النسخة ليست هي الأصل..ملاحظة بديهية لدى الكثير من الناس، لكنها وللأسف الشديد ليست كذلك عندما يتعلق الأمر بالمجال الديني.

هنا بالذات ولأن الدين المجرد لا وجود له على أرض الواقع، يختلط الحابل بالنابل ويستوي في ذلك الإنسان العادي كما الخطيب المفوه من على المنابر أو الداعية أو المرشد بل وحتى بعض علماء الدين والمتخصصين الأكاديميين الذين وفي أحيان كثيرة من خلال كتاباتهم ومداخلاتهم لا يميزون بين الإسلام كدين سماوي ورسالة خالدة للعالمين وبين الحركات الإسلامية التي نبتت في البيئة الإسلامية المتعفنة لقرون من الفساد والظلم والانحطاط السياسي والاجتماعي.

فمن أين يأتي هذا الخلط يا ترى؟

الأسباب والعوامل كثيرة عرض لها العديد من المفكرين المحافظين والحداثيين على حد سواء لكن بطريقة غير مباشرة عبر تتبعهم لمسار الحركات الإسلامية وبالضبط انخراطها في العمل السياسي الذي أبان عن الهوة الشاسعة ما بين ما تدعيه هذه الحركات من الإسلام وما بين ما تمارسه حقيقة في الواقع.

بمعنى آخر، فهذا النقد اتجه أساسا إلى التناقضات الظاهرة بين القول والفعل أو ما يسمى في الأدبيات الإسلامية بالتدين. وهنا مربض الفرس الذي سنتناوله في هذه المقالة الوجيزة على أن نتطرق للعوامل الأخرى في مناسبات لاحقة.

أولا، أن تكون مسلما لا يعني بالضرورة أن تنتمي إلى حركة إسلامية. كما أن الانخراط في حركة ما لا يعني أنك من المسلمين..لأنه يوجد ملحدون على أخلاق كما يوجد إسلاميون بلا أخلاق، والمسلم قد يتأرجح ما بين هذا وذاك ظاهريا على الأقل.

ثانيا، النفاق هو التناقض بين القول والفعل وهو دليل على أن من ينتهجه كأسلوب في الحياة، ينتظر سلوكا أخلاقيا من الآخرين رغم أنه في الحقيقة غير مقتنع به.

وإذا كانت الحركات الإسلامية تركز في خطابها على الجانب التربوي فكرا وممارسة لكنها وبالمقابل تهدمه جملة وتفصيلا في الجانب السياسي فهذا دليل على أنها ليست سوى حركات تنافق المسلمين وتنفق من الإسلام ما يخدم مصالحها فقط لتتسلل إلى القلوب والبيوت في غفلة من أهلها.

إنها مجموعة من الوصوليين ينتحلون صفات الأنبياء والصالحين ويتاجرون بماضي المسلمين ليسرقوا حاضرهم ومستقبلهم.

ثالثا، تميزت الخريطة الدينية للبشرية وتمايزت منذ قرون وانتهى عهد الأنبياء والرسل إلى غير رجعة لأن التاريخ لا يعيد نفسه، وكل نكوص إلى الماضي السحيق للإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو أية ديانة أخرى ما هو إلا من قبيل التوظيف السياسي بعد إفلاس جميع الخطابات الاديولوجية وعجزها عن إيجاد حلول للأزمات الراهنة.

فأي معنى لتأسيس حركات إسلامية في أوساط المسلمين؟

إنها من قبيل ما يعبر عنه المثل الدارج المغربي : ″أجي يا جدة نوري ليك دار خوالي″ أي أنا يا جدتي أعلم منك بأخوالي وأحوالهم وأين يسكنون!

فهل هذه الحركات أعلم بأحوال المسلمين منهم؟

أم أنها أعلم بالإسلام من جميع المسلمين؟

أظن لا حاجة للإجابة لأن التاريخ مليء بالإجابات ولو انتظر الإسلام هذه الحركات لانقرض منذ أمد بعيد.