الإطار المرجعي للمواكبة التخصصية: نموذج لخطاب اللامعنى!
صدر مقرر لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بتاريخ 09 مارس 2022 تحت رقم 007.22 بشأن المصادقة على الإطار المرجعي للمواكبة التخصصية للمشروع الشخصي للمتعلم بالتعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي.
آراء أخرى
هذه الوثيقة جاءت بدعم من منظمة اليونسكو ومشاركة فريق موسع من أطر التوجيه التربوي بأكاديمية جهة بني ملال خنيفرة تحت إشراف الوحدة المركزية للتوجيه المدرسي والمهني.
وقبل أن ندلي بملاحظاتنا حول هذا ″الإطار المرجعي للمواكبة التخصصية″، لابد من التذكير بالملاحظات التالية :
1 – إنتاج وثيقة وطنية تؤطر لعمل أطر التوجيه التربوي ليس كإنتاج وثيقة عادية في حصة تعليمية دراسية عادية أو لقاء ثقافي عابر.
أولا لحجم المسؤولية التاريخية المرتبطة بالظروف التي تمر منها المدرسة العمومية أقل ما يقال عنها أنها مأساوية.
وثانيا لضرورة توفر مستوى أكاديمي عال في تخصص الاستشارة والتوجيه والعلوم الموازية له، من علم النفس وعلم نفس التوجيه وعلم الاجتماع وعلم اجتماع الشغل وعلم نفس الشغل…إلخ وليس فقط الاقتصار على التجربة الميدانية رغم أنها مهمة كذلك.
2 – إنتاج الأفكار حول واقع ما – في حالتنا هذه واقع التوجيه التربوي – لا يعني بالضرورة أن هذه الأفكار مطابقة لهذا الواقع أو أنها قد تغير شيئا من هذا الواقع. الأمر أعقد بكثير من ذلك وإلا لما وجد علم الاجتماع ونظرياته المختلفة حول الواقع الإنساني بجميع أنواعه ومستوياته، وأدواته المنهجية والتطبيقية في مقاربة هذا الواقع المتسم بالتعقيد.
لننتقل الآن إلى شكل الوثيقة.
ستستوقفنا لا محالة النقاط التالية :
1 – لا وجود لأي مرجع أكاديمي علمي متخصص حول الاستشارة والتوجيه في لائحة المراجع. كلها ″قانونية″ تدور حول القرارات والمقررات والمذكرات…إلخ وهو ما يطرح السؤال التالي :
– هل مهنة الاستشارة والتوجيه هي القوانين المنظمة للاستشارة والتوجيه؟
2 – تقع هذه الوثيقة في 58 صفحة من فقرات غير منسقة لا يربط بينها خيط ناظم لتعدد مستويات ″الأفكار″ من الفردي و الجماعي إلى الأفقي و العمودي إلى البسيط و المركب…بعبارة أخرى، تتطرق هذه الأفكار لكل شيء..ولا شيء في نفس الآن!
3 – نتيجة لما سبق، تغيب المنهجية العلمية في ترتيب وتنظيم محتويات الوثيقة من تحديد للجهاز المفاهيمي المعتمد وخلفيته النظرية إلى تطبيقاته العملية.
4 – الإطار المرجعي هو بمثابة دليل للممارس يجد فيه ضالته من المراجع العلمية النظرية والتطبيقية للاستشارة والتوجيه.
لكن هذه الوثيقة تتماهى إلى درجة كبيرة مع الأطر المرجعية للاختبارات الإشهادية الموحدة التي يجتازها التلاميذ في السلكين الابتدائي والثانوي التأهيلي والإعدادي.
دليلنا على ما نقول هو بنية الصياغة اللغوية التي تتكرر في جميع الفقرات :
– لكذا وكذا..يجب كذا وكذا..وضرورة كذا وكذا..لكي يتحقق كذا وكذا!
5 – الحقل الدلالي المستعمل يمتح من مجال إيديولوجيا التدبير. ويحيل دوما إلى المستقبل على حساب الحاضر في حلقة مغلقة لا يعرف أولها من آخرها.
مثال..المشروع الشخصي..مشروع المؤسسة..إرساء بيئة المشروع الشخصي..إرساء الفعل الجماعي..الارتقاء بالمواكبة التخصصية..التفاعل مع…إلخ
على مستوى المضمون، وهنا مربض الفرس، فالتناقضات أكثر من أن تعد أو تحصى ويحق لنا أن نتساءل عن دواعي صياغة هذه الوثيقة وأهدافها المضمرة..من طرف الوحدة المركزية للتوجيه طبعا.
لنبدأ بالجملة الأخيرة من الفقرة الأخيرة من الصفحة 34 من هذا الإطار المرجعي التي تقول بالحرف :
″الاستشارة هي صلب مهنة المستشار في التوجيه التربوي وهي المحدد الرئيسي لهويته المهنية″
لا أحد من أطر التوجيه سيعترض على هذه الملاحظة.
لكن..
إذا كان الأمر حقيقة كذلك، فلماذا تسمية الوثيقة بالإطار المرجعي للمواكبة التخصصية؟
أليس من الأولى عنونتها بالإطار المرجعي للاستشارة والتوجيه؟
هذه واحدة.
الثانية..وهي تثير أكثر من تساؤل واستغراب..
