
خرافة الملكية البرلمانية بالمغرب
“الملكية البرلمانية” مطلبيتردّد دائما في أدبيات العديد من الهيئات السياسية والحقوقية،ويحضر باستمرار لدى مجموعة من فعاليات المجتمع المدني، وترفعه بشكل متكرّر شخصيات تنتمي إلى عالم الفكر والثقافة… والمقصودبالملكية البرلمانية، كما تُعرّف خطاً بالمغرب لخطأ في الترجمة، ذلك النظام الملكي الذي “يسود فيه الملك ولا يحكم”، حيث يكون الحكم الحقيقي، وليس الشكلي، في يد حكومة حقيقية، وليست شكلية، تتوفر على سلطة تنفيذية حقيقية، وليست شكلية، وتكون بذلك مسؤولة أمام البرلمان. أما “السيادة” التي يتمتّع بها الملك فتخصّ ممارسته لسلطة رمزية وبروتوكولية، لا علاقة لها بسلطة فعلية،كالسلطة التنفيذية التي هي من اختصاص الحكومة المسؤولة وحدها أمام البرلمان.
آراء أخرى
قلت: “كما تُعرّف خطاً بالمغرب لخطأ في الترجمة”. وذلك لأن عبارة “يسود ولا يحكم”، الشائعة التداول، هيترجمة غير سليمة لمقابلها الفرنسي “le roi règne mais ne gouverne pas”، حيث يعني فعل “régner”: “يمارس دورَالملك”، وليس “يسود”،الذييقابله في الفرنسية:exercer la souveraineté، أي “يمارس السيادة”. ولأن”السيادة” تعني، كمفهوم سياسي وقانوني، ومنذ تعريف”جان بودان”Jean Bodin لها، الحق المطلق في ممارسة السلطة بشكلغير مقيّد ولا مشروط، على منطقة أو بلد أو شعب، مما يجعل منها خاصية ملازمة للدولة حسب ما تملكهمن وسائل القوة والإكراه والردع والعقاب، فإنالقول بإن الملك يسود ولا يحكم، هو كالقول بأنهيمارسحكما مطلقا لكنه لا يحكم. وهذا تناقض مضحك. أما إذا أردنا ترجمة العبارة إلى العربية، محتفظين بالمعنى المقصود بها، فيمكن القول: “الملك يمارس سلطة رمزية فقط دون حكم حقيقي”.
لماذا المطالبة بملكية برلمانية؟
لأن ملكية تنفيذية، يكون فيها الملك هو الحاكم الحقيقي والفعلي، مثل النظام الملكي في المغرب، تتنافى معالديموقراطية الحقيقية،ليس فقط لاستحالة أن يكون هناك فصل حقيقي بين السلط، والذي هو شرط واقف للممارسة الديموقراطية، وإنما لأنالسلطة الحاكمة، المفترضأنهاالسلطة التنفيذية للحكومة،هي مسؤولة أمام البرلمان الذي يسائلها عن سياستهاوبرامجها وإنجازاتها،ويحاسبها عن أي تقصير أو سوء تدبير أو اختلال في التسيير… والحال أن الملك لا يُسأل ولايُحاسب. وعندما يكون هو الحاكم الحقيقي، كما في المغرب، ودون أن يُسأل ويُحاسب عن نتائج حكمه، فذلك حكم فرديديكتاتوري ومزاجي لا علاقة له بالديموقراطية بتاتا. وفي هذه الحالة، يكون البرلمان والحكومة مجرد مؤسساتصوريةوريعية، والانتخابات مجرد ديكور شكلي لا ينتج حكومة تحكم فعلا، ولا برلمانا يشرّع حقا.
ومن هنا كانت الحاجة ماسّة إلى الملكية البرلمانية، كشكل وحيد لتَوافُق نظام الحكم الوراثي مع شروط الحكمالديموقراطي.ولهذا غالبا ما يستشهد المطالبون بالملكية البرلمانيةبملكية إسبانيا وبريطانيا، حيث إن الملك بهاتينالمملكتين، إذا كان لا يُسأل ولا يُحاسب أمام البرلمان، فذلك لأنه لا يحكم، وإنما له اختصاصات رمزية وبروتوكولية فقط.
