لاشك أن إعتقال النشطاء والناشطة سيليا(*)أسال الكثير من المداد والإنتقاد. في هذا المقالة سأحاول تسليط الضوء على هذه الاعتقالات من زواية مختلفة؛ سأركز بالخصوص على بعض الإشكالات التي طرحتها هذه الاعتقالاتعلى مستويات نظام الحكم المركزي والهوية في شقها اللغوي. 

الحق في محاكمة عادلة في منطقتي

الإشكالية الأولى التي أود مناقشتها هي المتابعة والمحاكمة في البيضاء للكثير من المعتقلين.الكل شاهد الطريقة التي أعتقل بها الكثير من هؤلاء المعتقلين. تم إعتقالهم ونقلهم في مروحيات إلى البيضاء في ظروف لا إنسانية. هؤلاء المعتقلونيعتقد انهم ارتكبوا جرائم في الحسيمة والنواحي لكن يتم متابعتهم وسجنهم في البيضاء. هذا يؤكد  أن المغربمازاليسيربطريقة يعقوبيةمبنيةعلىالمركز؛وبأن’الهامش’ ليس له الحق في أن يتابع، يحكم ويسجن في الهامش في الكثير من ‘الجرائم’.

تخيل معي مواطنا كطالونيا -متهما- قرر القضاء الإسباني محاكمته في مدريد؛ أو فلامانياقرر القضاء البلجيكي محاكمته في والونيا الفركوفونية. سيقوم الفلامانييون والكطالونيونولن يقعدوا بمن في ذلك حتى من يناهض بشراسة اللامركزيتين البلجيكية والإسبانية. 

هذه الإشكاليةيمكن حلهابتعديل دستوري يعطي لهذا الهامش إمكانية تسيير أموره بنفسه إلى حد كبير؛ بتعبير آخر يجب الانتقال من نظام مركزي إلى نضام لامركزي.

عندما نتحدث عن إعطاء صلاحيات حقيقيةوواسعة للهامش من أجل تسيير منطقته، فهذا يعني أيضاتمكين القضاء في هذا الهامش من صلاحيات دستورية للحسم في الكثير من ‘الجرائم’التي يبث فيهاعلى مستوى المركز؛ كل هذا من الممكن أن يساهم بدورهفيدمقرطة هذا القضاءاللاديموقراطي.

لامركزية هذا القضاء سيسمح للزفزافي ورفاقه متابعتهم في الحسيمة والمناطق المجاورة وتجنب التنقل إلى البيضاء مع ما يحمل ذلك من متاعب. 

هذا الأمر سيسمح كذلك لعائلات المعتقلين من زيارة أفرادها دون متاعب جسدية، معنوية ومالية؛ خصوصا وأن العائلات ليست بالميسورة كما يعرف الجميع؛ والكثير منهالم يتمكن لحد الآن من زيارة أبنائها المعتقلين لظروف مادية صرفة. 

اللغة الأم كعنصر أساسي لضمان محاكمة عادلة

حسب معلوماتنا فإستنطاق ومحاكمة المعتقلين بصفة عامة تتم بالدارجة والعربية. رغم أننا نعلم أن هؤلاء المعتقلين كلهم ناطقين باللغة الريفية الأمازيغية. هذا يدحض مزاعم الدولة في ما يتعلق بإنصاف الأمازيغية كلغة. فمنطقيا وحقوقياكان من اللازم مثلا أن يستنطق ويتم البحث مع هؤلاء المعتقلين بلغتهم الأم. لكن لا شيء من هذا يحدث. 

المعروف كذلك أن كل أطوار البحث مع المعتقلين وجلسات محاكمتهم تتم بغير لغتهمالأم؛ الشرطة والقاضييسائلونهؤلاء المعتقلين باللغة العربية أو الدارجة؛ المرافعات تتم كذلك بهاتين باللغتين. هذا ظلم. وهذا الظلم مرتبط كذلك بتلك العقلية المركزية المغربية التي تريد حصر لغات الدولة في لغةسيدة وأخرى خادمة لها.هذا يؤكد أن خطوات الدولة لإنصاف هذه اللغة الأصلية والناطقين بها ما هي إلا محاولة لاحتواء الأصوات الحرة التي نادت و تنادي إلى حدود اليوم بإنصاف حقيقي لها، وبإلغاء هذا الوضع اللغوي المركزيالظالم. 

