أشياء كثيرة حدثت بالساحة السياسية المغربية خلال الأشهر الخمسة  الأخيرة ، أوراق انكشفت ، و أسماء انتهت صلاحيتها السياسية، ومن قضوا سنوات بالظل خرجوا ليلعبوا في العلن ، والأهم أن خطوطا حمراء كثيرة ألغيت …إلا أن الأمر الغريب وسط كل هذه الحركية  وهذه المتغيرات  هو صمت حزب الأصالة والمعاصرة و تراجعه للخلف ،و كأنه ليس ثاني أقوى  أحزاب المغرب حسب نتائج انتخابات السابع من أكتوبر .

كثيرون قرأوا في هذا  الصمت نهاية للحزب خاصة بعد مقالي السيد إلياس العماري و دعوته للمصالحة الوطنية  التي لم يفهم معناها أحد ،في حين رأى آخرون أن هذا الصمت طبيعي ما دام الحزب قد اختار منذ البداية الاصطفاف بالمعارضة …إلا أننا وعلى عكس كل هذا نعتقد(بنوع من اليقين ) أن هذا الحزب هو المسؤول الأول عن كل ما حدث خلال الخمسة أشهر الأخيرة التي تلت الانتخابات . لا نقول هذا عبثا ولا اعتباطا و إنما ارتباطا بمؤشرات كثيرة :

أولا : حزب الأصالة والمعاصرة مازال لم يحصل على فرصته في لعب الدور الذي تأسس من أجله لذلك لا يصح القول أنه انتهى ، فالحزب و منذ تأسيسه سنة 2008 ،من طرف المنتدب سابقا في وزارة الداخلية السيد فؤاد عالي الهمة  ،لم يستطع أن يستقر على حال بحكم أنه بعد ثلاث سنوات فقط على تأسيسه اجتاحت الحركات الاحتجاجية  العالم العربي التي لم يسلم منها المغرب ممثلة في حركة 20 فبراير التي رفع شبابها صورا لبعض مؤسسي هذا الحزب متهمين إياهم بالفساد وبرعاية الفساد ،لتكون بذلك هذه الاحتجاجات سببا مباشرا في تراجع هذا الحزب  ونكوصه  وبالمقابل كانت سببا في صعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي تمكن من تصدر الانتخابات التشريعية التي تلت هذه  الاحتجاجات سنة 2011 في حين حل حزب الأصالة والمعاصرة رابعا ،بعدها حاول الحزب إعادة ترميم نفسه و إعادة حساباته و طريقة اشتغاله ليكون جاهزا بانتخابات أكتوبر 2016 إلا أنه فشل هذه المرة أيضا بحصده للمرتبة الثانية بعد حزب العدالة والتنمية . لذلك نقول أن الأصالة والمعاصرة مازال لم ينته لأنه بدأ للتو .

ثانيا : بالعودة إلى الاجتماع الذي تلا يوم الانتخابات التشريعية ، أقصد اجتماع الثامن من أكتوبر بين زعيم حزب الأصالة والمعاصرة ،وزعيم حزب الاستقلال ، وزعيم حزب التجمع الوطني للأحرار ،و زعيم الاتحاد الاشتراكي  والذي كان هدفه الانقلاب على نتائج الانتخابات التي تصدرها العدالة والتنمية ، سنفهم أن حزب الأصالة والمعاصرة كان يسعى بجدية مطلقة للفوز بهذه الانتخابات و أنه لم يتقبل الفشل أمام الحزب الإسلامي الذي جاء ليحاربه (حسب تصريح السيد إلياس العماري) .و بالنظر في طبيعة هذا الحزب و في الطريقة التي تأسس بها و الطريقة التي يشتغل بها سنفهم أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل(هذا الحزب) الاستسلام بهذه السهولة ،والاحتمال الأقرب للصواب أنه بعد فشل خطة الانقلاب انتقل الحزب للعب بطريقة أخرى وبعناصر أخرى أهمها  السيد عزيز أخنوش والسيد إدريس لشكر ،وطبعا تحت إشراف تيار داخل الدولة يرى في حزب الأصالة والمعاصرة الطرف الأنسب لحماية مصالحه .

ثالثا : الرسائل التي بعثها زعيم حزب الأصالة والمعاصرة من خلال مقاليه ” مقدمات في حاجتنا إلى مصالحة تاريخية شجاعة ” و ” استطرادات في حاجتنا إلى مصالحة تاريخية شجاعة ” لم تكن إعلانا عن وفاة الحزب السياسية أو حتى وفاة هذا الزعيم  كما اعتقد بذلك البعض،بقدر ما كانت نوعا من التنويم السياسي ، وهو ما تنبأنا به حينها ،سعى من خلاله الحزب و زعيمه إلى   كسب الوقت من أجل الاشتغال بهدوء وفي صمت وبعيدا عن لفت الأنظار  . أعني أن الحزب راهن ومازال يراهن على إمكانية إعادة الانتخابات قريبا ودليلنا على ذلك هو أنه بعد أسبوع واحد من الانتخابات و إلى حدود اليوم يعقد الحزب اجتماعات جهوية و إقليمية  ومحلية شبه يومية يعمل من خلالها على تقييم و معالجة أخطاء الانتخابات الأخيرة… لذلك فإننا لا نبالغ إن قلنا أن هذا الحزب هو من كلف أطرافا أخرى بمهمة إفشال تشكيل الحكومة رغبة منه في التوجه نحو انتخابات مبكرة .

 إننا بهذا وتبعا لهذه المؤشرات  ننحو للقول أن السيد سعد الدين العثماني ،رئيس الحكومة المكلف بدلا عن السيد بن كيران ، لن ينجح فيما فشل فيه بن كيران خاصة بعد التأكيد على أن حزب الاتحاد الاشتراكي خط أحمر لا مكان له بحكومة يرأسها حزب العدالة والتنمية ،ومعه قد يضطر الملك لتعيين حكومة تكنوقراطية وتحديد موعد لإعادة الانتخابات التي سيسعى حزب الأصالة والمعاصرة إلى  تصدرها وبذلك لعب الدور الذي تأسس من أجله .