وهل المغرب ليس بملكية برلمانية؟
يقول الدستور المغربي في الفقرة الأولى من الفصل الأول: «نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية». واضح أن النصيصفالملكية المغربية بـ”البرلمانية”. إذن لماذا المطالبة بشيء هو أصلاموجود؟ وإذا عرفنا أن الملكية البرلمانيةهي الملكية التي تتعايش مع وجود برلمان يحدّ من سلطات الملك، حيث يكون هذاالبرلمانوحده المختص بالتشريع في مجالات يستأثر بها من دون الملك، فستكون الملكية بالمغرب ملكية برلمانيةلوجود برلمان له سلطات (الفصل 71 من الدستور على الخصوص) تجعل سلطات الملك محدودة لكونها لا تشمل تلك المجالات التي هي من اختصاص البرلمان. وفضلا على أن نظام الحكم بالمغرب يمكن اعتباره ملكية برلمانية، بالشكل الذي شرحناه،فهو قبل ذلك ملكية دستورية، كما تؤكّد الفقرة الأولى المشار إليها أعلاه. والملكية الدستورية هي الملكية التي تكون فيهاسلطات الملك مقيّدة بدستور.
هل هذا يعني أن الملكية المغربية هي حقا دستورية وبرلمانية، وبالتالي فليس هناك مبرّر معقول للمطالبة بتحويلهاإلى برلمانية، لأنها هي أصلا ومسبقا برلمانية، كما سبقت الإشارة؟
دستور ممنوح:
المشكل هو أن الدستور المغربي، بكل مقتضياتهالتي تعطي سلطات للبرلمان وللحكومة،من شأنها أن تحدّ من سلطات الملك،وتلك التي تقيّد كذلك سلطاته بتحديد الإطار الذي ينبغي أن تُمارس فيه تلك السلطات، هو دستور ممنوح ما دامأن لجنة ملكية، عيّنها الملك نفسه لهذا الغرض، هي التي صاغت هذا الدستور. وأين المشكل إذا كان الدستور ممنوحا؟ المشكل أنالقيود التي يحدّ بها الدستور من سلطات الملك، هي، في النهاية، ذات مصدر ملكي غير مستقل عن الملك نفسه، ممايعني أن تلك السلطات، التي تنازل عنها الملك لصالح البرلمان والحكومة، هي تلك التي اختارها هوباعتبارها ثانوية وغير ذات أهمية بالنسبة إليه، لكونها لا تنتقص شيئا من سلطاته الحقيقية والتنفيذية. النتيجة أن الدستور يضعه الملك بنفسه لنفسه،سواء أعدّهالفقيه القانوني “موريس دي فيرجي”Maurice Duverger ، كما فعل بالنسبة إلى دساتيرالحسن الثاني التي كتبها بطلب منه، أو أعدّتها لجنة عيّنها الملك لنفس الغاية،كما فعلت “لجة المانوني”التي حرّرت الدستور الحالي.ومصادقة الشعب المغربي عن طريق الاستفتاء على هذا الدستور لا ينفي عنه أنه يبقى مع ذلك دستورا ممنوحا، صادرا عنإرادة الملك، ولم يصدر عن سلطة تأسيسيةpouvoir constituant منتخَبة.
ولهذا فرغم الإيجابيات الكثيرة التي جاء بها دستور 2011 مقارنة مع الدساتير السابقة، إلا أنه لا يؤسّس ـ ولا يمكنه ذلك ـ لملكية برلمانية حقيقية، مثل الملكية البرلمانية لمملكة إسبانيا مثلا، والتي غالبا ما يستحضرها المطالبون بملكية برلمانية بالمغربكمثال، كما أشرت.
وقد اعترف المستشاران الملكيان،السيد عمر عزيمان والسيد عبد اللطيف المنوني، رئيس لجنة صياغة دستور2011، في حوار لهما مع وكالة “فرانس بريس”بمناسبة مرور عشرين سنة على حكم محمد السادس، بأن المغرب لازال لم يصل بعد إلى الملكية البرلمانية. فقد قال السيد عزيمان: «لسنا في إطار نظام يشبه الملكية الإسبانية، أوالهولندية، حيث يسود الملك دون أن يحكم، نحن في ظل نظام ملكية من نوع آخر، لكن سلطات الملك محددة».وأوضحالسيد المنوني قائلا: «نحن على طريق ملكية برلمانية، لكن بطبيعة الحال لاتزال ثمة ربما بعض المقتضيات، التي يلزم تجويدها» (“اليوم 24” بتاريخ 28 ـ 07 ـ 2019 ــ http://www.alyaoum24.com/1282178.html).
