في البداية لابد من التمييز بين الترجمة و دراسات الترجمة أو علم الترجمة، وذلك نظرا لما يحدث أحيانا من خلط بينهما، فالترجمة مهارة ومعرفة بهذا العمل، الذي هو المراحل المتعلقة بالترجمة. أما دراسات الترجمة فهو ذلك الفرع من العلوم الذي يتولى دراسات الترجمة ، فهو يتعلق بمعرفة أمور حول الممارسة الترجمية. فدراسات الترجمة منهج أكاديمي بحثي حديث نسبيا توسع كثيرا في السنوات الأخيرة. و بالرغم من التاريخ الطويل لممارسة الترجمة إلا أن الاهتمام النظري بها يعتبر حديثا ولا يتناسب وتلك الممارسة. فقد اقتصر الاهتمام النظري بالترجمة في السابق على ما كتبه بعض المترجمين من مقدمات لترجماتهم يشرحون فيها بعض الصعوبات العلمية التي واجهتهم ويتناولون صعوبة الترجمة بشكل عام. و بينما كانت الترجمة تدرس في السابق ضمن عملية  تعلم اللغة  أو بوصفها جزءا من الأدب المقارن و ورش الترجمة و مقررات اللسانيات المقارنة، فإن المنهج الحديث يدين بالكثير إلى عمل جيمز س.  هولمز  James S. Holmes الذي وضعت دراسته الموسومة “أسم و طبيعة دراسات الترجمة”  “The Name and Nature of Translation Studies ” أسم و بنية هذا الحقل المعرفي.[1] و قد شكلت الفروع المتداخلة لدراسات الترجمة النظرية و الوصفية و التطبيقية الكثير من  البحث الحديث و ساعدت في ردم الهوة التي اتسعت بين نظرية الترجمة و ممارستها.

– مفهوم دراسات الترجمة

عرف جريمي مونداي (2001 ) في كتابه “مدخل إلى دراسات الترجمة. نظريات وتطبيقات” ، دراسات الترجمة بأنها ” ذلك الفرع الأكاديمي الحديث الذي يعني بدراسة نظرية الترجمة وظواهرها، وهو بطبيعته التعددية اللغوية والفرعية البينية إنما يقوم على اللغات واللسانيات ودراسات التواصل والفلسفة، إضافة إلى أنماط متنوعة من الدراسات الثقافية ”   [2]. ويرى أنه نظرا لهذا التنوع فإن إحدى المشاكل الكبرى التي تبرز في تدريس فرع دراسات الترجمة والوقوف عليه، تتمثل في تشتت الكثير منه في سلسلة طويلة من الكتب والمجلات.  وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد عددا من “القراءات” الجامعة لكتابات مهمة في الموضوع منها  “مشكلة الترجمة” بقلم يواخيم ستوريخ، و”قراءات في نظرية الترجمة” بقلم أندرو تشيسترمان، و”الترجمة والتأريخ والثقافة مرجع أولي” لمؤلفه اندريه ليفير، و”نظريات الترجمة مقالات مختارة من درايدين وحتى دريدا” بقلم رينير شولت وجون بيغينيت، و”نظرية الترجمة الغريبة من هيرودوتس وحتى نيتشه” للكاتب دوغلاس روبنيسن، و”المراجع في دراسات الترجمة” بقلم لورينس فينوتي، هذا إلى جانب مؤلفات وأخرى مثل” موسوعة روتلج لدراسات الترجمة” بقلم منى بيكر، و”معجم دراسات الترجمة” الذي حاولت فيه جمع المفاهيم الرئيسية وتقديم توصيف لهذا الفرع العلمي.

الترجمة كموضوع أكاديمي قد بدأ فعليا في السنوات الخمسين الأخيرة فقط. هذا المنهج، في العالم الناطق بالإنكليزية، معروف الآن بشكل عام على انه “دراسات الترجمة” بفضل جيمز س. هولمز.  يصف هولمز (Holmes 1988b/2000) في مقالته التعريفية الأساسية التي ألقاها  في 1972 ، إلا أنها لم تعرف على نطاق واسع حتى العام 1988،  المنهج الوليد في وقته على أنه مهتم “بالمشاكل الرئيسية المتجمعة حول ظاهرة الترجمة و الترجمات” [3].

