يطرح تدريس الأمازيغية في المغرب عدة إشكالات، وهي إشكالات تندرج في إطار قضية الأمازيغية بصفة عامة، فمشروع القانون التنظيمي رقم 26.16، والمتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، هذا المشروع لا يزال في طور التماطل، كما أن الدولة لا تتعامل مع الأمازيغية بصفتها لغة رسمية للمغرب كما أقرها دستور 2011، وإذا كان الأمر راجع إلى المكانة التي كانت ولا تزال تعيش فيها الأمازيغية في المغرب، فإن الدولة المغربية ملزمة بوضع كافة التدابير الممكنة واللازمة لجعل الأمازيغية في وضع مناسب ومتساو مع باقي اللغات، وتبقى القضية الأمازيغية كما قال الأستاذ أحمد عصيد في أحد البرامج: “إنها قضية نضال من أجل المساواة”، ذلك أن المغرب اعترف بشكل رسمي باللغة العربية واللغة الأمازيغية، لكن هذه الأخيرة لا تزال في الهامش، وتحتاج إلى مضاعفة الجهود لبلوغ الرسمية بمعنى الكلمة.

بما أن التاريخ الذي تم فيه نفض الغبار عن اللغة الأمازيغية، لا يتعدى بعد عشرين سنة، ابتداء من بداية تدريسها في المملكة المغربية، والذي انطلق بشكل فعلي سنة 2003، فإن هذه المدة تشكل سببا ضمن أسباب أخرى، جعلت وضعية الأمازيغية تحتاج إلى المزيد من تظافر الجهود، لكي نلمس رسميتها في الواقع، ذلك أن هذه المدة القصيرة من عمر اللغة لا يغني ولا يسمن من نتيجة، وبالتالي يمكن الاعتراف بأننا لا نزال في مرحلة التأسيس وبناء هذه اللغة، وهذا نوع من النهضة اللغوية، والذي يدل في عمقه على أن الأمازيغية عميقة وعريقة في التاريخ، لكن تسببت ظروف معينة في إخمادها، ولعل السبب الذي أدى إلى هذا الإحياء هو الوعي بالأمازيغية كمكون أساسي للذات المغربية، هذا الوعي يفرض بالأساس وضع كافة التدابير التي من شأنها أن تنمي وتطور اللغة الأمازيغية، لكي تصل إلى هدفها الرسمي، وأن يتم استعمالها في المغرب كباقي اللغات، وأن يتم التعامل معها بكل تقدير وافتخار.

إن وضعية اللغة الأمازيغية في المغرب يبقى كارثي بالمقارنة مع اللغات الأخرى، ومن المؤسف أن نؤكد ذلك، ورغم أن الأمازيغية متداولة على نطاق واسع، إلا أننا في حاجة إلى إزالة الغبار عنها، وتنقيتها من الكلمات العالقة بها، والتي تجعلها مزيجا مختلطا من اللغات، وقد حدث ذلك بفعل الاختلاط والامتزاج الذي حصل بين الناطقين بالأمازيغية والناطقين بلغات أخرى، هذا الامتزاج تولد عنه ما بات يستعمل الآن داخل الدارجة المغربية، والأشكال اللهجية للأمازيغية، فلا هو أمازيغية خالصة –معيارية- ولا هو لغة أخرى، وبالتالي فهذه التنقية بمثابة مدخل أساسي لوضع اللغة الأمازيغية في سياقها اللغوي، ورغم أن هذه المهمة منوطة للمؤسسة التي تم الاعتراف بها في هذا الشأن، وهي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إلا أنها تظل مهمتنا جميعا، باعتبارها مكون أساسي من مكونات الذات المغربية، وليس فقط باعتبارها لغة رسمية في الدستور، مهمتنا تتجلى في استعمالنا للمصطلحات الأمازيغية الخالصة، والابتعاد قدر الإمكان عن الكلمات التي لا تندرج في اللغة الأمازيغية، مع الاحتفاظ بالكلمات المقترضة من اللغات الأخرى، وهكذا يمكن أن نأخذ مهمتنا بكامل الاهتمام، وغير ذلك لن يساهم سوى في تأجيل موعدنا مع وجود الأمازيغية في المغرب بالشكل الذي نتمنى.

لا شك أن المدرسة هي اللبنة الأساسية في نشر وتعزيز وجود اللغة الأمازيغية، لكن إن كانت هذه المدرسة لا تتعامل مع هذه اللغة كما ينبغي كما هو حاصل الآن في المغرب، فإن وضعية الأمازيغية سيزداد سوء على ما هو عليه، وهنا مسؤولية الدولة في التعامل مع الأمازيغية بكل جدية ومسؤولية، والابتعاد عن التماطل في تفعيل القوانين التنظيمية، وتسهيل وجود الأمازيغية في المجتمع والإعلام، وتوفير الموارد البشرية اللازمة لتدريس هذه اللغة، مع تدبير هذه الأمور بشكل عقلاني، فبالإضافة إلى الخصاص المهول الذي تحتاجه الأمازيغية في المدارس المغربية، هناك خصاص في التكوين والتنظيم والمقررات والوسائل التي يمكن أن تسهل وتيسر الطريق لبعث الأمازيغية، وبالتالي فالأمازيغية تطرح إشكالات معقدة عموما، وفيما يتعلق بتدريسها خصوصا، هذا إذا اعتبرنا أن تدريس هذه اللغة هو البوابة نحو وجود الأمازيغية المعيارية بشكل فعلي.