وعلى ذكر الملكية الإسبانية، والتي يستحضرها دائما، كما قلت، المطالبون بملكية برلمانية بالمغرب، كما أشار إليها أيضا المستشار الملكي السيد عزيمان، يجدر التوضيح أن الفرق الأساسي، بين ملكية برلمانية كما في النظامالإسباني،وملكية تنفيذية كما في النظام المغربي، يظهر في كوندستور المملكة الإسبانية هو الذي أوجد الملك، عكس الدستورالمغربي الذي أوجده الملك بقراره الإرادي الانفرادي الذي عبّر عنه في خطابه يوم تاسع مارس 2011. ولا يصحّ التحجّجبأن الدستور المغربي يستمدّ شرعيته من الشعب المغربي الذي صادق عليه في استفتاء عام، تماما مثل الدستورالإسباني الذي عُرض هو أيضا على استفتاء شعبي.فالدستور المغربي، كما قلنا، مصدره الوحيد هو الملك،أولا منحيث إعطاؤه الأمرَ، في خطاب 9 مارس 2011، بإعداد دستور جديد، حسب ما أشرنا إليه، وثانيا من حيث تعيينه للجنة ملكية لصياغة هذا الدستور. وفي مرحلة ثالثة هناك المصادقة الشعبية على المشروع الذي صاغته تلك اللجنة الملكية. أما الدستور الإسباني فهو منبثق كلية عن الشعب الإسباني،وذلك أولا بانتخاب برلمان هو الذي اختارمن بين أعضائه لجنة كُلّفت بتحرير دستور 1978، وثانيا بمناقشة نفسالبرلمان لمشروع الدستور وتعديله ثم الموافقة عليه،قبل عرضه في المرحلة الأخيرة على استفتاء شعبي بتاريخ 6 ديسمبر1978. ولم يتدخل الملك، الذي أصبح له وجودبفضل ذلك الدستور، إلا للتعبير الشكلي عن قبوله لنصالدستور أمام البرلمان بتاريخ 27 ديسمبر 1978. فدور الملك الإسباني في وضع الدستور غائب بالمطلق، سواء في قرار إعداد الدستور الجديد، أو في مراحل إعداده وصياغته والمصادقة عليه. هذا الفرق بين مصدري الدستورين يُبرزالفرقَ بين دستور ممنوح، ودستور تضعه لجنة تأسيسيةمنبثقة عن انتخابات عامة.
مأزق الديموقراطية بالمغرب:
أشرت إلى أنه بالنظر إلى الطبيعة الوراثية للأنظمة الملكية، فإن الشكل الوحيد الذي يجعلها تنسجم مع شروط الممارسة الديموقراطية هو الملكية البرلمانية، حيث يتمتّع الملك بسلطات رمزيةلكنه لا يحكم. أمابالنسبة إلى الملكية المغربية،نظرا لتاريخها ونشأتها السلطانية،واستعمالها للدين،وبنيتهاالمخزنية، ودور الحماية في تقوية جانبها المخزني هذا، فإنالملك فيها يحكم لأنه يسود، بالمعنى الحقيقي لممارسة السيادة كما سبق شرحه. فالأصل هو الحكمالفعلي الناتج عن السيادة الفعلية، وليس السيادة الشرفية كما في الملكية الإسبانية أو البريطانية أو الهولندية، أو اليابانية…، والتي (السيادة) لا تُنتج ممارسة حقيقية لحكم حقيقي.وهذاما يجعل الملكية بالمغرب إما أن تكون سلطوية وتنفيذية أو لا تكون، ما دام أن كينونتهاهي أن تحكم نتيجة كونها ذات سيادة، أي ذات حق مطلق لممارسة سلطة غير مقيّدة، حسب شرحنا السابق لمعنى “سيادة”.
