إن انتقال ‘الفيسبوك‘ من مجال التواصل الاجتماعي إلى حيز ممارسة السلطة، عبر إنتاج خطابات متعددة يتقدمها الخطاب الاحتجاجي، يستوقفنا للتساؤل حول ما إذا كان هذا التوسل بالفضاء الافتراضي، يشكل زحفا نحو مرحلة جديدة تبين عن بداية تشكل وعي جماعي،  ينطلق من الشبكة الرقمية ويمتد إلى العالم الخارجي، دون وصاية النقابات والأحزاب السياسية وباقي أجهزة الدولة، أو أن غياب هذه الأطراف ينذر بحضور فاعل محرك للاحتجاجات، عبر تفجير جملة من القضايا المتتالية التي تنتهي إلى تفييئ الاحتجاج، ضدا على تماسك النضال الموحد في سبيل بلوغ الغائية ذاتها، أو النكوص صوب الدفاع عن حقوق معيشية متدنية، أقصاها المطالبة بتحسين الدخل الفردي، ومن ثمة تغييب إشكالات جذرية تهم التعليم، والبطالة، والفق،ر والتهميش، والفساد، والريع… والتركيز على أخرى وهمية لكن يتعامل معها المجتمع بوعي حقيقي، وهنا تكمن خطورتها إذ تجمد سقف المطالب الاجتماعية عند حد أدنى، وتحرك المدرك الجمعي نحو الاهتمام بقضايا مفتعلة لإعادة استهلاك الأفكار الجاهزة. من هنا يبدو أن تطويع الحركات الاحتجاجية أمرا ليس بالعسير، بما أنها تتيح إمكانية اختراق بنية خطابها، عندما تشتغل وقف ثنائية الآنية والتعدد، التي تشل سيرورة الاستمرارية، والحال أننا إزاء حتمية مساءلة طبيعة هذا الاحتجاج ذاته، أي ما إن كان يندرج ضمن خانة فاعل مثير أم مفعول به مستجيب؟

إن تعدد الحركات الاحتجاجية بالمغرب –الافتراضية منها والواقعية– بهذا المعنى، ينم عن نمط احتجاجي يتسم بالزيف والتواطؤ والهشاشة، لأنه ينتج خطابا ‘قشدويا‘  يلازم السطح دون خلخلة ما هو جوهري، وسرعان ما يغير اتجاهه مع تغير القضايا المفتعلة، أي أنه يشتغل عبر عنصر ‘الذاكرة‘ قصيرة الأمد داخل عملية الإدراك، حيث يتراجع غضب الفئة المحتجة، وتضمحل انفعالاتها تجاه ما كانت ترفضه رفضا قطعيا، بمجرد صناعة حدث جديد والقدف به داخل المشهد الاجتماعي ليعتلي الواجهة درءا لما قبله. فلا ريب إذا في أن تفرز هذه الاحتجاجات  نتائج معكوسة كتحصيل حاصل، بما أنها لا تشكل ضغطا على الدولة لتحقيق ما تنادي به من مطالب، بقدر ما تمتص احتقان المحتجين عبر ممارسة فعل الاحتجاج نفسه. هكذا يصبح من السهل على الدولة احتواء الاحتجاج بعد إيهام الطرف المحتج بتراجعها خطوة إلى الوراء، وهو تراجع لا يبشر بالتقهقر وإنما ينذر بالاستعداد للتدارك والتوغل، لكن هذا لا يعني التنازل عن حق الاحتجاج والخروج إلى الشارع تعبيرا عن الرفض والممانعة، وإنما لابد من التخلص من الخطاب الوجداني، والانجراف العاطفي أثناء قراءة الأحداث والتعامل معها حتى تكون ردود الأفعال واقعية، ومنطقية، وعقلانية، وهو الأمر ذاته الذي ينبغي الانتباه إليه والحذر منه داخل الحيز الافتراضي، تجنبا للوقوع في فخ ‘البلاهة‘، والامتثال لإغوائها، ومطاوعة أشكالها التي تساهم مواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب وسائل الإعلام في دعمها وترويجها، أي ترويج البلاهة التي تقتات على التفاهات عبر التركيز على سلطة ‘الفضيحة‘، حيث يتم سحب الاهتمام نحو ما تود الدولة أن تنشره خصوصا في الظرفية الأكثر توترا،  ليس على سبيل الصدفة أو الاعتباطية بل لأجل الإلهاء والمناورة. إن هذا النمط من الأحداث ‘المدفوعة‘ يضطلع بدور براغماتي  صرف، مرتكزا على الوصولية وانتهاز الفرص لتعويم النضال والحد من تأثيره، على نحو يجعل الحركات الاحتجاجية المتفرقة أشبه بنوبات هلع تتراجع شدتها بجرعة مهدئ ، مثلما تسفر عن مطالب غير واضحة، وتمتطي في بعض الأحيان المصلحة العامة لبلوغ منفعة خاصة، وسرعان ما تعلن انسحابها بمجرد تحقق هذه المنفعة. إن ما يهم هنا هو تحكيم المحاجة العقلانية أمام الخطاب النضالي، بعيدا عن المظلومية ودغدغة المشاعر، شرطا للارتقاء بالنضال من ممارسة احتجاجية إلى حركة اجتماعية تؤثر ولا تتأثر.