(1)

شدّني هذا الصباح مشهد جميل أضفى على أحد شوارع الرباط –القريبة من حي الوالدة حفظها الله– رونقا وجمالا، بطل هذا المشهد شباب في عمر الزهور، يمتشقون بين أناملهم ريشة و صباغة مختلف ألوانها، حذّقت اليهم من بعيد، و أخذت هاتفي لكي التقط بعض الصور لما راعني من جميل الإبداع، فكلما أخذت صورة وأتبعتها أخرى يخيّل إليّ أنها أحسن من التي قبلها….

(2)

و مما أعجبني في هذا المنظر هو قدرة الشباب على التركيز، و هم يقفون على رافعة من النوع الثقيل، بعيدون عن الأرض بعشرات المترات متوجهون بكليتهم الفكرية وملكاتهم الإبداعية وقدراتهم الجسدية نحو حائط العمارة الكائنة بشارع مدغشقر المحسوب على” ديور الجامع“.

(3)

في هذه اللحظة بالذات، كنت متأبطا هاتفي، حاولت تصويبه نحو الهدف، وأنا منشغل بالعدسة، فإذا بشاب، و لعله المكلف بالتوثيق الاعلامي، قد أخذ لنفسه زاوية دقيقة و مناسبة لوضعه، وذلك من أجل القيام بعمله الاعلامي و تغطية الحدث، أو لإجراء استجوابات مع المارة والمهتمين.

(4)

انتبه إلي، و أنا أقتنص بعدستي بعض الصور من زوايا مختلفة، فوجّه عدسة كاميراته صوبي، و حصل بدوره على ما شاء له أن يحصل من الصور، و لم تستسلم عدسة هاتفي أمام جودة كاميراته و احترافيته المتميزة، فحصلت هي الأخرى على مجموعة من الصور له، و هو يقوم بتصويري، و أنا في وضعية “المواطن الصحافي“.

(5)

ابتسمت في وجهه، و توجهت نحو العمارة التي بدت في أجمل حلّة وكأنها عروس تستعد لاستقبال عريسها.. بدأته بالتحية و السلام، فرد بأفضل منها مع ابتسامة خفيفة، زادت من وسامته، وبدت كرسالة طيبة تنّم عن عمق تربية و عظم أخلاق..طلبت منه معلومات عن التظاهرة، فرحّب بالطلب و استرسل في تقديم كل ماخصّ هذه التجربة التي تعود إلى سنة 2015، والتي انطلقت في إطار مهرجان :” جدار– فن الشارع الرباط“، الذي يتم تنظيمه سنويا و تشرف عليه “جمعية البولفار” بحضور مجموعة من المشاركين من أهل الرسم والفن من دول عربية وأوربية.

(5)

شكرت المبادرة، و اعتبرت أن هذه التجربة الشبابية تستحق التشجيع، و فضاءات المدن المغربية تحتاج إلى مثلها، و ما أحوجنا إلى هذا النوع من الفن الذي يمشي وسط الشوارع، ويعيش داخل الفضاءات التي تعلوها الحسرة من جراء الإهمال الذي أصابها من المنتخبين و المسؤولين الذين يقتلون حسّ الإبداع، والذين لا يظهرون إلا خلال فترات معينة من الزمن السياسي المعلوم وغير المفهوم.

(6)

و أنا أجهّز نفسي لمغادرة المكان ، طلب مني الشاب “المهدي ” تقديم تصريح في الموضوع، فقلت بأنه طالما أن التجربة ترتبط بإبداع فني يتعلق بلوحات جميلة وجداريات فنية رائعة –الغرافيتي– ثم رحبت بالفكرة و ثمّنتها، و أدليت بما يجب، و ركزت على ضرورة تعميم الفكرة و شددت على عدم جعلها ممركزة في الرباط فقط، ولا على حصرها فقط على مبادرة ” الصباغة باغا ” التي تنظم هي الأخرى بمدينة البيضاء و التي توقفت السنة الفارطة بسبب جائحة كورونا، ولكن ينبغي أن يكون لجميع المدن نصيبها من هذا الفعل الثقافي الذي يحمل من الدلالات الرمزية و الفنية التي تساهم في وضع الفن بالقرب من الجميع، وفي قلب الفضاء العمومي.

(7)

ابتعدت بضع خطوات، فاذا بأحدهم ينادي عليّ ، التفت إليه مرحبا …

– هلتقطنبمدينةبرشيد؟

قلت نعم أجل.

– هؤلاء الشباب الذين أعجبت بهم يسلمون عليك…

فرحت كثيرا

– يعرفونك جيّدا.

رفعت رأسي باتجاههم، مشيرا إليهم بالتحية.

– أستاذ، كيف الحال ؟

_الحمد لله رب العالمين، بألف خير

– إنهما من مدينة برشيد ..

لن أتردد في كشف سر من الأسرار الذي انتابني في تلكم اللحظة، شعرت بالفخر و الاعتزاز….وقلت بصوت عال: كيف لي أن أصافحكما، بل أعانقكما ..

– انتظر استاذنا العزيز.. نزلا معا من أعلى، و قدما نحوي، بابتسامة صادقة و بشاشة وجه يعلوه الأمل و الفرح بلقاء المحبة..

عانقتهما عناق المحب، و احتضنتهما كما يحتضن الأب أبناءه بعد طول غياب.

تبادلت معهما أطراف الحديث حول هذه المبادرة و مجال اشتغالهما …لم نكتف بهذا الأمر رغم ضيق الوقت، بل أخبراني أنهما من تلامذتنا بثانوية أولاد التأهيلية ببرشيد….

و أنا أنظر إليهما نظرة المعجب بأدائهما، استحضرت العبارة المشهورة ” مطرب الحي لا يطرب“، وهذا هو حال كثير من شباب هذا الوطن في بعده الماكروسكوبي، أما من حيث البعد الميكروسكوبي فحدّث و لا حرج…

فأتمنى صادقا أن تقدّم لشبابنا الفرص المتعددة حتى نستفيد منهم ، و بغية إبراز مواهبهم و صناعة الأثر بمدنهم و وطنهم …شكرا جزيلا للفنان البرشيدي أمين الطايس و كل التحية للفنان ابن مدينة برشيد محمد التويرس ، و بارك الله في المصور المهدي.