وهذا هو مأزق الديموقراطية بالمغرب: لا يمكن أن تكون هناك ديموقراطية حقيقية مع وجود ملكية تنفيذية. لكن لايمكن أن تكون هناك ملكية في المغرب دون أن تكون تنفيذية. وهذا مأزق أيضا بالنسبة إلى المنادين بملكية برلمانية:فعندما يطالبون بهذه الملكية البرلمانية، فهم في الحقيقة يطالبون ضمنيا بإلغاء الملكية، لكون الملكية بالمغرب، كماأوضحنا، إما أن تكونتنفيذية أو لا تكون. ونتيجة لهذا المأزق، يقعون في تناقض والتباس عندما يطالبون، عند كل تعديلدستوري، بدستوريؤسّسلملكية برلمانية، يمارس فيها الملك سلطات رمزية بدون حكم حقيقي، لكن دون أن يطالبوابانتخاب سلطة تأسيسية تتكلّف بإعداد دستور هذه الملكية البرلمانية. لماذا سلطة تأسيسية؟ لأنهلا يمكن أن ننتظرمن طبيعة “المنْح” التي تسِمالدساتير المغربية،”منْحَ” دستور يكتفي فيه الملك بحكم شرفي رمزييستغني فيه عن الحكم التنفيذي الحقيقي، وإلا لما كان الدستور “ممنوحا”. فبما أن الملكية بالمغرب، كما شرحنا،إما أن تكونتنفيذية أو لا تكون،فلا يُتصوّرأن “يمنح” الملكُنفسُه دستورا يلغي به صفته كملك ذي سلطات تنفيذية، وليست فقط شرفية ورمزية. لأنذلك يعني إلغاء للملكية المغربية التي لا يمكن أن توجد إلا إذا كانت ذات سلطات تنفيذية، كماسبق بيان ذلك. وهذا ما ينتج عنه مأزق ثالث: فالملكية البرلمانية لا يمكن أن تأتي إلا من خارج الملك، أي من دستورغير ممنوح تضعهسلطةتأسيسية مستقلة عن الملك. لكن المدافعين عن الملكية البرلمانية بالمغربيطالبون الملك نفسه أن يضع دستورا يرسيدعائم الملكية البرلمانية، أي دستورا لا يبقى معه الملك ملكا، لأن الملك بالمغرب إما أن يكون ذا سلطات تنفيذية أو لا يكون، كما سبق أن أوضحنا.
ملكية ليست ديكتاتورية ولا برلمانية:
لكن إذا كانت الملكيةالتنفيذية قدَرا مغربيا، فمن حسن الحظ أن هذا الشكل من الملكية ليس بالضرورة شرا دائما. وقدسبقلأرسطو أن ميّز بين الديكتاتورية التي يحتكر فيها الحكمَ فردٌ واحد يستعمله لمصلحته الشخصية، وبين نوع منالملكيةالتي يحتكر فيها، هي أيضا، الحكمَ فردٌ واحد لكن يستعمله لمصلحة الجميع (“monarchie”, encyclopédie Universalis). فمثل هذه الملكية، التي تراعي مصلحة الجميع، أي مصلحة الشعب، يمكن اعتبارهاملكية ديموقراطيةفي سياستها العامة إزاء شعبها. لكن هي غير ديموقراطية لكونها تحتكر الحكم لنفسها وتمنع عن الآخرينفرصالوصول إلى هذا الحكموممارسته. وهذا ما يذكّر بمفهوم “المستبدّ العادل”، المعروف في الفكر السياسي العربي الإسلامي، كما نجده عند جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمان الكواكبي… ولهذا إذا كانالنظام الملكي بالمغرب يبدو حكما فرديا واستبداديا، إلا أن ما يعطيه بعضا من مظاهر الديموقراطية هو أنه يحكم طبقالقواعد، وليس فقط تبعا للمزاج والرغبة. حقيقةأن مشكل الديموقراطية يبقى قائما، لأن هذه القواعد، التي يحكم النظامالملكي المغربي وفقها، هو الذي وضعها (الدستور الممنوح)، وليست نتيجة دستور مستقل عن الملكية، ومُلزِم لها.
