عندما تقلب عينيك راهنا، يمنة ويسرة،متوخيا سبر أغوار مدى إحداثيات هذا الوطن، قصد البحث عن النماذج والأمثلة البشرية،التي بوسعها أن تشكل مرجعيات مقنعة وقنوعة،لأجيال المغرب المستقبلية،سنصادف الفقد في الغالب الأعم.

بالطبع،مجموعة إنسانية،تتآكل مرجعياتها السياسية؛ الاجتماعية؛ الفكرية؛ الفنية؛والرياضية،أي منظومة القيم المثلى التي تخلق حاضرها مقومة لبناته؛ثم موجهة إياه نحو آفاق المستقبل بخطى واثقة،قد أطر نفسه ضمن مدارات إعصار جامح؛ يأتي على الأخضر واليابس، وتيهان بلا ضفاف أو شطآن. 

يشكل الأبطال القوميون الاستثنائيون ،الشخصيات النوعية الكيفية؛ المميزة والقلب النابض لكل وطن،إنهم : يخلقون؛ يبعثون؛ يسندون؛ يوجهون؛ يكرسون الحياة؛ يلهمون؛ يرشدون؛ يحفزون يرسمون، حلقات ومتواليات الزمن المجتمعي، وفق إيقاع حضاري عقلاني متوازن؛ يرسخ مفاهيم الائتلاف والاختلاف والتعايش والسعي التي تحكم حياة المجموعة، بكيفيات تغمرها كل معاني ودلالات الانتماء.رموز الوطن،الأٌصلاء وليس المزيفين،يرسون جوهريا دعائم التاريخ؛ الهوية المتعدة المنفتحة وليست الشمولية الموصولة بعمى الاستبداد؛ الأفق؛الرمزية  أي الحياة بمختلف معطيات انبثاقها. 

بالتأكيد، الحياة أكبر من الوطن.لكن، إذا تناسينا بأن الحياة وطن؛بدونه تغدو الحياة فرية؛ تلغي كل ممكنات الحيوات. الوطن، يعني الحياة والإنسان في تفاصيلهما الملموسة واللامرئية. الحياة أمل. الأخير وطن للوطن.الوطن، تدفق لا ينضب معينه؛ للحياة والآمال.لاحياة مع اليأس. لاوطن لليأس. لايأس يصنع الوطن.الوطن، ولادة لا تكف عن التوالد.اللا وطن تحنط.      

الشعور العام؛ المتسيد اليوم وطنيا ،بل ومثلما يفصح عن ذلك بلا رتوش الواقع اليومي المعاش، يشي بالتقلص السريع والمتواصل للمنظومة القيمية الإنسانية العليا التي بوسعها إضفاء معنى على وجودنا، وثانيا تعضيد اللحمة المجتمعية، جراء تخلي المؤسسات المجتمعية عن دورها الطليعي، الحري بها؛ المتمثل في الاشتغال على المثال ونمذجته وتعميمه وطرحه وتفعيله.منذ زمان أفرغت المدرسة وتُفرغ.الجامعة؛ أنهكت وتنتهك حرمتها؛ دون حسيب ولارقيب، فأصبحت تقريبا بلا حرمة ولا دور ولا أي شيء. الحزب؛ همش ويجتث أصله ومنبعه؛ وبات مجرد كومبارس فصول مسرحية مكررة ذات إخراج سيئ . السياسي؛ أقيل ويذل.أما المثقف الفاعل؛ فقد أقصي إلى غير رجعة، كي يلتحق بطوابير المنتظرين لقشة النجاة.  

بالتالي،كيف يمكننا مخاطبة عقول وحواس ووجدان ناشئتنا، ثم توجيه ومركزة اهتمام شبابنا بجد نحو أصناف بشرية،لا يمكن إلا أن تمثل له مسالك حقيقية للعمل والدأب والاجتهاد المتواصل،كي يكشف طرقا ومعالم واضحة لمسارات حياته،ومن خلفه حياة صحية وفق الوجهة الصحيحة لهذا الوطن.أرضية كتلك؛ لاغنى عنها، القائمة على جدليات الآمال والمآلات،صوب روافد التأسيس،إن اشتغلت طبعا بطريقة بناءة.في المقابل،مع انتفائها أو مجرد تضعضعها،تنتعش مختلف الغرائز التاناتوسية ذات النزوع السوداوي المدمر.

لنتأمل، واقع ناشئة وشباب، مستقبل هذا الوطن :عنف يستشري؛  شوارع؛ مخدرات؛ فراغ حياتي ؛ تطرف مشاعري منقاد نحو هذه العقيدة أو تلك؛ خواء؛ عبث؛ إرهاب؛ تسول؛ دعارة؛ عطالة؛ بطالة؛ لامبالاة؛ إهمال؛ ضياع؛ تشرد؛ حلم الرحيل عبر الموت إلى ”الفردوس” الأوروبي…، والتيه.أمراض مستعصية فتاكة، تلتهم كالسرطان مناعة الجسم ،وتنفث سمومها على امتداد شرايين النسق المجتمعي، فيشرع متداعيا جزءا جزءا، إلى أن يسقط كلية.

حتما، هي موبقات ليست خاصة فقط بوضعنا،لكنها تبرز إلى السطح بقوة عند كل مجتمع يفتقد حقيقة مشروعا مجتمعيا متكاملا دائم التفعيل. أمر، يكشف الغشاوة بوضوح ،على أن مشاكلنا في هذا البلد تتجاوز بمساحات ضخمة مجرد النجاح في تحقيق توازنات مالية رقمية إن تمت حقا،أو تناغم متواز بين إيقاعات الماكرو- اقتصادي مع الميكرو- اقتصادي إن تأتى السعي أصلا، أو زيادة مناصب الشغل إن حدثت صدقا،أو توفير السلع في السوق إن حصلت وفق معايير الجودة والسلامة الطبية،أو ملء الأفواه بالخبز ليس حشوا ، بل وقد جاء على منوال سلم السعرات الحرارية المعقولة، أو الانتهاء إلى ربط المدرسة بمحيط الشغل، إن تبلور السعي وفق مخططات محكمة ومدروسة بعمق، وقد ترفعت عن مكائد الاستعراض والمناسباتية.