يعد تعميم اللغة الأمازيغية في المدارس الابتدائية من بين الإشكالات البارزة في المرحلة الراهنة، وهو إشكال مرتبط بما ينتظر الأمازيغية عندما سيتم تدريسها في المدارس الثانوية، ذلك أنه في المستوى الابتدائي، لا تُدرّس الأمازيغية لجميع المستويات في بعض المدارس، بل يتم الاكتفاء بتدريسها للمستويات الأولى، خصوصا في المناطق غير الناطقة بالأمازيغية، ونظرا لقلة الموار البشرية، فإن الأمر له تأثير سلبي إذا ظل تدريس الأمازيغية حكرا على المستويات الأولى فقط، دون الاستمرار في تدريسها لهؤلاء التلاميذ بشكل تدريجي إلى حدود المستوى السادس الابتدائي، في ظل هذا الإشكال يتم تدريسها لبعض المستويات، ثم بعد ذلك يتوقفون عن متابعتها بشكل مستمر كما جاء في منهاج الأمازيغية، وهكذا فتعميم اللغة الأمازيغية في المستويات الأساسية يتطلب توفير موارد بشرية كافية، يمكن أن تقود هذه العملية، وأن تحيط بجميع الأقسام بدون استثناء.

تؤثر التمثلاث السلبية حول الأمازيغية في عرقلة مسارها ومسيرها، ذلك أن النظرة الدونية لهذه اللغة وللناطقين بها ظلت مرافقة للعديد من غير الناطقين بها، حيث يتمثلونها بشكل يدعو للأسف حقا، ويبدو أن هذا الوضع قد تكون ساهمت فيه تلك الظروف التي كانت تستبعد الأمازيغية قدر الإمكان من الواقع والمجتمع، وبالتالي فتراكمات ذلك لا تزال تعشش لدى العديد من الناس، والمؤسف أن نجد تلاميذ يتعاملون مع الأمازيغية من هذا المنطلق، هذا الإشكال يمكن أن يؤثر سلبا على تعلمهم للأمازيغية، هذا إذا اعتبرنا أن تعلم اللغة يستدعي أن نحبها بداية، أما إذا وصل الأمر إلى حد الاستخفاف واحتقار هذا المكون، فإننا أمام أزمة ستؤثر كثيرا على تدريس الأمازيغية لهذه الفئات، ومن هنا لابد من نشر ثقافة الوعي باللغة الامازيغية باعتبارها لغة مغربية بكل ما تحمل من دلائل ومقومات، هذه التوعية لابد وأن تكون مرفوقة بقوانين زجرية لحماية هذه اللغة، وجعل احترامها وتقديرها ضرورة أمام كل المغاربة بدون استثناء، ويمكن أن يساهم هذا الأمر في جعل التلاميذ يتعاملون مع الأمازيغية بنفس المنطق الذي يتعاملون به مع اللغات الأخرى.

يبدو أن الأمور لا تساير ما تم الاتفاق حوله بخصوص منهاج تدريس الأمازيغية، حيث يتم أحيانا استخدام منهاج واحد لجميع المستويات التي يتم تدريسها، بالإضافة إلى عدم التمكن من تدبير مكون الدرس اللغوي بشكل منظم وبشكل تدريجي يراعي الغلاف الزمني الخاص بكل مكون، ثم إن هناك بعض الإدارات تتعامل بشكل سلبي مع أساتذة اللغة الأمازيغية، وتقترح عليهم تدريس مواد أخرى، كما يطرح تدبير مكانة اللغة الأمازيغية إشكالات أخرى ضمن استعمال الزمن لجميع الأقسام، فإذا كانت المدة المخصصة لتدريس الامازيغية ثلاث ساعات لكل فوج في الأسبوع، فإن هناك من يضطر إلى تدريس ساعتين فقط لكل فوج، وذلك احتراما لتدريس الأمازيغية لجميع الأفواج من مستوى واحد، حتى لا يتم حرمان بعض الأفواج منها، وبالتالي فساعتين لن تكفي لاستكمال مكون الدرس اللغوي، وهذا إشكال يرجع بالأساس إلى قلة الموارد البشرية. وهناك إشكال بارز آخر وهو عدم تخصيص قاعة خاصة بتدريس اللغة الأمازيغية في بعض المدارس، حيث يضطر الأستاذ إلى التنقل من قسم لآخر، وقد يكون لهذا الأمر تأثير سلبي عليه وعلى الأمازيغية التي سيتم التعامل معها بنوع من الاستخفاف في ظل غياب مساواتها مع اللغات الأخرى.

تتعدد الإشكالات التي تطرحها الأمازيغية بشكل عام، وفي المدرسة بشكل خاص، على اعتبار أن هذه الاخيرة بمثابة مفتاح لحل العديد من المشاكل، ولعل الاهتمام بوضعية الأمازيغية في المدرسة يمكن أن يساهم على المدى البعيد في تقوية وتعزيز مكانة الأمازيغية، وهكذا يمكن أن نتحدث عن ترسيم فعلي لها، كما أن انتظار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية يدفعنا لنتأكد من التماطل والإهمال الذي تمارسه الدولة في حق هذا المكون الرئيسي للذات المغربية، ذلك أن هذا التفعيل الرسمي يمكن أن يحمي وجود الأمازيغية، ويقوي استمراريتها، وينظمها في المؤسسات والإدارات بشكل شامل، وهذا لن يكفي إذا لم يساهم المجتمع برمته في الإيمان والافتخار وتقدير هذه اللغة، وهكذا فقط يمكن أن نتفاءل بالأمازيغية.

أستاذ متدرب تخصص الأمازيغية