الحديث عن المقهى ذو شجون، يرتبط بما عرفته من تطور كمي ونوعي، حيث أنها لم تعد حكرا على الرجال، وإنما أصبحت تلجها النساء كذلك، وتجاوزت دورها التقليدي باعتبارها فضاء للاستراحة وقضاء أوقات الفراغ، كما أنها تحولت إلى قبلة لشرائح واسعة من المواطنين، سواء الموظفين والعمال، أو العاطلين، لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت مكانا مفضلا للقاء الأصدقاء، واجتماع الأسر وتنظيم الحفلات الخاصة والندوات الثقافية وعقد الاتفاقات وإبرام الصفقات..

كانت المقهى في العرف الاجتماعي المغربي، تستقطب شريحة معينة من المجتمع، ذات ثقافة محدودة، تُصنّف ضمن الطبقة الشعبية، أما اليوم، فقد صارت ملاذا لكل الفئات الاجتماعية، على اختلاف مستوياتها الثقافية والمادية، حيث أخذ يقصدها المثقفون والطلبة والباحثون، والأسر والعائلات من الطبقات المتوسطة والغنية، وأصبح الإقبال كبيرا على المقاهي في المدن الكبرى،  وهو ما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في عدد المقاهي، حيث إن هناك شوارع تكاثرت فيها بشكل غير عادي، إلى درجة وجود عدد من المقاهي المتجاورة والتي لا تفصل بينها إلا أمتار قليلة.

بكل تأكيد، كانت للتحولات الثقافية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع، دور حاسم في تغيير نمط وأسلوب العيش، والذي طال حتى نوعية الأكلات والمشروبات، والألبسة والتجهيزات المنزلية، حيث أصبحت أغلب الأسر المغربية، مضطرة لتناول وجباتها اليومية في المقاهي والمطاعم، بسبب اشتغال المرأة خارج البيت، واعتماد الإدارات على التوقيت المستمر.

وهكذا، أصبحت المقهى تشكل الفضاء الاجتماعي المفضل عند العديد من المغاربة، ليس فقط لأجل ملأ أوقات الفراغ، ولكن كمتنفس للهروب من ضغوطات الحياة اليومية، خاصة مع دخول أصحاب المقاهي في تنافس شديد من أجل الظفر بأكبر عدد من الزبائن، من خلال الحرص على توفير وسائل الفرجة والراحة، من خلال اقتناء أحدث المعدات والتجهيزات لإرضاء روادها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا أصبحت المقهى ملاذا لكثير من المغاربة؟

في الواقع، إن الإقبال المتزايد على المقهى، يعكس أزمة صامتة في علاقة المواطن بالوقت من جهة، ومن جهة ثانية، يكشف عن غياب فضاءات بديلة يمكنها أن تكون متنفسا للراحة والاستجمام، كالحدائق العمومية والمنتزهات الترفيهية، وهذا ما اضطر عدد من المواطنين، إلى اللجوء للمقهى للتعويض عن ذلك، لكن في المقابل هناك رجال مدمون على المقهى، وجعلوا منها “محل إقامة”، يقضون فيها معظم أوقات الفراغ، سواء كانوا عاملين أو عاطلين، من أجل مشاهدة مباريات كرة القدم، لدرجة أن بعض المقاهي تحولت عند هؤلاء إلى ملاعب مفتوحة ” لمعبودة الجماهير”، ومكان لإضاعة الوقت، والخلود إلى الكسل والبطالة..

هناك مقاهي استطاعت أن توفر وسائل الراحة والهدوء، ما جعلها تستقطب نوعية خاصة من الزبائن، ذات مستوى ثقافي واجتماعي رفيع، ومن أسر وعائلات محترمة، فكسرت الصورة النمطية للمقهى، باعتبارها مكانا لاجتماع العاطلين والراغبين في ملأ الفراغ.