وماذا بعد أن يصبح التلميذ طبيبا؟ أو مهندسا؟ أو محاميا؟ أو أستاذا؟ أو طباخا؟ أو ميكانيكيا؟…

سؤال قلما يطرحه الآباء ومعهم أطر التوجيه التربوي حول أخلاقيات مهنة المستقبل التي اختارها أبناؤهم أو اُختيرت لهم.

وكيف يحضر هذا البعد الأخلاقي في التوجيه مع سعار المنافسة الاجتماعية حول الكراسي والمناصب المهنية؟

لقد حل ″الصراع على الكرسي مكان الصراع الطبقي″ كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي Vincent de Gaulejac,”la lutte des places au lieu de la lutte des classes” وانخرط الكل بلا استثناء في هذا السباق المحموم نحو التفوق الذي تبشر به الأنظمة التربوية الليبرالية عبر العالم.

لكن يبقى السؤال المحوري قائما :

ماذا بعد هذا التفوق الدراسي والمهني؟

وخصوصا إذا استحضرنا الهوة السحيقة ما بين الفقراء والأغنياء والتدمير الممنهج الذي تتعرض له الأنظمة البيئية في العالم.

بتعبير آخر، هل الهدف هو أن يصبح أبناؤنا أطرا عليا وكفى، دون اعتبار لما سيفعلونه بنا وبغيرنا في المستقبل، أم أن هذه الأطر يجب أن تنضبط لمجموعة من القيم الإنسانية في عملها اليومي كرعاية حقوق الفقراء والمحرومين والحفاظ على التوازن البيئي في الخطط والبرامج؟

الجواب عن هذا السؤال ينطلق من القناعات العميقة لكل منا في حياته الشخصية وللمعنى الحقيقي الذي يضفيه على وجوده الإنساني.

وبالطبع فالذي تفتقد حياته هذه المعاني السامية لا يمكن أن يترجمها على أرض الواقع في عمله اليومي لأن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقال ومن لا معنى لحياته لا معنى له هو أيضا.

ولبيان خطورة هذا البعد القيمي في مهنة المستقبل، لننظر على سبيل المثال في حالة المغرب وبالضبط على مستوى وزارة التربية الوطنية.

تبلغ ميزانية هذا القطاع ما يقرب من 60 مليار درهما سنويا لكن وبالمقابل يتذيل المغرب المراتب الأخيرة في التعليم عالميا.

ودون الخوض في الدراسات التي لا حصر لها حول أسباب هذه الأزمة المزمنة، سننقل مشهدا واحدا لمؤشر واقعي يراه الجميع منذ الاستقلال إلى اليوم:

انه الفصل الدراسي الذي لم يطرأ عليه أي تغيير لما يفوق نصف قرن، فما زالت الطاولات الخشبية المهترئة هي هي، ومازالت السبورة السوداء بقتامتها وبطباشيرها البيضاء والملونة، وعدد التلاميذ في تناسل مستمر أمام أعين مدرسين لا حول لهم ولا قوة.

هذه هي الوضعية الحقيقية لهذا النظام التعليمي من تحت، أما من فوق فتلك مسألة أخرى..مسألة 60 مليار درهما..والمكاتب الفاخرة..والسيارات الفارهة..والتعويضات الخيالية لمهام خيالية..واللائحة تطول ولا داعي لذكرها لأن الجميع مل منها.

وإذا كان هذا هو حال وزارة التربية الوطنية أي وزارة ″المتنورين″ من المغاربة، فما بالك بالوزارات الأخرى؟

نعيد طرح السؤال من جديد :

ماذا سيستفيد المغرب والمغاربة من إطار عالي همه الوحيد هو رفاهه الشخصي ولو على حساب الآخرين؟

هل بمثل هذه الأطر الفاقدة للضمير المهني وللحد الأدنى من القيم الإنسانية يمكن أن ننهض من تخلفنا؟

ألا تضعنا هذه السلوكيات المنحرفة كالسرقة والاختلاس والرشوة…كآباء وأطر التوجيه التربوي موضع المساءلة عن غياب البعد الأخلاقي من التوجيه؟

التوجيه بدون قيم لا وجهة له. وغياب هذه القيم من الحياة لا يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة : الفوضى!

نحن إذن أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما :

1 – إما أن نؤسس الممارسة التربوية في التوجيه على البعد القيمي ونستحضر مدى التزام التلميذ أخلاقيا في مساره الدراسي والمهني.

2 – أو نقتصر على الجانب الإجرائي النفعي من التوجيه وفي هذه الحالة فنحن إنما نضيف قناصين جدد إلى لائحة القناصين الذين يتربصون بمستقبلنا وبمستقبل أبنائنا.