فقدنا إنسانيتنا..

فقدنا إنسانيتنا لأن الدماء والأشلاء لم تعد تحركنا.

لا الصراخ لا الأنين..لا الآهات لا العبرات..لا الأرواح الصاعدة إلى السماء..لا الجثث توارى الثرى..

لا الأطفال اليتامى لا النساء الثكالى..لا الشيوخ المكلومون لا الرجال المعذبون..لا الإنس لا الجن..

لا شيء..لا شيء..وألف لا شيء..يبكينا.

جفت عروقنا..سقطت آخر قلاع إنسانيتنا..هناك بعيدا قريبا جدا منا…

تجردنا من إنسانيتنا كما نتجرد من ملابسنا في غرف النوم..تعرينا منا ومما علينا كما عارضات الستربتيز مع ملابسهن الداخلية ينسلخن منها على مهل.

انطلقنا كما ولدتنا أمهاتنا نصرخ عاليا نسب أقدامنا العاجزة عن الإقدام نلتفت ذات اليمين وذات الشمال بحثا عمن يحمل عنا عرينا.

انكشفنا وانكشف كل شيء.

″الحقيقة عارية قاسية لا ترحم. لذا نشيح دوما ببصرنا عنها في امتعاض وجبن فاضحين″

كنا مزهوين بواقع الثرثرة نلوك الكلمات بلا انقطاع ونرسم لوحات للحياة بألوان باهتة في الفراغ. كنا غارقين في الأحلام المزيفة..كنا ما لم نكن وما لا يمكن أن نكون..نتوهم ما كنا وما سنكون..إلى أن أخذنا على حين غرة..هناك بعيدا قريبا منا على الأيادي الحرة..غزة.

سقطت أوراق التوت عنا..بانت أمهات عوراتنا وبنات عوراتنا..انهار كل شيء.

″يا تلاميذ غزة علمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا..علمونا بأن نكون رجالا فلدينا الرجال صاروا عجينا(…) يا تلاميذ غزة لا تبالوا بإذاعاتنا ولا تسمعونا اضربوا اضربوا بكل قواكم واحزموا أمركم ولا تسألونا نحن أهل الحساب والجمع والطرح فخوضوا حروبكم واتركونا(…) قد لزمنا جحورنا وطلبنا منكم أن تقاتلوا التنينا(…) أمطرونا بطولة وشموخا واغسلونا من قبحنا اغسلونا إن هذا العصر اليهودي وهم سوف ينهار لو ملكنا اليقينا″ – نزار قباني-

يا حرائر غزة..يا من صنعتن تلاميذ غزة..يا من صنعتن أحرار غزة..علمننا بعض ما عندكن من وصفات الرجال.

صحائف أعمارنا ضاقت ذرعا بذكر النساء وعشق النساء وأخبار النساء وكيد النساء وجمال النساء وأسرار النساء..كل شيء ولا شيء..لا شيء..لاشيء عنكن حرائر النساء.

″في الحب الواعي للمرأة يوجد دوما بجوار النور..المفاجأة والبرق والليل″ يقول نيتشه.

وأنتن يا نساء غزة فاجأتن ذكور ما وراء غزة..ذكورا أذكارهم أوسمة ونياشين غزوات غرف النوم..صلواتهم المقدسة الكاماسوترا الهندوسية..شوكتهم في النكاح لا في الكفاح..حربهم مع الجماع وآداب الجماع وسنن الجماع وأركان الجماع ومكروهات الجماع ومحرمات الجماع وأوضاع الجماع وفتاوى الجماع والجمع في الجماع والامتناع عن الجماع والإجتماع في الجماع…

ذكور بذكريات منسية في سجلات وأشرطة المخافر..يرتعدون من هزائم العورات وعورات الهزائم..كل آهاتهم المكتومة هناك بين يدي المخبرين والمخبرات.

لا رجولة تحت أقدام الذكورة..لا رجولة بذكورة جمعت أسرارها على رفوف المخافر.

يا نساء غزة..بالله عليكن كيف صنعتن رجالا فوق الذكورة؟

أخذنا على حين ″غزة″..انكشفنا على حين غرة..لم يبق منا سوى ماض بعيد يقاوم النسيان.