و كانت ماري سنيل-هورنبي تكتب في العام 1988، وذلك في الطبعة الأولى لكتابها دراسات الترجمة: مدخل متكامل   Translation Studies: An Integrated Approach ” إن طلب النظر إلى دراسات الترجمة كمنهج مستقل …… قد أتى من عدة دوائر في السنوات الأخيرة”  (Snell-Hornby 1988) . و استطاعت سنيل-هورنبي في 1995، و هو زمان نشر الطبعة الثانية و المنقحة لعملها، أن تتحدث في المقدمة عن ” التطور المثير لدراسات الترجمة كمنهج مستقل” و “النقاش الدولي الخصيب ” حول الموضوع. و تتكلم منى بيكر(1997 )، في مقدمتها لموسوعة رتلج للترجمة   The Routledge Encyclopedia of Translation بإسراف عاطفي عن غنى “المنهج المثير الجديد، و الذي ربما هو منهج تسعينيات القرن العشرين” الذي جمع سوية الباحثين من تنوع كبير من المناهج الأكثر تقليدية في الغالب. الآن و في مطلع القرن الحادي و العشرين يستمر منهج دراسات الترجمة بالتطور من قوة إلى قوة في العالم.

– قضية التسمية : تطور في المفهوم والمصطلح

تشكل قضية تسمية هذا الحقل المعرفي تنوعا على المستوى المفاهيمي و المصطلحي، فعلى المستوى الأول هناك من يعتبر الترجمة فنا، حيث عرفها خلوصي صفاء (1957) في كتابه  – فن الترجمة في ضوء الدراسات المقارنة-   “على أنها فن جميل يعنى بنقل ألفاظ ومعان وأساليب من لغة إلى أخرى لأن المتكلم باللغة المترجم إليها يتبين النصوص بوضوح ويشعر بها بقوة كما يتبينها ويشعر بها المتكلم باللغة الاصلية” [4] . وهكذا ظهرت كتب  مقالات تحمل عنوان فن الترجمة، ففي العالم العربي بالإضافة للكتاب السابق  صدر كتاب  “فن الترجمة”  لمحمود شوكت ونجيب أمين (1958 ) و “فن الترجمة في الأدب العربي” لمحمد عبدالغني حسن (1966)  و “فن الترجمة” لمحمد عوض محمد( 1969) و “فن الترجمة لسمير عوض”   (1984). أما بالانجليزية فقد ظهرت كتب كثيرة منها    “فن الترجمة  “the Art of translation  لتولمان Tolman  (1901)  و “فن الترجمة”   لشولز Scholz( 1918)  و”الترجمة فن اليزابيتي” لمالثيسن Malthiessen (1931) و”فن الترجمة” لسافوري Savory  (1957 ) و “فن الترجمة وأصوات من الحقل” Art of translation : voices from the field (1989 ) لروزانا وارن Rosana Warren .

كما اعتبر آخرون الترجمة حرفة  حيث يقول بيتر نيومارك Newamark Peter حول الموضوع ” الترجمة حرفة تتمثل في محاولة استبدال رسالة أو بيان مكتوب بلغة ما بذات الرسالة أو البيان بلغة أخرى” [5]. وعدتها كارين رينفرانك karin Reinfrank  حرفة و فن في آن واحد ِ “Craft and Art  ” كما سماها المؤلفان بكونت وشوت  Biguenet and Schutte   حرفة في كتابهما الذي يحمل عنوان “حرفة الترجمة” The Craft of translation . .

وفي النصف الثاني من القرن العشرين اعتبر مجموع من الباحثين  الترجمة  علم قائم بذاته ، كنايدا Nida  في كتابه  “نحو علم الترجمة” Toward a Science of translation  (1964)، و كاتفورد في كتابه “نظرية لغوية للترجمة” A linguistic theory of translation (1965) ، وفي العالم العربي صدر كتاب “الترجمة علم وفن واختصاص”  لشما فهمي( 1981)، و”علم الترجمة” لصلاح عبدالحافظ (1983)  وأخر لفوزي عطية محمد سنة  1986يحمل نفس العنوان وفي سنة 1992صدر لمحمد الديداوي كتاب بعنوان “علم الترجمة بين النظرية والتطبيق” وأخر لحكيم أسعد مظفر الدين   “علم الترجمة التطبـيقي” 1994.