لكن ما يجعل الحكم بالمغرب يبتعد أكثرعن الديموقراطية، ليس فقط لأن الملكية هي التي تختار القواعد التي تحكمطبقا لها، ولا حتى لأنهاقد لا تطبّق هذه القواعد التي قرّرتها هي نفسها، وإنما لأن هذا الحكم يعتمد، كشرط لوجودهواستمراره،على الريع والفساد كركن رابع للدولة المغربية، يضاف إلى الأركان الثلاثة المعروفة: الشعب والأرض والسلطة.فمع سياسة الريع والفساد الملازم لها، ينتفي حتى مفهوم “الاستبداد العادل” ليحلّ محله “الاستبداد الجائر”، لأنالريعوالفساد هما ظلمللشعب،واعتداء على حقوقه بنهب أمواله وخيراته من طرف طبقة الفاسدين والمفسدين. وهذا مايُفقدالثقة في الحكام والسياسيين، وفي العمل السياسيبصفة عامة.
لكن ماذا لو كان الملك ذا سلطةشرفية ورمزية فقط؟
لنكنْ واقعيين وصرحاء. ماذا كان سيحصل لو أن الملك بالمغرب يتمتّع بسلطات رمزية بدون حكم حقيقي، كملكإسبانيا مثلا؟أي ماذا كان سيحصل لو أن الحكومةالمغربية تتمتع بكل السلطات السيادية والتنفيذية الحقيقية، حيث يكونرئيس الحكومة هو المشرف والمسؤول المباشر علىأجهزة المخابرات ومؤسساتالجيش والدرك والشرطة، أي هو الممسك الحقيقي بزمام السلطة الحقيقية التي لا بدّ لوجودها من وجود هذهالأجهزة والمؤسسات “المسلّحة”،كأدواتمشروعةلاستخدام العنفالمشروع،وممارسة السيادة الفعلية كأعلى درجات الهيمنة والتحكّم؟ ألا تكون حكومة”البيجيدي” الإخوانية قد استعملتسلطاتها السيادية هذه، لتحويل المغرب إلى إمارة “إخوانية”، حتى لا نقول”داعشية”، لتفرض “شرع الله” كما تعِد بذلك في حملاتها الانتخابية، وتكتبه في منشوراتها ووثائقها؟وألا تكون قد حاربت الأمازيغية،أكثر مما تفعل اليوم، باعتبارذلك”جهادا” يفرضه “شرع الله”؟ولو كانت الحكومة يسارية، ألا تكون قد استعملت نفسالسلطات السياديةلتحويل المغرب، ليس فقط إلى دولة عربية، بل إلى ملحقة فلسطينية تستعمل كقاعدة خلفيةلمحاربة الصهيونية والأمازيغية التي تعتبرها “حليفا”لها؟
وعلى ذكر الأمازيغية، أليس بفضل الملكية التنفيذية (الفص 19 من الدستور السابق) أُنشئ لها معهد ملكي للنهوضبها؟ واليوم، أليس بتدخل لسلطات الحكومة والبرلمان، وليس لسلطات الملك، تم الإجهاز على هذا المعهد وإقباره،انتقامامن الأمازيغية التي كانت تحظى برعاية ملكيةبفضل الملكية التنفيذية وليس البرلمانية؟فما فعلته الحكومةوالبرلمانبالأمازيغية، سواء بإصدارهما قانونا تنظيميا لإعدام ترسيمها (انظر موضوع: “قانون تنظيمي لإعدام ترسيم الأمازيغية”، على رابط “تاويزا”: http://tawiza.byethost10.com/1tawiza-articles/arabe/organique3.htm)،أو بإعدامهما لمعهدها الملكي، يعطينا فكرة عما كانتستفعله هاتانالمؤسستان بالأمازيغية لو كانتا تتمتّعان بكامل السلطات التشريعية والتنفيذية الحقيقية في إطار ملكية برلمانية. ليس من المبالغة إذا قلنا إنهما ربما لشرّعتا تجريم الكلام بالأمازيغية في الفضاءات العمومية. أما كتابتها فتلك ستكون بمثابة الخيانة العظمى.
