فوضى الحواس (أحلام مستغانمي) وضوضاء الحروف تنزلق من على ألسنة حداد بلا توقف تلوك الكلام كعلكة شوين كوم الأمريكية.

وما نحن عليه يعبر بقوة عما نحاول عبثا قوله بجميل الألفاظ وزخرف الكلمات.(إمرسون)

الكلمات تقتل..تقتلنا أولا قبل أن تقتل غيرنا.

والسبب بسيط للغاية :

من يثرثرون لا أسرار لهم (سيوران)..كما أن كثرة الأسئلة غالبا ما تنقلب على أصحابها وهم أول ضحاياها.

الكل يختنق..ولذلك تتعالى الصيحات هنا وهناك.

لا مناص من تعلم لغة الصمت..وكلمات الإشارة..وحروف الهمس..لعل وعسى..

آنذاك ربما ينبعث نور في داخلنا فنكف عن السير في نور غيرنا..وتنطفئ النيران المتقدة فيما بيننا..وينقشع الظلام من حولنا..(كريشنا مورتي)

وقد نتساءل في أتون هذه الفوضى والضوضاء..هل نحن فعلا أحرار؟

عقولنا تتوهم ذلك لكن أقدامنا تئن تحت وطأة الأغلال والسلاسل وتصرخ في وجوهنا :

– عبيد مثقفون..أنتم لا تساوون شيئا..أنتم عبيد مثقفون!

فهل يا ترى لا زال الكلام يجدي نفعا؟

جميع أحلامنا وئدت في حفر سحيقة لوعينا وللاوعينا..لم تعد تعني لنا أي شيء..ولم نعد نعني لنا ولها أي شيء كذلك.

هرمنا من الصراخ..تعبنا من الصياح..لا جديد تحت شمسنا الكئيبة..ضقنا ذرعا بمرارة نفس المساء والصباح.

حدوثة زمانا بلغت من الوقاحة حدا لا يطاق. ومن ينسجون حكاياتنا..كم هم وقحون!

يا إلهي كم هم مقرفون!

في السياسة..في التعليم..في الصحة..في الفكر والثقافة..في الفن…

فوضى وضوضاء في كل مكان..من تحوت وحثالات وتافهين…

هل نحن في عصر النهايات؟

الأكيد أننا بعيدون عن البدايات..بعيدون جدا..نقترب من شيء ما لم تتبين ملامحه بعد لنا.

ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يظهر في الوقت غير ما أظهره الله فيه..يقول ابن عطاء الله السكندري في إحدى حكمه المشهورة.

ويبدو أننا نسير ضد عقارب الساعة الإلهية.

ما شأننا إذن في كل ما يجري؟

للزمن قوانينه الخاصة به ولن تلتفت إلينا لتغازلنا أو تحابينا يوما ما.

لنصم آذاننا عن كل هذه الفوضى والضوضاء..لنتركها تلتهم أسماع من ينصتون إليها ويأنسون بها.

لكن..

ماذا نفعل لغرور المثقف العضوي(غرامشي) الذي يعوي بداخلنا؟

كلماتنا لا تزن جناح بعوضة في هذا الكون..فكيف تغير شيئا من حياتنا؟

ربما آن لنا أن نستريح قليلا من الحروف والكلمات..وأن تستريح بدورها منا الحروف والكلمات..

الصمت حكمة كما يقولون..

فلنصمت إذن عل قدرا جديدا ينبعث من ذواتنا المنهكة من الكلام.