( أتمنى من المحامي حاجي أن يكون قد صافح و عانق صديقه الهيني )..

   بالجملة الواردة أعلاه ، عبر أحد المغاربة عن طلبه من الله أن يصاب السيد الهيني بفيروس كورنا ، كي تكتمل السيمفونية ، و بذلك ستبلغ السعادة أوجها عند صاحبنا المغربي المسلم !! و لا يمكن بالمطلق قبول مثل هذه التعابير في طلب الشر للأخر إلا عند من تشبع بقيم الكراهية و العنف ، حتى أن التشفي بإصابة إنسان ، كيفما كان بصرف النظر عن كل التصنيفات ، يعكس حجم الخبث المؤطر للخطر الذي ما يزال قابعا بيننا . 

و الأخطر ؛ عندما يتم اعتماد الله جلت قدرته في تصفية الحسابات ، و لسان حالم دعاة الكراهية أنه قد سلط المرض الخبيث على من يعصيه من عباده !! و لأن الله سبحانه جميل حليم رحيم بعباده ، فإن دعاة الكراهية لا يعرفون في سلطة الله سوى أهوال القبور و التعبان الأقرع و جحيم البرزخ . هؤلاء ، من اسف ، ينصبون أنفسهم مناديب السماء على الأرض .

و بذلك ، و عبر هوس باطولوجي مرتبط بتزكية نرجسية للذات ، ينصبون أنفسهم قديسين يشاركون الله حضوة الجنة ، و عبر تزكية الأنفس ؛ يشرعون في قياس درجة الإيمان في قلوب ” الكافرين ” . هؤلاء المتجارين بصكوك الغفران يقدمون الدين الإسلامي بأبشع صورة ، محاولين تفسير التاريخ بمنطق العقاب الرباني ، و كأن أمطار الخير و الأنهار الرقراقة و الخيرات التي تفيض بالبلدان الإسكندنافية و بشمال أمريكا و بالبرازيل…، بمنطق الخلف ، هبة من الله لهؤلاء لأنهم قوم مومنون !! 

إن تصريف مواقف موازية لخط الحقد و الكراهية و هدر حقوق الأغيار ، تحت مسميات الإيمان و التقوى ينتهي مباشرة إلى ما سماه عبد الرزاق الجبران بالجهل المدين ، و اعتبره ينتهي إلى العنف المقدس عبر علاقة بسيكولوجية سادية تلازم دعاة الكراهية المتخصصين فقط في تقييم تجارب الذوات و قياس الإيمان من موقع احتكار الله . 

و لا مراء إن خوصصة الله عند هؤلاء تجعلهم يوظفون سلطة المقدس لرسم صورة سلبية عن بني البشر ، و بالتالي فلا يليق بشر هؤلاء سوى ما يحتكره من الله من قدرة متعالية عن صناعة الشر ، و ذلك تحقيقا للانصاف . إنه نظيمة الكراهية التي تظهر في كثير من المثون النظرية التي تعبر عن كيف تبنى الصورة التدينية حيال الله الذي ينزل الشر و يسلطه على عباده المذنبين أمام انظار التقاة الوارعين . و بذلك تتحقق تزكية النفس   يشيطن الأخر ، بعيدا جدا عن حقيقة الإنسان الذي خلقا ضعيفا مجبرا بالتواجد لا مخيرا . 

فالله ، في حقيقة التواتر الديني ، حاور الشيطان مرارا ، و تفاعل إيجابا مع طلب ” إجعلني من المنظرين ” ، حلما منه و هو الحليم العليم . فالله الذي حاور الشيطان و حاور آدم و حاور ابراهيم و موسى .. لا يليق به أن يكون رحيما مع المذنبين ” الكافرين ” من طينة الذين استهدفهم كورنا ، بإيعاز من قدر الله ؛ و كورنا هذا جند من جنود الله !! و أعتبر إن التأويل العنيف لسلطة المقدس للنيل من المدنس ، يفيد أن استيعاب نسبية الوجود البشري لا يستقيم إلا بمطلقية المقدس التيولوحي . 