هذا الظلم اللغوي يطال كذلك عائلات المعتقلين السياسيين. فعندما تكون هاته العائلات في البيضاء تكون مضطرة للتواصل بالدراجةمع المسؤولين هناك، سواء في السجن أو في الكوميساريات؛ خصوصا وأننا نعلم أن بعض العائلات -والأمهات بالخصوص- ليست متمكنة بصفة جيدة باللغة العربية أوبالدارجة.هذا الظلم اللغوي  يحدث في الحقيقة في البيضاء ولكن كذلك في الحسيمةوباقي مناطق الريف. 

كلمة واحدة يمكن أن تكون نتائجها خطيرة على أحكام المعتقلين. في هذا الصدد أود التذكيربإنعكاسات كلمة بالإنجليزية لحسني مبارك أثناء ندوة مع قائد عالمي. مبارك لم يكن متمكنا من الإنجليزية بدرجة عالية؛ ولم يكنيعرف أن لهذه الكلمة تأويلاتمتعددة؛ حدث أن تمت ترجمةهذه الكلمة بطريقةغير دقيقة فكادت أن تكون السبب في قطع العلاقات الديبلوماسية  المصرية مع دولة هذا القائد. ما بالك إن حدث مثل هذا الموقف لمعتقلحراكي وعبر بطريقة غير صحيحة أو بكلمة غامضةأمامالمحقق أو القاضي؟ طبعا من المرجح جدا أن يستعمل هذا الموقف ضد المعتقل.

في رأينا المتواضع من الممكن أن يساهم الحراك في فتح عيون الدولة لإنصاف هذه اللغة التي كانت ضحية  الحيف والظلم لمدة ليست بالقصيرة. وهذا يمر طبعا عبر السماح لهؤلاء المعتقلين بمحاكمتهم ومتابعتهم باللغة التي يختارونها.

أمور أخرى لضمان محاكمة عادلة 

طبعا حتى لو استنطق وحوكم هؤلاء المعتقلون في الحسيمة أو في المكان الذي يعتقد انهمأرتكبوا فيه مثل هذه الجرائم التي يبث فيها مبدئيا في المركز، وباللغة التي يريدونها، فهذا يبقى في نظري غير كافي لضمان محاكمة عادلة. 

ما يجب أن يساهم كذلك في المحاكمة العادلة هوضمانإستقلالالقضاء. قصد المقالة لم يكن مناقشة هذا الأمر الاخير، لأن الكثير من المهتمين، من محامين، حقوقيين، … تناولوا هذا الموضوع. وقد أجمع جل هؤلاء على أن خروقات كثيرة شابت أطوار المتابعات؛فهناك أدلة كثيرة على تعذيب المعتقلين، إجبارهم على توقيع محاضر كاذبةقسرا، …مثل هذه الخروقات يجب أن تكون محل مراقبة ومعاقبة من طرف القضاء إن كان فعلا مستقلا و يريد ضمان محاكمات عادلة. لأنه حتى لو ارتكب المستنطقمثلا خطأ فيجب على القاضي أن يتفطن لذلك ويعاقب مرتكبه. فلو دخل المعتقل مثلا على القاضي وعينه منتفخة فعلىالأخيرالأمر بخبرة طبية، ولا يجوز له  إنتضارملتمس من طرف الدفاع في هذا الشأنللنظر في ذلك. 

خلاصة القول، إن إعتقالات نشطاء الحراك عرتإشكاليات قديمة/جديدةلم تجرؤالدولة المغربية البدء في حلها بجدية. نتمنى صادقين أن يكون هذا الحراك الشعبي بالريف نقطة تحول جوهرية في حلحلةمثل هذه الإشكاليات، لأن هذا سيعود بخير على معتقلي الحراك، و على كل من أعتقل في مناطق أخرى في هذا الوطن الجريح. 

(*) ملاحظة: عند الحديث عن معتقلي الحراكإستعملت المذكر تعسفا رغم أن من بين المعتقلين سيليا الزياني كذلك.