أجل، لا حديث في الآونة الأخيرة، إلا عن الدبلوماسية المغربية، وتحركاتها المكثفة في عدد من البلدان الأفريقية، أتمرت بالرجوع إلى منظمة الاتحاد الأفريقي بعد مدة طويلة من الانسحاب، احتجاجا على اعتراف هذه الأخيرة بجبهة البوليساريو.

من الواضح، أن المغرب اختار تدعيم التوجه نحو الدبلوماسية الاقتصادية صوب مجموعة من الدول الأفريقية، لكون الاقتصاد يقترن بلغة المصالح، التي تلعب دورا حيويا في السياسة الدولية، على الرغم من المخاطر والكلفة الباهظة التي يمكن أن تحملها تبعات الاستثمار في دول هشة اقتصاديا وسياسيا، قد تعصف بها الانقلابات والقلاقل والحروب في أية لحظة، مما يعرض مصالح المستثمرين للخسارة.  

لقد استغل المغرب بذكاء في بلوغه لتلك المكاسب، ظرفية خمول الدبلوماسية الجزائرية، وانشغالها بمرض رئيسها، والخوف على مصير الانتقال السياسي في البلاد، في خضم ظروف اقتصادية صعبة نتيجة لتراجع عائداتها من البترول و الغاز الطبيعي، بسبب انخفاض ثمنه في السوق الدولية.

خطوة الرجوع إلى الاتحاد الإفريقي، كانت نتيجة لقناعة متزايدة، على كون المغرب سيخدم أكثر قضية الصحراء المغربية ومصالحه، من داخل المنظمة، أكثر من خارجها، وعليه فالدبلوماسية المغربية عليها بحث تصورات جديدة، حول كيفية التعاطي مع هذه القضية، لضمان حضور أكثر فاعلية.

المتأمل جيدا في أعضاء منظمة الاتحاد الأفريقي، في علاقتها بقضية الصحراء المغربية، سيلاحظ أن الدول التي تعترف بجبهة البوليساريو وتساندها، أغلبها من حيث الوزن والأهمية، من الدول الناطقة باللغة الانجليزية، أو ما يصطلح عليها بدول رابطة الكومنولت، التي كانت خاضعة للاستعمار البريطاني، من قبيل جنوب أفريقيا، نيجيريا، غانا، زمبابوي، ناميبيا…

نستحضر في هذا السياق، صورة اللقاءات والزيارات الدبلوماسية الرسمية، بين المغرب والدول الأفريقية الناطقة بالانجليزية، حيث دائما ما يتواجد المترجمون والمترجمات جنبا إلى جنب السياسيين المغاربة لترجمة حواراتهم واجتماعاتهم، نظرا لكونهم لا يتقنون اللغة الانجليزية، التي تحتل مرتبة الريادية في العلاقات الدبلوماسية، وكذا في مجالات العلوم والمعرفة.

هذا المعطى، يعطي الانطباع، بأن هناك عوائق في التواصل مع تلك الدول والشعوب، وأن سبل التفاهم تبقى جد محدودة، مما يجعلنا نتساءل، هل هذا يعني أن هناك نوع من التقصير في تسويق وإيصال وجهة نظر المغرب، حول قضيته، مما يجعل شعوب أفريقية كثيرة، لا تدرك حقيقة الصراع الدائر بين المغرب وخصومه.

ثمة مؤشرات عديدة، تؤكد عدم تمكن الدبلوماسية المغربية من الوصول إلى عمق أفريقيا الأنجلوساكسونية، فقوقعتنا الثقافية الفرنكوفونية لم تسمح لنا بالانفتاح أكثر على تلك الشعوب، فإعلامنا الضعيف بكل المقاييس سواء باللغة العربية أو الأمازيغية أو الفرنسية خير شاهد على ذلك، فمجموع قنواتنا على قلتها، لم تتمكن من إرضاء وإقناع حتى مشاهديها، فما بالك بالانكباب على تسطير إستراتيجية لإحداث قنوات ناطقة باللغة الانجليزية، للوصول إلى المشاهد الجنوب أفريقي أو النيجيري أو الغاني.

هذا لا يعني التحامل على الثقافة الفرنكوفونية التي حتى وإن تراجع إشعاعها، فإنها مازالت تمثل إحدى أهم المرجعيات الثقافية الحضارية العالمية، لكن الواقع الدولي، يفرض أن اللغة الدبلوماسية المهيمنة على القمم والمؤتمرات والمفاوضات هي اللغة الانجليزية، وهو واقع تعترف به حتى فرنسا بذاتها، التي أجبرت نفسها مؤخرا على وضع شعار حملتها الترويجية لمدينة باريس لتنظيم الألعاب الأولمبية 2024 باللغة الانجليزية “made for sharing “، لكون تواجد 15 عضو من الفرنكوفونيين في حين أن 95 عضو من المصوتين الآخرين أغلبهم من الدول الأنجلوساكسونية، لقناعتها بضرورة استخدام اللغة الانجليزية في خطاباتها كلغة دبلوماسية لا مفر منها. 

إذا كانت الدبلوماسية المغربية ركزت جهودها في السنوات الأخيرة أكثر فأكثر على الدبلوماسية في بعدها الاقتصادي، فهل سينتقل ذلك للانكباب على الدبلوماسية في أبعادها الثقافية، التي تحتم مرة أخرى العودة إلى مسألة الحسم اللغوي في ميدان التعليم، فضلا عن التفكير في خلق معهد وطني لتكوين الدبلوماسيين المغاربة تراعى فيها التكوين باللغة الانجليزية، سعيا للخروج بهذا المجال من دائرته النخبوية الضيقة، وفتحه أمام أبناء الفئات المتوسطة والفقيرة ، بناء على معيار الكفاءة بدل معيار أهل الثقة والموالاة.