فالمتدين ، وفق قوالب الاحتكار النرجيسي ، وحده يفهم الله بفضل الإخلاص في ممارسة الطقوس الدينية بوفاء لإرضاء الله أولا ثم لإقناعه بالتدخل للنيل من الأعداء المارقين الخارجين عن الملة و الدين . و عبر تقديس الذات المتدينة و تبخيس الاخر المختلف ، يكرس فهما جامدا للقيم بما يخضع تجارب الناس الغنية للقياس على شكيلة النمط الأوحد المتاح في التدين . 

إن نشر الكراهية و التسويق لها يتأطر ضمن الحرب المعلنة على الثقافة الشعبية الغنية الزاخرة بقيم التسامح و الغيرية و قبول الأخر ، على قاعدة خلقناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا . و الذاكرة الشعبية و التدين الشعبي و الإيمان الفردي و الحرية وفق المتاح قانونا ، كلها قيم معادية للنظرة المرنة عن المقدس الديني ، او لنقل عن الله ؛ باعتباره لا يقبل من الحرية سوى ما تسمح به سياجات العنف المقدس الذي يروم إخضاع الوجود الإنساني لنمطية التدين بشروط دعاة الكراهية و المتخصصين في إنتاج الحقد المقدس بمنطق الحساب الإلاهي ضد المذنبين . 

فالله ، كسلطة قوة مطلقة تيولوجيا ، وحده قادر على الوقوف بالمرصاد ضد كل  مارق زنديق !! لذلك لا يمكن فهم الحياة البشرية في هذه الحياة الدنيا سوى على ضوء العقاب الرباني الذي يولد على شكل براكين و زلازل و رياح وغيرها، و ذلك لترهيب الإنسان حتى يرجع ألى الصراط المستقيم . 

و معنى ذلك هو أن اتباع طريق الله لا يتأتى سوى بتخويف البشر بما يتملك من القوة الطلقة القادرة على إنتاج العنف المطلق ضد إنسان بسيط خلق ضعيفا و يموت ضعيفا . و عبر استنزال قوة السماء المطلق يتحول الوجود الى حلبة لاختبار قدرة السماء على ترهيب الأرض ليتجلى الدين !! ان الفكر الباطرياركي المتزمت الذي عاش في بنية طبيعية قوامها الجفاف و التصحر و الحاجة و شظف العيش إنتهى برسم صورة انتقائية عن المقدس انتروبولوجيا من خلال ثقافة ” عالمة ” ولدت في كنف نخبة متدينة تمثلت الله من خلال البحث البسيكولوجي التعويضي عن العنف المطلوب لاحتكار قدسية التعالي على باقي الأجناس.

وبذلك تتعمق النزعة النرجسية بتأويل فاشيستي للفكرة المطلقة المنحرفة من منطلق ” خير أمة ” أخرجت للناس ، و الامة هنا تطال تجربة الأفراد من المحتكرين للتميز مقارنة مع الأغلبية من المارقين !! و لأن التأويل لا يتخلص انتروبولوجيا من التراكم السلوكي الحاصل ، فإن بناء صورة عن الله تظل حبيسة الثقافة النمطية المنتجة لقيم الحقد والكراهية. 

ولذلك يتم اعتماد نظرة انتقائية مع المثون المقدسة تبالغ في استحضار آيات العذاب و النيل من ” الكافرين ” ، على حساب الإستخفاف من آيات المحبة و السلام . فالله ، كمقدس سلطوي ، لا يليق به أن يكون رحيما !! بالأحرى يجب ألا يكون سوى جبار منتقما . و لأن المؤمن على مقاس دعاة الكراهية تجل لصورة الله ، فإنه ملزم باستنزال سلطة السماء لتتجلى بالأرض ضد من يخالف نمطية الدين على منوال تقديس العنف و تعنيف المقدس ؛ لأن القوة الطلقة في صناعة العنف لا يملكها سوى الله . 

وبهذا التأويل الفاشيستي للتعبد يصبح الوجود جحيما متواصلا في انتظار يوم الحساب لينال المارقون النار تتلظى ، و ليحظى دعاة الكراهية بالحور العين بكرا عوانا بين ذلك ” يطوف عليهم ولدان مخلدون بأباريق و كأس من معين ” ، و بذلك ينتهي التاريخ بين الجنة و النار خالدين فيهما أبدا . 

