نحن زبدة الزبدة la crème de la crème تخرجنا من أعرق مركز للتكوين بأفريقيا..مركز التوجيه والتخطيط التربوي بالرباط..تلقينا فيه ولمدة سنتين تدريبا نظريا وعمليا عالي المستوى في علم النفس التربوي وعلم نفس النمو والطفل والمراهق وعلم النفس المرضي وعلم النفس الاجتماعي والقياس النفسي وعلم الاجتماع والاقتصاد والإحصاء والإعلاميات…

وتاحراميات المغربية!

نعم..تاحراميات المغربية..من احمد أحرام..الشخصية التراثية السوسية المشهور بفنون المخاتلة والخداع، لكنه وللأسف الشديد سقط في النهاية ضحية لشر أعماله..راودته إحدى زوجات سيده فاستجاب لها ولم يعمل بنصيحتها. كانت تكرر على مسامعه الجملة التالية بالأمازيغية:

– احمد أحرام! كين بوسموست فمينك!

ما معناه باللغة العربية :

– حذار احمد أحرام من أن تفشي سرنا! أطبق يدك على فمك واصمت!

لم يصمت احمد أحرام بطبيعة الحال لأنه أولا كان كثير الكلام وثانيا لأن سيده باغته بالسؤال فاعترف بكل شيء فكان من أمره ما كان.

وكذلك نحن..كنا في بحبوحة من العيش لا أحد يطلع على أسرارنا إلى أن تفاجأنا بالسؤال من أسيادنا :

– ماذا تفعلون؟

أصابنا الهلع الشديد فاضطربنا وارتعدت فرائصنا وهربنا لا نلوي على شيء..

لقد انتهى زمن المتع المحرمة وجاء وقت الحساب والعقاب!

من يلوذ بسيده ويسترضيه ومن يقارعه ولا يستجديه..من يحفر الحفرة تلو الحفرة لأخيه..من يشعل الحرائق ويضرب بالصواعق..من يتاجر بالكلام ويرمي بالسهام..من تأبط شرا وأجاد نثرا..من يقتفي أثر عرقوب ومن يقتفي أثر العقارب..من يصنع سيوفا من ورق ومن يصول ويجول من الأرق..من يبكي على الطلل ومن ينافس ماعز الجبل..من يلوك الكلمات كعلكة شوين كوم الأمريكية ومن يرددها كالببغوات الغينية..من يهدد ويندد ومن يبدد ويشرد..من يراقص الأشباح ومن يرقص على الجراح…

كل يغني ليلاه ويصيح واغوثاه!

نحن أمة معدودة على أطراف الأصابع..انقسمنا إلى سبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة..وكلنا تلك الواحدة..سبعون واحدة..تقبل جميع العمليات الحسابية من ضرب ورفس وعفس وطرح على الأرض وقسمة ضيزى ما خلا واحدة..الجمع!

وكحروف الهجاء نقبل بالرفع والنصب والكسر والجر والسكون والجزم من كل لسان وبنان!

مجتمعون على الانقسام ومنقسمون على الاجتماع..كلها إلغي بلغاه..نفهم في كل شيء..في السياسة..في الاقتصاد..في التعليم..في القانون..في الإدارة…نُستشار فنشير في كل شيء..ونُستثار فنثور على كل شيء..

إلا على أحوالنا وأهوالنا..من بني جلدتنا..نحن قانعون..خانعون..راضون..طيبون..طيعون..

آه كم نحن رائعون..ومتميزون!

متسامحون حتى النخاع..من صفعنا على خدنا الأيمن أدرنا له خدنا الأيسر ونحن مبتسمون.

نتقن فن الكر والفر ونحن راكعون..نضرب الأخماس في الأسداس وننقلب ذات اليمين وذات الشمال ونحن راقدون ثم نترك أمورنا بيد الأقدار تلعب بها كيف تشاء وكما تشاء.

عندما تسقط على رؤوسنا المصائب العظام، لا نتململ ولا نتزحزح..نحافظ على هدوئنا ونزن كل نازلة بميزان العقل العاقل وعقال المعقول ونحكم حولها القول بالحكمة الحكيمة المحكمة..ثم ننظر بعين زرقاء اليمامة إلى الخيارات النائية.

هكذا نحن..ندور مع مآسينا أينما دارت..نداريها بجميل الألفاظ وزخرف الكلمات..نراوغها مراوغة الثعالب ونتلون معها كالحرباء..نُحاصر من كل جانب فنَحصر جهودنا في تأمل الحصار ونقارن أنفسنا بالمحاصَرين من غيرنا فنحمد الله ونشكره ونحن جالسون على الحصير أننا لم نُحصر كما حوصر من قبلنا وأننا قلنا في الحصار ما لم يقله من سبقنا من المحصورين.

نحن لبقون جدا..نعتذر إلى الجميع..لا نكف عن الاعتذار..نخلق الأعذار لنجدد الاعتذار ونعتذر من أعذارنا..

بكينا لسنوات عديدة..رق لنا بعض المغفلين..إلى أن انسل منا المحققون والمدققون والمتقون فأفشوا أسرارنا وانتهكوا حرماتنا وكشفوا عوراتنا.

انكشف الغطاء ونحن الآن في العراء!

وكما هي العادة في مثل هذه المواقف العصيبة، سيرعد البعض ويزبد :

– لا يحق لهم أن يتركونا في العراء! هذا ظلم صارخ!

– وماذا في ذلك؟ كل الناس في العراء! يتشدق البعض الآخر.

وآخرون..العراء مسألة نسبية..سنناضل لكي نكون عراة محترمين..ليس لدينا ما نخفيه لذا فلا مشكلة في العراء أو التعري..سنحفر في الأرض عميقا ونتوارى عن الأنظار، هكذا لن يلاحظنا أحد..أرض الله واسعة سنهاجر فيها…

وتستمر ملحمة شيوخ الكلمات..