في منطق النضال لا يستقيم الحديث عن انتصار أو هزيمة، لأن النظر مُنصَبّ على حجم المكاسب المحققة، والسؤال التقويمي لأي محطة نضالية هو: ماذا تحقق بالنسبة لما كان يُمكن تحقيقه؟

ولأننا في بلدٍ المطالب فيه لا تتجاوز سقف الحقوق الطبيعية، فإن السؤال سيأخذ صيغته المغربية، ليصير على النحو الآتي: ماهي الحقوق المنتزعة بعد أشهر من النضال؟

لا يخفي أن الظلم هو حرمان من حق ثابت، وكثيرة هي المظالم التي أثقلت كاهل الطلبة الأطباء، ومنذ سنوات. لكن الغضبة الطلابية أتسعت حين أجهزت قرارات رسمية على كرامة الطلبة الأطباء وتجاوزت حقهم في المشاركة في تدبير مستقبلهم المهني الذي يبدأ من الآن.

إن صمود الطلبة الأطباء، ومن ورائهم فئات مجتمعية (خاصة أسر الطلبة) لشهور يعكس حجم الضيم والإجحاف الذي مس كرامة أطباء الغد.  فهل كانت نتائج “الغضبة الطلابية” في مستوى الحدث؟

لا ينكر المتتبع أن هذه المحطة النضالية التي استمرت لشهور( ولم تنته بعد لأن إشعاعها سيستمر في الوعي الطلابي) قد مكنت من:

• تعميق الرابطة الطلابية الجامعة، حيث قدم الطلبة الأطباء أنفسهم أمام الجميع على أنهم “ذات واحدة” رغم تعدد التخصصات والانتماء الجغرافي، وهي قوة قابلة للاستثمار في كل المشاريع التي تخدم مستقبل طلبة الغد (تنظيم ورشات تكوينية مفتوحة، تنظيم أنشطة علمية، عقد دورات تدريبية داخل المغرب وخارجه…)
• تعزيز القدرة على قول “لا”، والثبات عليها، مهما كان الثمن غاليا. “لا” لكل السياسات التي تُجهز على الحاضر، وتَرهن المستقبل في المجهول. وشعار “سنة بيضاء خير من مستقبل أسود” يلخص ماسبق.
• التأكيد على قاعدة “قوة في غير عنف، ولين في غير ضعف”، لا يكفي الغضب على الظلم لانتزاع الحق المسلوب، لابد من تصريف هذا الغضب في قنوات الحوار والتواصل المفتوح، والتدبير المسؤول، حتى لاتتحول قوة الغضب على الظلم إلى عنف، هو الظلم نفسه. وقد أبان الطلبة الأطباء عن قوة هائلة في خرجاتهم الميدانية وفي تواصلهم الدائم، واحتكامهم لمنطق العقل المشترك.

لايمكن حصر ثمار هذا الدرس النضالي فيما سبق، بل إن مداه سيتسع، ولن يتوقف عند المكاسب الآنية، مما يُعطي شرعية للسؤال: هل فعلا انتهت الغضبة الطلابية عند هذا الحد؟ أم أنها فقط محطة في مسيرة النضال المستمر، في شكله ومعناه؟

 كاتب عام سابق لتعاضدية طلابية