من الصفحة الأولى إلى الصفحة 31 يتطرق الإطار المرجعي إلى ما سماه بالمواكبة التخصصية التي تتكون حسب خلاصات ورشات التفكير من الإعلام والاستشارة والمواكبة النفسية الاجتماعية.
ومن الصفحة 31 إلى 33 يسهب الإطار في شرح الاستشارة لكنه وبسرعة كبيرة وبدون مقدمات يستنتج مباشرة أن المواكبة التخصصية ما هي في الحقيقة سوى الاستشارة نفسها لأن :
″ – مبادئ المواكبة التخصصية هي نفسها مبادئ الاستشارة.
– أخلاقيات المواكبة التخصصية هي نفسها أخلاقيات الاستشارة.
– الكفايات التي تتطلبها المواكبة التخصصية هي نفسها الكفايات التي تتطلبها الاستشارة.
– منهج وبروتوكول المواكبة التخصصية هو نفسه منهج وبروتوكول الاستشارة.″
هكذا!
بلا مقدمات ولا مقارنات ولا أدوات علمية أو دلائل عملية…
ونعيد طرح السؤال السابق..
لماذا هذا الإصرار على المواكبة التخصصية عوضا عن الاستشارة؟
خاصة وأنه في الصفحة 45 فما بعد وبتعبير الوثيقة نفسها فالإطار المنهجي للمواكبة التخصصية هو نفسه الإطار المنهجي للاستشارة.
الثالثة فيما يسمى بالمواكبة النفسية الاجتماعية التي فصلت فيها الوثيقة من الصفحة 36 إلى الصفحة 44. وبقليل من الإمعان سيتبين أن هذا التفصيل ما هو في الحقيقة سوى تدقيق في بنية الاستشارة نفسها ومراحلها المختلفة.
وإذا علمنا أن الإعلام نفسه قد يكون موضوعا للاستشارة وليس فقط الصعوبات المعرفية أو النفسية أو الاجتماعية…جاز لنا أن نتساءل مرة أخرى حول دواعي التمسك بالمواكبة التخصصية بدلا من الاستشارة.
لماذا هذا ″المصطلح″؟ من أين أتى؟ وما هي الخلفية النظرية التي تؤطره؟
الرابعة وعلاقة بسابقتها، لا يقتصر الأمر على مصطلح واحد فقط بل تجود علينا الوثيقة باصطلاحات جديدة لا ندري من أين جاءت ولا من أين سقطت.
مثال..زمن التوجيه..حالات التوجيه..التفريد..الدعم البيداغوجي المستدام…إلخ
الخامسة، استنتاجات وفق منطق اللغة بعيدا عن منطق الأشياء على أرض الواقع.
أمثلة على ذلك :
– التوجيه هو الدعم البيداغوجي المستدام!
– المواكبة التخصصية ستنتهي ضرورة وفق منطق التفريد!
– ازدياد الطلب على المواكبة التخصصية بفعل المشروع الشخصي!
– الفعل الجماعي للتوجيه ضروري للتخصص!
– المواكبة التخصصية سبيل لتجويد التعلمات!
– المنتديات والقوافل والإعلام الجماعي…بداية لسيرورة الخدمة التخصصية وليست نهايتها!
– المواكبة التخصصية جزء لا يتجزأ من وظائف المؤسسة التعليمية!
واللائحة تطول…
والسؤال هو :
كيف نتأكد من صحة كل هذه الاستنتاجات؟
وما هي الدلائل العلمية و العملية على كل هذه التأكيدات اللغوية؟
السادسة ودائما في نفس الاتجاه، على صفحات هذا الإطار المرجعي خطاطات ومعادلات ″منطقية″ و″رياضية″ لكافة الاستنتاجات أعلاه في محاولة ″للتنظير العلمي″ للمواكبة التخصصية بدلا من الاستشارة.
هل هذه هي الجودة التي يتردد صداها كثيرا على صفحات هذا الإطار المرجعي؟
كيف يرقى مجال التوجيه التربوي إذا كانت الأوراق المؤطرة له لا ترقى إلى المستوى الأكاديمي المطلوب؟ وفي حده الأدنى؟
ألا تستهين هذه الوثيقة بذكاء مستشارات ومستشاري التوجيه التربوي؟
ألا تضع هذه الوثيقة وغيرها العاملين في الوحدة المركزية محط المسائلة المهنية والإدارية؟
ملاحظات ختامية بالغة الأهمية :
1 – خلاصات ورشات التفكير ليست إنتاجات علمية بالمعنى الأكاديمي للكلمة وإنما هي فقط مشاريع مستقبلية للبحث النظري والميداني.
2 – عدم انسجام مضامين الإطار المرجعي يدل على عدم انسجام رؤية الورشات مع الرؤية المعدة سابقا لهذه الورشات، أي رؤية الوحدة المركزية للتوجيه مع رؤية أطر التوجيه المشاركين في هذه الورشات.
وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول واقع الممارسة الفعلية للاستشارة والتوجيه وما يصاغ لهذه الممارسة على الورق.
3 – القوانين المنظمة لمهنة الاستشارة والتوجيه ليست هي الاستشارة والتوجيه ممارسة والخلط بينهما خلط بين التشريع القانوني وموضوع هذا التشريع.
