باتت هبة  المدرس في طي النسيان و الاندثار، ولطَّخت الصورة الصافية و الواضحة المنسوجة حولَ مهنة التدريس بالسَّواد، حوادث ووقائع حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعي في الأواخر من السنة الجارية، أبانت عما تعرض له بعض الأساتذة من عنف جسدي، متعلم بمدينة ورزازات أقدم على سحل أستاذه داخل فصل دراسي ، أمام مرأى زملائه الذين اكتفوا بالمشاهدة و توثيق اللحظة المؤلمة، خلّف الفيديو المأسوي الذي تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي  ردود مستنكرة للعنف الممارس على الأستاذ الذي وجب احترامه و توقيره، اتفق الجميع دون البحث عن مبررات على أن ما قام به المتعلم سلوك  يستوجب العقاب، الفاصل الزمني بين حادثة ورزازات واقعة الدار البيضاء ليس طويلا، حيث عمد متعلم على الاعتداء على أستاذته بواسطة شفرة حلاقة مخلفا جرحا غائرا في خديها الأيمن، دون الحديث عن التبعات النفسية للمعتدى عليها.

بداية الحكاية كانت مع تعرض رجال التعليم لمختلف أشكال التنكيل و الضرب و الرفس في مختلف الأشكال الاحتجاجية من طرف القوات العموميّة، أضف إلى ذلك الحملات التي تشنها وسائل الإعلام بين فينة و أخرى، قس على ذلك التصريحات التي يدلي بعض المسؤولين و الذين ينسبون فشل المدرسة العموميّة إلى رجال التعليم، مما أسهم في تشكيل وعي مجتمعي، يضع الأستاذ في خانة الاتهام.

مقدار كبير من الحظ كان بجانب الأستاذين ، حين وجد الحادثان طريقهما إلى وسائط التواصل الاجتماعي” السوشيل ميديا”، عديد هم رجال ونساء التعليم، الذين يعانون في صمت من عنف متعلميهم، حوادث كثيرة في طيِّ الكتمان و النسيان، لازالت الذاكرة محتفظة بمحاولة متعلم نحر أستاذه في مدينة سلا، دون إغفال حالات تعرضت و تتعرض لاعتداءات لفظية من طرف التلاميذ أو من طرف آبائهم.

رب متسائل يستفهم، هل ثمة ما هو أنذل و أفظع أن يحس رجل التربية بغياب الأمان و أنه  مهدد في سلامته الجسدية و النفسيّة، من طرف بعض الجانحين  و ذنبه الوحيد أنه اختار أنبل المهن و أقدسها وقد قامت على أتعاب رجال التربية الأمم و حضارات قوية، ونتذكر ما قام به تلاميذ حين عمدوا إلى حرق ثانوية بفاس و رشق أطرها بالحجارة بعد تشديد الحراسة أثناء امتحانات الباكالوريا، تجابه هذه الحوادث بنفس عبارات الشجب و الاستنكار والغضب الذي لا يتعدى حدود الفايسبوك، دون البحث عن الحلول، أو سيفتح تحقيق دون غلقه.

مست الأحداث الأخيرة شرف رجال و نساء التعليم و هيبتهم، ووضعت الجميع  في خانة الاتهام، النقابات التعليمية  التي “انبطحت” مقابل المناصب و جَمْع الانخراطات، لم يعد لها من دور فعّال سوى التقاط صور اجتماعات روتينية لا جدوى منها، وصياغة بيانات بعبارات مسكوكة. تسائل الحادثة الوزارة الوصيّة على القطاع التعليمي بالبلاد حول  مسؤوليتها لتأمين كرامة المدرسين و مكانتهم، فالوزارة مصرة على فضح ما لا يستحق الفضح، فعمدت في الشهر المنصرم على نشر أسماء المدرسين الغائبين، ولكن يبدو لها فضح الذين ساهموا في اختلاس الملايير كأنه جبل من جليد، ثمة سعي حثيث لشيطنة رجال التربية، لكم أن تتخيلوا حجم العبث، حين أقرت الوزارة عقوبات سخيفة على المتعلمين المتعدين، حيث دعت في مذكرة أصدرها وزير التربية الأسبق رشيد بلمختار، إلى اعتماد عقوبات بديلة كالبستنة و التشجير…

تتحمل مؤسسة الأسرة قسطا  غير يسير من المسؤوليّة في التربيّة، في ظل المتغيرات  الحاصلة على الأصعدة المختلفة، اقتصاديا و اجتماعيا، وعن دور الفقهاء في التوعية و تحسيس المجتمع و تكوين تلميذ كفء و خلوق، وعن دور الإعلام في  التوعيّة و بناء جيل متزن متخلق بذوق فني غير البرامج التي تجعل من تلامذتنا “ضباع”، يحق لنا السؤال عن دور الفلسفة و الموسيقى و الفن و المسرح في التهذيب و التّخليق…؟

ما وقع لأستاذ ورزازات وأستاذة الدار البيضاء … من تجليات الانهيار و نتاج تراكمات، مناهج معطوبة و تغييب للأنشطة التربوية، و إسناد الأمور لغير أهلها، وتجاهل نداءات الحكماء و الغيورين على التعليم العمومي، حتى أضحى غارقا في الفوضى، مدارس عمومية أصبحت تعج بالمدمنين و السكارى، % 15 يدخنون السجائر، % 13 يستهلكون المخدرات داخل المؤسسات التعليميّة، و %10 يشربون المواد الكحولية، حسب ما أورده التقرير الأخير للمجلس الأعلى للتربية و التكوين، في غياب العقوبات الزجرية نتوقع الأسوأ …إنه محصلة الإجهاز على التعليم العمومي و القرائن دالة على توريطه في الأزمة على حساب التعليم الخصوصي.

هي علامات دالة على الإفلاس الأخلاقي و القيمي للمجتمع، حين يحتقر المدرس و تتهاوى قيمته و مكانته الاجتماعية، و هي محاولة لزعزعة الثقة بالمدرسة العمومية…

هل من منقذ للوضع؟