متى ستبثّ قنواتنا التلفزية، بشكل لائق، العروض المسرحية المغربية لمشاهديها ؟ إن لم تقم بذلك الآن ومسارحنا مقفلة، وفرقنا في عطالة.. وإلى متى سيستمر الحيف الذي تمارسه هذه القنوات على مسرحنا، قصدا أو عن غير قصد؟

لا شك أن العروض المسرحية ليست كلها مناسبة للبث العمومي، ولكن لا يمكن اعتبار كل العروض الجادة، غير قابلة للبث العمومي، فقلة قليلة منها هي التي يتم انتقاؤها، بدون معايير واضحة، لتقبر بعد ذلك في خزانات تلفزاتنا بلا رحمة، ولأسباب مجهولة. وأوفر هذه الاعمال حظا يعرض، بشكل مفاجئ، بعد منتصف ليلة ما، وأغلبية المغاربة نيام، وكأنها تعرض في هذا الوقت كي لا يشاهدها أحد. !

وعلاوة على كل ذلك، نجد بعض المسرحيين، يروجون لأفكار قد تكون مجحفة، من قبيل أن المسرح خلق للعرض الحي، ويستلزم من جمهوره التنقل لمشاهدته في القاعات المخصصة لذلك. وهو ما لا يمكن نفيه، إلا أنه لا يمكننا أن ننفي نتجاهل أهمية البث التلفزي للمسرح، وما لذلك من انعكاس إيجابي على وعي المواطن بقيمة المسرح، باعتباره رافدا من روافد الثقافة المحلية والإنسانية.

غالبا ما ينسى المتعصبون للعرض الحي أن معظم المسرحيات العالمية التي رزقوا بالاطلاع عليها، وساهمت في صياغة بعض من وعيهم النقدي، وتطوير جزء من ثقافتهم المشهدية، شاهدوها على القنوات الدولية، أو عبر التسجيلات السمعية البصرية، والوسائل الرقمية المتاحة.

يمكن للعين التي تشاهد العرض الحي وتتجاوب معه، أن تشاهد المسرح المسجل وتميز معالم قوته وعوالم جمالياته، كما أن العين التي تقرأ النص المسرحي، بإمكانها أن تقرأ ما كتب عنه. إذ يحدث أحيانا أن تطلع على مقال، أو دراسة مسرحية تتحدث عن عرض معين، فتستخلص مما قرأت: مكونات الفريق، وعناصر العرض المشهدية، وخياراته الإبداعية، وتنهي القراءة وأنت مفعم بقيمة العمل الفنية، وأحيانا تجد نفسك منبهرا بما بدل فيه من جهود، وما ورد فيه من اجتهاد، وكأنك حضرته، وتنتابك رغبة جامحة لمشاهدته فعلا. هذه الرغبة في الذهاب إلى المسارح، المتولدة عن مشاهدة العروض المسجلة، أو قراءة ما كتب عنها، أو الاطلاع على نصوصها، هي التي تثمن روابط المجتمعات بمسارحها، في كثير من دول العالم.

فمن المسؤول عن إقصاء المسرح المغربي والعالمي من قنواتنا ؟ ولصالح من يستمر هذا الاقصاء؟

إن تغييب المسرح عن مشهدنا الاعلامي الوطني، أو التقصير في الاهتمام به حق قدره ضمن البرامج الفنية، هو ما يزيد من عطالة المجال المسرحي في بلادنا، ويبخس مشهدنا الثقافي حقه.
تجوب عروض المسرح المغربي ربوع البلاد طولا وعرضا، وتزور مختلف دول العالم للقاء المغاربة أينما كانوا، ومعهم غير المغاربة، لإطلاعهم على جديد مسرحنا ومستجداته، وبالمقابل، إن حدث وسألت شخصا من الغالبية الساحقة، التي لا تترد على المسارح وقاعات العرض، عما تعرفه عن تجارب المسرح المغربي الحالية، تجدها بلا علم، مما يؤكد على التغييب الممنهج للمسرح. كم هو مؤسف أنّ معظم المغاربة لا يعرفون بوجود مسرح مغربي رفيع المستوى، يتفوق بانتمائه للثقافة المغربية الزاخرة، ويتميز بارتباطه العضوي مع واقع المجتمع المغربي.

ما الذي ينقصنا كي لا يصل مسرحنا إلى المغاربة في بيوتهم؟ وما الذي نقوله أو نفعله على خشبات المسارح ولا يجب على المغاربة أن يطلعوا عليه؟

غالبا ما ننسب التهميش الممارس على المسرح للدولة، ولكننا ننسى أن الدولة تشتغل بمؤسسات، والمؤسسات تشتغل بإشراف من مسؤوليها، أولئك اللذين يشغلون المناصب، ويمنحون الدفء لكراسيهم المريحة، ويمنعونه عن مسرحيينا، لتظل قاعات العرض باردة، إلا من عروض تنتعش بدعم هزيل من قطاع الثقافة، كل ما استطاع تحقيقه هو حفظ ماء الوجه لمسرحنا المغربي المجيد. دون أي أمل في فتح آفاق جديدة أمامه ليصنع له متفرجا مغربيا في كل مكان، ويسترعي اهتمام العالم.

وحتى لا يظل مسرحنا حبيس ظلمة القاعات، علينا أن لا نكف عن تذكير بعضنا البعض، بأن المسرح كان قبل المسارح، ودخلها عندما توفرت، واستمر فيها، وسيستمر دائما، حتى وإن منعت عنه. فالمسرح، منذ القِدم، يقدم في الاماكن المخصصة له وغير المخصصة: فتجده في المسارح والقاعات، وفي الشوارع والساحات، وفي المآثر ومختلف البنايات، وفي الحدائق والشواطئ والمحميات الطبيعية، وحتى في الاماكن المهجورة والمخربة، وعلى ركام الخراب، وعلى أطلال المجد. واليوم أصبح بالإمكان تقديم المسرح، عن بعد، عبر أثير الإذاعات، وعلى شكل قراءات صوتية أو تمثيليات إذاعية، ويقدم على شاشات القنوات التلفزية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المتوفرة للجميع.

ولأن مسرحنا متنوع، وغني، فهو يستحق أن تتعدد قنوات تواصله مع الجماهير، وتتعدد سبل إيصاله وتواصله مع المغاربة أينما كانوا، لأنهم يستحقونه.

كان بإمكان مسؤولي القنوات التلفزية الوطنية، أن يجعلوا من الظرف الوبائي القاسي، الذي تسبب في إغلاق المسارح وقاعات العرض لشهور، سببا مقنعا و ذريعة كافية لمصالحة المغاربة مع مسرحهم، ولكنهم أخلفوا الموعد كعادتهم.