وجوه محسوبة عن نفس التيار الإسلامي إبان حكم بنكيران، عبر ترسيب عدد كبير منهم، محاولة منعهم من التوغل أكثر في دواليب الدولة وإداراتها ومؤسساتها. 

ويبدو أن هذا الخطر، قد استشعرته حركة “الإخوان” في المغرب، بمختلف أدرعها، حتى ولو كانوا من أبرز الناكرين لهذا الوصف أي “الإخوان” الذي بدؤوا يرون فيه سبة في حقهم، بينما تجندت جماعة العدل والإحسان لإشعال فتيل البيانات النارية ضد الدولة، وراح عبد الإله بنكيران يتفوه بكلام في غاية الخطورة وقال “إنه «مستعد لتأدية الثمن غاليا في سبيل الدفاع عن حرية المواطنين في الاختيار السياسي عبر الانتخابات»، وقال بنكيران «لا يمكن أن يذهب الملك لتفريج كربات بعض الشعوب الإفريقية، ويهان الشعب المغربي».

ويبدو أنها حقا مرحلة صراع بين الدولة والدولة الموازية، التي تتمحور في جماعة الإخوان ودروعها، خصوصا بعد بعث وزارة الداخلية لمذكرة سرية وجهت إلى للعمال والولاة، تطالبهم فيها بإعداد بطائق معلومات محينة حول نشطاء وأتباع الجماعات الدينية

ويبدو أنها حقا مرحلة صراع بين الدولة والدولة الموازية، التي تتمحور في جماعة الإخوان ودروعها، خصوصا بعد بعث وزارة الداخلية لمذكرة سرية وجهت إلى للعمال والولاة، تطالبهم فيها بإعداد بطائق معلومات محينة حول نشطاء وأتباع الجماعات الدينية، ضمنهم جماعة التبليغ والدعوة إلى الله، وحركة الإصلاح والتوحيد، والسلفية التقليدية، وجماعة العدل والإحسان، والسلفية الجهادية، والمعتقلين السلفيين الذين قضوا أو لازالوا يقضون عقوبة حبسية، والمذهب الشيعي، والأشخاص المشتبه في انتمائهم. وطلبت المذكرة موافاة مصالح وزارة الداخلية بالعمل المطلوب.

ومن بين الأسباب السياسية، التي عجلت بـ”تصفية الإخوان” في المغرب، تقلبات المناخ السياسي في المنطقة، فبعد سقوط إخوان مصر وتونس ومشارف عن نهاية “إخوان” ليبيا، وسوريا واليمن، ورفع يد أردوغان على جماعة الإخوان، حيث أنه ثمّة من يروْن أن “أردوغان القادم” يختلف عن «أردوغان السابق».. وأن تركيا.. رئيسًا وحكومةً وحزبًا.. باتت مؤهلة للمصالحة مع الخصوم.. وإعادة ترتيب العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين.

هناك اتجاه يتصاعد في دار “المخزن”.. عنوانُه: لا نريد أن نكْسب الإخوان ونخْسر الدولة.

يستشعر المخزن في المغرب أن وجود تنظيمات كثيرة للإخوان.. تعمل بلا تنسيق أو ترتيب وتسبب إحراجًا مستمرًا للدولة.. مثل إخوان سوريا والعراق واليمن وليبيا.. هي خطر على السياسة المغربية، وأنه لا ينبغي أن تكون السياسة الخارجية تابعة لهذه التنظيمات التي تفتقد الكفاءة والمسؤولية، وتسبِّب إرباكًا شديدًا لسياسات الرباط.

إن الرباط تتحمّل الجانب الأكبر من مآسى المغاربة وبؤس سياسة البلاد وتعثر الحكومة وما إلى ذلك.. وصناعة اليأس في المنطقة والخصام المطبق مع الجيران بينهم مصر. لكن السياسة في نهاية المطاف هي فنّ الممكن.. ومن السياسة أنْ تنزَعَ من بين خصومِك خصمًا عنيدًا.. وألاّ تضيف إلى أعدائك عدوًا جديدًا.