ما جرى داخل حزب الاستقلال منذ وصول حميد شباط إلى أمانته العامة، أثار كثيرا من الجدل والتساؤلات حول مدى استقلالية القرار داخل أعرق حزب في البلاد، خاصة وأن شباط الذي يجر خلفه ماضي نقابي، لم يكن يتوفر على مواصفات الزعيم السياسي، الذي يمكنه أن يقود حزبا تاريخيا في ظروف سياسية واجتماعية استثنائية، لكن مع ذلك، خرجت نتائج انتخابات الأمانة العامة لصالحه..

وقبل أسابيع قليلة، انعقد المؤتمر السابع عشر لحزب “الميزان”، وجرت انتخابات الأمانة العامة، بين حميد  شباط “مرشح الشعب” ونزار بركة “مرشح المخزن” على حد وصف شباط، وانهزم الأخير بسهولة أمام خصمه، والذي اتهمه بتلقيه دعما من الدولة، وفي هذا السياق يطرح السؤال: لماذا فشل شباط في الحفاظ على موقعه على رأس الحزب؟

إن المتتبع لمسار الصعود والهبوط السريع لشباط، يلاحظ أن الرجل لم يكن يمتلك كاريزما شخصية، وإن كان ينتمي إلى حزب سياسي عريق، ولكنه برز كزعيم نقابي شعبوي، وقد صعد نجمه في سياق وطني وإقليمي ودولي استثنائي، وخاصة بعد محطة ما عرف بالربيع العربي، وصعود حزب العدالة والتنمية إلى واجهة الفعل السياسي، وهذا الصعود لم يأت بطريقة ديمقراطية، وإنما كان بدعم من جهات في السلطة بحسب مراقبين، كانت تخشى من شعبية الأمين العام لحزب المصباح عبد الإله ابن كيران، فتدخلت لدعم شباط ليقود حزب الميزان في مواجهة ابن كيران، على اعتبار أن شباط شخصية صدامية..               

وقد أثارت نتائج الانتخابات التي جاءت لصالح شباط، غضب ورفض أنصار ومؤيدي المرشح المنافس عبد الواحد الفاسي، واعتبروها غير نزيهة، وشابتها عدة خروقات، وأسسوا فيما بعد ما عرف بتيار “لاهوادة “..

لكن الرهان على حميد شباط فشل مرتين، المرة الأولى عندما مارس الضغط على ابن كيران، من أجل إعادة توزيع الحقائب الوزارية، وأعلن انسحابه من الحكومة، والثانية عندما كان عازما على تجاوز عقدة البيجيدي في الانتخابات المحلية 2015 ثم الانتخابات التشريعية 2017، وبعد أن تأكد عجز الرجل عن تحقيق رغبة المتحكمين في اللعبة، كانت آخر ورقة يلعبها، هو أنه طُلب للمشاركة في “مخطط” الإطاحة بابن كيران وعزله سياسيا، من خلال رفض الدخول معه في مفاوضات تشكيل الحكومة، لكن حميد شباط بعد الإخفاقات التي مرت عليه، بسبب دخوله في صراع مع زعيم حزب “المصباح”، استفاد من الدرس وأعلن تمرده ورفضه للانقلاب على نتائج انتخابات 7 أكتوبر، وقلب الطاولة على المشاركين في اجتماع 8 أكتوبر من قادة الأحزاب الإدارية، وهو ما اعتبر عدد من المتتبعين، بداية العد العكسي لشباط على رأس حزب الاستقلال. والسؤال هو: هل هناك جهات أملت على شباط الخروج من الحكومة؟ ولماذا رفض الموافقة على انقلاب 8 أكتوبر؟

في حوار أجرته معه يومية “المساء” بتاريخ 22/09/2017، عندما سئل عن الجهة التي أشارت إليه للخروج من الحكومة، نفى ذلك وقال: من قال لكم إن هناك من طلب مني القيام بذلك؟ وأكد أن ذلك الموقف اتخذ بناء على ” قرار سيادي المجلس الوطني للحزب”.. وعن اجتماع 8 أكتوبر الذي ضم عددا من الأحزاب الإدارية، قال: ” لا يمكن لي كأمين عام أن يطلب مني شيء أخرق بموجبه الدستور، ولا يمكن من أجل مصلحتي الشخصية أن أقوم بمؤامرة.. ولو قررنا المرور إلى الحزب الثاني (البام)، لكان الاحتقان الذي نعيشه اليوم مضاعفا..”. وفي نفس الحوار اعترف شباط أنهم في الحزب أخطؤوا، حينما قرروا الانسحاب من الحكومة، وأنه تعلم درسا من التجربة السابقة.

لكن المتأمل في تصريحات حميد شباط قبل المؤتمر الأخير للحزب وبعده، سيلاحظ تناقضا في كلامه، خاصة عندما يتهم ما يسميه “الأجهزة ” بدعم منافسه نزار بركة، كما عبر عن ذلك أكثر من مرة للصحافة، واعتبره “مرشح المخزن”، كما جاء في تصريح لجريدة “أخبار اليوم” بتاريخ 07/10/2017، عندما أكد أن كل الذين التقاهم في المدن والقرى، أجمعوا على أن بركة “مرشح المخزن”، وأنه يخاف على مستقبل الحزب في حالة فوز بركة، في موقف مغاير يتحدث عن ثقته في الديمقراطية الحزبية، وأنه متأكد من الفوز بولاية ثانية كأمين عام لحزب الاستقلال، وبعد هزيمته التي توقعها الجميع إلا هو، تخلى عن لغته التصعيدية، وأنه سيكون رهن إشارة خصمه “مرشح المخزن”، وسيقوم بنقد ذاتي، معترفا بأخطائه، ومبديا تفاؤله بمستقبل الحزب، مستعيرا مقولة للراحل عبد الكريم غلاب ” دفنا الماضي”، ناسخا وناقضا كل ما قاله قبل إعلان إزاحته من رأس الحزب.

ولغاية اليوم، لم يكشف حميد شباط لماذا فضل عدم المشاركة في “الانقلاب” على نتائج انتخابات 7 أكتوبر، وهو يعلم جيدا، أنه يضع نفسه في مواجهة المخزن، ويضحي بمستقبل بقائه أمينا عاما لحزب الاستقلال؟؟؟