أين هي أحزاب الملكية البرلمانية؟
كل هذا يبيّن أنه لا توجد لدينا، إلى اليوم، أحزاب في مستوى الملكية البرلمانية. الأحزاب الموجودة ترتبط، في غالبيتها،بما هو أجنبي عن المغرب، مثل الإسلام الوهابي والإخواني ذي المصدر المشرقي الخارجي، والعروبةالعرقية والقومية،المستوردة من نفس المشرق. فهل من مصلحة المغرب أن تحكمه أحزاب، على فرضأن نظام الحكم سيكون ملكيةبرلمانية لا يتوفّر فيها الملك سوى على سلطات رمزية وشرفية، لا مصلحة لها إلا خدمة مصالح أجنبية عن المغرب،والدفاع علىفاحشة التحوّل الجنسي للمغاربة من جنسهم الأمازيغي الإفريقي إلى جنس عربي أسيوي، وهو ما تسمّيههذه الأحزاب بالتعريب؟
لنكنْ واقعيين وصرحاء مرة أخرى. عندما تكون لدينا أحزاب مغربية حقيقية، أي أحزاب تدافع عن أصالة المغربوهويته الإفريقية الحقيقية، التي هي أمازيغيته الإفريقية، وتعمل على إشاعة الاعتزاز بهذه الهوية الجماعية لدى المغاربة، آنذاكفقط يمكن أن نتحدث عن أحزاب من حقها أن تطالب بملكية برلمانية، حتى تمتلك الأدوات القانونية والدستوريةوالمؤسساتية للدفاع عن التوجه الأمازيغي الوطني للدولة، وتحصين الاستقلال الهوياتي للمغرب، وحمايته من عاهةالتحوّل الجنسي، القومي والهوياتي،الذي كانت تنشره الأحزاب الإسلامية واليسارية والقومية، كعدوى فيروسية انتقلتإليها من “الحركة الوطنية”.
أما القول بأن الملكية، في شكلهاالتنفيذي الحالي، ليست أقل عروبة ولا أقل تيوقراطية من هذه الأحزاب العروبية والإسلامية، فإن ما يجب إدراكه والانتباه إليههو أن الملكية كسلطة سياسية لا يهمّها ـ وهذا يصدق على كل سلطة سياسية بصفتها سلطة سياسية، وذلك حتى في أكثر الأنظمة ديموقراطية ـ إلا ما يخدم هذه السلطة ويقوّيها ويضمن بقاءها واستمرارها. ولأن التوجه العروبيالقومي بالمغرب، مع استعماله للإسلام لدعم توجّهه هذا، أصبح مهيمنا منذ “الحركة الوطنية”، فليس من مصلحة الملكية أن تسير في اتجاه معاكس لتيار لهحضور قوي. ولهذا فإن الحكمة السياسية تفرضعليها التبنّي المؤقّت لهذا التوجه العروبي القومي قصد احتوائه واستعماله لصالحها. ونفس الشيء بالنسبة للإسلام الوهّابي الذي أدخلته الملكية إلى المغرب منذ ثمانينيات القرن الماضي لتواجه به التوجهات الإسلامية، التي كانت ترمي إلى الطعن في شرعيةالملكية باسم الخلافة الإسلامية، كما حاول أن يفعل المرحوم عبد السلام ياسينوأتباعه.ولهذا لو كان هناكتيارأمازيغي قوي ومهيمن إيديولوجيا وسياسيا، لكانت الملكية هي السبّاقة إلى الإعلان أن المغرب مملكة أمازيغية، لتستميل وتستعمل لصالحها العنصر الأقوى. ولو كان هناك تيار علماني قوي ومهيمن إيديولوجيا وسياسيا، لكانت الملكية سباقةإلى تضمين دستورها فصل الدين عن الدولة. فما يهمّ الملكية، كسلطة سياسية، كما شرحت، هو ما يخدمها، سواءكان عروبة أو أمازيغية، حركة دينية أو توجها علمانيا.
في إطار الوضع الحالي لأحزابنا، ونظرا لهيمنة العروبة العرقية والقومية والإسلام السياسي على أولوياتهاواختياراتها وإيديولوجياتها، فإن الأفضل للمغرب أن تحكمه ملكية تنفيذية لكونها، كما أثبت ذلك تاريخ المغرب لما بعد الاستقلال، أكثر ارتباطابالمغرب وقضاياه وثقافته وهويته. وهو ما يجعل استبدادها أفضل بكثير من ملكية برلمانيةتكون فيها السلطة الحقيقية في يد أحزاب تنكر أمازيغية المغرب، وتفضّل خدمة القضايا الأجنبية، كفلسطين وتنظيم الإخوان العالمي، علىالقضايا الوطنية.