و لأن المصير حتمي بما يجسد ثنائية العقاب و الجزاء ، فإن الصلوات النوافل و الحج المبرور و الصدقة الجارية و الصوم القبول .. مبررات للوصول الى جنة الفردوس الأعلى ، من مدخل الورع و التقوى مقابل الجزاء . فالمؤمن هنا ، على شكيلة دعاة خوصصة المقدس ، انتهازي براغماتي يمتثل للأوامر المتعالية بحثا عن الخلود بالجنان على حضوة الكواعب أترابا . 

و ماذا لو كان الله سبحانه حقيقة وجودية سابقة عن التاريخ ، دون ان يكون هنالك جزاء مؤسس على غريزة الحياة و الرغبة الكامنة في حياة البدخ ، ترى هل سيبقى الإمتثال لله بالقدر نفسه من الورع و التقوى . 

إن تأويل قيم الخير و الشر بمنطق نفعي انتهازي يسيء لجمال الله سبحانه ، و لذلك استعجل الفقهاء تكفير الحلاج و اغتياله ، متنكرين لتصوفه العالم وفق الفكرة المطلق للخير ” معبودكم تحت قدمي ” . 

فالحلاج و ابن عربي و رابعة العدوية و غيرهم من دعاة التصوف العالم يؤسسون لعلاقة بديلة مع الله أساسه الحب و العشق العرفاني ، على نقيض الفقهاء المكرسين لنظرة نفعية مع الله قوامها الطفر بالجنة و أنهار من عسل مصفى ، و كأن التدين لا يليق إلا بوجود امكانية الفوز العظيم بمحاذاة سدرة المنتهى خارج التاريخ بعدما ينمحي الزمان ويؤسس للمكان خارج الجغرافيا .

    و أزعم إن تأويل فيروس كورنا بشكل متعالي تيولوجيا من لدن دعاة الكراهية يعيد إلى الفهم الأنتروبولوجي للتدين  سلطة الفقه التقليداني المتزمت الذي انتجته البنية الطبيعية لقريش التي عاشت تحت تقسيم باطرياركي ” كومبرادوري ” للسلطتين المادية و الرمزية على أشلاء العبيد و النساء ؛ كفئات مغلوبة منوط بها تلبية حاجيات البدخ الاوليغارشي لقريش بأم القرى . 

وتتجلى الرغبة الدفينة في التفوق في تكفير المخالف ، من منطلق ” من تمنطق تزندق ” ، و تبخيسه و هضر دمه ، مقابل تزكية النفس و استعلائها و تقديسها . و ببناء تأويل متعالي للوجود تصبح الدنيا مسرحا لاختبار سلطة الله في الإنسان الذي خلق ضعيفا و يموت ضعيفا . 

     وحسبي أن التشفي في من اصيب بفيروس كورنا ، من منطلق انتقام الله و تحقيق عدالة السماء ، يكشف عن حقيقة العنف المقدس الذي يحجب بيننا في انتظار الخروج للنيل من ” أعداء الله ” !! و من دون وعي ؛ يتم تحويل الإنسان الى عدو لله ؛ رغم ان المقارنة لا تستقيم . 

وبذلك نحتاج الى إعادة قراءة الفقه المحتكر للحقيقة على ضوء مفاهم علوم الإنسان و المجتمع ، مع ضرورة استعجال المصالحة مع التراث التصوفي العالم ، عبر تجديد الروح في مثون الحلاج و ابن عربي و ابن سبعين .. لربما ننجح في الحيلولة دون تنامي نزعة دعاة خوصصة الله من تجار صكوك الغفران ، و منطق الاستنتاج يؤكد الحاجة الى ثورة كوبيرنكية تخلخل أنساق الجهل المقدس دون المساس بمشروعية وجود الله سبحانه خارج الزمن و المكان ، و بذلك ننزه التاريخ و الجغرافيا عن نمطية العنف المقدس لصالح القانون كتعاقد مدني عقلاني كفيل بتجويد الوجود . 

وختاما إذا كان الله هو من خلق كوفيد 19 ليبتلي المارقين ، كما يذهب الى ذلك دعاة الكراهية ، فإن الله ايضا هو من خلق العقل اداة متعالية قادرة على صناعة العلاج ، أفلا يعقلون !!

كاتب وناشط حقوقي