أما على مستوى المصطلحات المستعملة في التسمية فهي متنوعة فهناك نظرية الترجمة ، علم الترجمة ، دراسات الترجمة ، دراسات حول الترجمة.  ففي الفرنسية نجد مثلا Traductologie   و Théorie de la traduction  و في الانجليزية نجد Translatology  و  Traductology و في الألمانية نجد Ubersetzung wissenschaft   و Ubersetzungtheorie  . وقد أشار هولمز في دراسته ‘ اسم وطبيعة الترجمة’ إلى قضية تنوع المصطلحات مشيرا ” يبدو للوهلة الأولى أن الموقف في أيامنا هذه يتسم بالغموض الشديد و ليس هناك اتفاق حول النماذج التي تم اختيارها، ولا حول المناهج المطبقة والمصطلحات المستخدمة” ( 1988 ص 67) وفضل استعمال مصطلح دراسات الترجمة ليشمل كافة جوانب هذا الفرع من العلوم، واتفق معه مؤلفون جاءوا من بعده منهم سنيل هورنبي ، جيريمي مونداي وآخرون.

وشهدت تسعينيات القرن العشرين أيضا تكاثرا في المؤتمرات و الكتب و المجلات في الترجمة و بلغات عديدة. فقد التحقت بمجلات الترجمة الدولية الراسخة مثل Babel (هولندا) و  Meta  (كندا) و Parallèles  (سويسرا) و Traduire (فرنسا) الآن مجلات من بينها  Across Languages and Cultures  (هنغاريا)  و  Cadernos de Tradução    (البرازيل) وLiterature in Translation   (المملكة المتحدة)          Perspectives    (فرنسا)     Rivista Internazionale di Tecnica della Traduzione  (ايطاليا) و Target(إسرائيل/بلجيكا)     The Translator ( المملكة المتحدة) و  Turjuman  (المغرب)  و المجلات الأسبانية Hermeneus, Livius  و  Sendebar . بالإضافة إلى عدد كبير من مجلات أخرى تصدر  بلغة واحدة و  أخرى ربما لا يكون تأكيدها الأساسي على الترجمة بل حيث تنشر مقالات عن الترجمة في الغالب. و تحوي قوائم الناشرين الأوربيين الآن مثل John Benjamins و Multilingual Matters  و Rodopi وSt Jerome   أعدادا معتبرة من الكتب في حقل دراسات الترجمة.[6]

مراجع

جريمي، مندي .مدخل إلى دراسات الترجمة. نظريات وتطبيقات. ترجمة.هشام علي جواد. أبو ظبي : هيئة أبو ظبي للثقافة والثرات ، 2010. ص 1.

خلوصي صفاء. فن الترحمة في ضوء الدراسات المقارنة . بغداد وزارة الثقافة ،  1957. ص 14

كاظم العلي . ملخص نظرية الترجمة لجيريمي مندي.  في : http://www.alnoor.se/article.asp?id=54582  (أطلع عليه في 02/3/2018

Holmes, J.S. (1988/2000). The name and nature of translation studies. In Venuti, L. (ed), The Translation Studies Reader. London and New York: Routledge, 2000. p172-185.

Newamark , Peter. Approches to translation. . London: Pergamon Press Ltd., 1981. p 7

[1] Holmes, J.S. (1988/2000). The name and nature of translation studies. In Venuti, L. (ed), The Translation Studies Reader. London and New York: Routledge, 2000. p172-185.

[2]  جريمي، مندي .مدخل إلى دراسات الترجمة. نظريات وتطبيقات. ترجمة.هشام علي جواد. أبو ظبي : هيئة أبو ظبي للثقافة والثرات ، 2010. ص 1.

[3]   [3] Holmes, J.S. (1988/2000). مرجع سابق ص 173

  [4]  خلوصي صفاء. فن الترحمة في ضوء الدراسات المقارنة . بغداد وزارة الثقافة ،  1957. ص 14

[5] Newamark , Peter. Approches to translation. . London: Pergamon Press Ltd., 1981. p 7

 [6]    كاظم العلي . ملخص نظرية الترجمة لجيريمي مندي.  في : http://www.alnoor.se/article.asp?id=54582  (أطلع عليه في 02/3/2018)