كثيراً ما أفكر في الدين على مر التاريخ وفي الوقت الحاضر، وكلما أتعمق في التفكير والتحليل، كلما وجدت مفارقات أكثر. لكنني دائمًا أتوصل إلى نفس السؤال: “لماذا يؤمن الإنسان بالدين وعدم منطقيته، على الرغم أن الأديان تولد الكراهية وتتسبب في تشتيت المجتمعات  واستمرار إراقة الدماء وأبدية المعاناة؟

صحيح أنه في الوقت الحالي، أرى موضة جديدة تحت درع ” التعايش” و يقودها قادة كل الأديان. أليس هذا اعترافًا بالكراهية بين الأديان؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا هذا الوعظ والاحتفالات التي تدعو جميع المؤمنين في العالم إلى اعتناق هذه الموضة الجديدة “التعايش”؟

لماذا يحتاج الإنسان إلى الدين؟ ما الفائدة التي يجلبها له؟ هل جواز سفر إلى الجنة بالعلم أنها مجرد خيال فقط؟

دعونا نبقى في واقعنا الملموس، بعيدين عن الخيالات الدينية، أين نرى الحب الذي تعلمه الأديان؟ في الحروب الأهلية والعسكرية، في الإبادة الجماعية، في المجاعة والظلم، في الاستعمار وإبادة السكان الأصليين، في استغلال الفقراء  من قبل الأغنياء (بلدان أو أفراد)، أو في عدم المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة؟  في النزاعات والشجار بين أفراد من نفس العائلة وجميعهم يؤمنون بنفس الدين، أو بين الجيران، أو بين زملاء العمل؟ هل تُعبر كتلة الجلسات في المحاكم (الخداع، السرقة، الخيانة، العنف، الميراث…) عن الحب بين البشر؟

يؤمن الفرد بقوة بالدين، لكن هل تحولت قدراته الروحانية والنفسية بفضل تعاليمه؟ أين نرى هذا التحول الروحي؟ في أكاذيبه، في نميمته، في نفاقه، في ارتشائه، في خيانة الأمانة سواء في عمله أو في علاقاته، أو في حبه المغمور لأخيه الإنسان بالغض عن النظر إلى الانتماء العرقي أو الديني؟

إذا كان للدّين بالفعل قوة روحية ويعلم الحب والعدل والرحمة، فلماذا يوجد الكثير من الفقراء؟ لماذا يعيش ذاك المرء في القصر والآخر بلا مأوى بينما هما من نفس الدين؟ لماذا يمتلك ذاك الشخص وسائل العلاج ويموت الفقير من مرضه؟ لماذا يذهب ذاك الفرد إلى المدارس الخاصة والآخر لا يجد حتى مدرسة عامة بالقرب منه؟ لماذا ذاك المواطن يركب وحده في سيارة فاخرة والآخر يركب مع خمسة آخرين من طبقته في الطاكسي الكبيرة؟ لماذا يعامَل ذاك المرء بشرف واقتدار والآخر بازدراء؟

أعلم أنك ستخبرني، إنها ليست أخطاء الدين وإنما أفعال الأفراد وهم المسؤولين عن بؤسنا وهذه هي حجة تفاهة الأديان. ولكن ما الهدف من الدين واعتناقه إذا كان غير قادر على توليد الحب والسلام والعدالة؟

نعرف أن الطفل يؤمن بقوة بِ “بابا نْويلْ”، ولكن عندما يتقدم في العمر يُدرك حقيقة إيمانه الخيالي ويصبح يؤمن بذاته ونفسه، محافظا في نفس الحين على ثقافة “بابا نْويلْ”. ألا تعتقد أن الإنسانية أيضًا، ما زالت في مرحلة الطفولة وتؤمن بالدّين مثل الطفل الذي يؤمن بِ “بابا نْويلْ”؟ متى ستدرك المجتمعات حقيقة الدين ورجاله؟

خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي