لم يعد أحد ينكر ما للخطب الملكية اليوم من قوة في توجيه السياسة العامة بشكل فعلي، سواء من خلال التوجيه أو الانتقاد أو طرح البديل الذي يلزم الحكومة بتنزيله ، حتى ولو ارتبط الامر ببرنامج خارج البرنامج الحكومي ، نموذج هذا التوجيه والانتقاد كان جليا في أخر خطاب للملك الذي عاب على الحكومة التأخر في تنزيل القوانين التنظيمية.

الا أن انتظارات المتتبعين من أخر خطاب ملكي كانت عكس التوقعات ، خصوصا واننا نعيش أزمة ديبلوماسية بخصوص ملف الصحراء، والكل انتظر خطابا يعكس نبض الشارع ويعبر عن الحركية الديبلوماسية التي واكبت استفزاز البرلمان السويدي  للمغرب من خلال مساع الى الاعتراف بالجمهورية الصحراوية.  

وحسب اهل السياسة، فقد تم تفسير السكوت عن الموضوع في الخطاب الملكي الى محاولة الملك محمد السادس الى فتح المجال للدور الديبلوماسي دون أن يشوش على ذلك ، وانتظار الموقف الرسمي للحكومة السويدية حتى يبني خطابه ومواقفه بناءا على قرار رسمي للحكومة السويدية لا مجرد اشاعات وحركات كر وفر من قبل الجزائروالبوليساريو. 

تحديات كبرى تهدد بلا شك الامن القومي للبلاد ، في وقت تعرف فيه ديبلومسيتنا تدبدبا ومركزية بيوقراطية حتى من اجل الدفاع عن القضايا الوطنية ، والتي يبقى التحرك من اجلها رهينا بانتظارالضوء الاخضر، هذا في وقت نعيش فيه تهديدات اقليمية من الجارة الجزائر والتي اصبحت تحركاتها المعادية للمغرب بشكل مباشر، دون اغفال تهديد   تنظيم الدولة “داعش” الذي اصبح المغرب في مرمى نيرانه ينتظر فقط الفرصة للاطلاق ، وحصيلة الخلايا الارهابية التي يتم توقيفها من قبل المكتب المركزي للابحاث القضائية ،لخير دليل على جدية هذا التهديد.

واقع يضعنا أمام تحدي ضمان الامن الداخلي والخارجي وفق استراتيجية امنية لحماية البلاد من اي تهديد ،الامر الذي تنبأ له المشرع في الوثيقة الدستورية وتحدث عن المجلس الاعلى للامن، كهيئة استشارية تشاورية بشأن الامن الداخلي والخارجي للبلاد وتدبير حالات الازمات ، ومؤسسة تكرس ضوابط الحكامة الامنية حسب الفصل 54 من الدستور، وما النموذج الامريكي والايراني والتركي الا نماذج لنجاح هذا المجلس في تقوية الامن القومي وفق رؤية استراتيجية .

مما يضعنا امام التساؤل حول الخلفية السياسية لتجنب الخطاب الملكي الحديث عن هذا المجلس او انتقاد بطئ الحكومة في احداثه ،في وقت يعيش فيه المغرب تهديدات من شتى الجوانب سواء ما ارتبط بالجارة الجزائر أو الارهاب الدولي ،او بالهجرة الغير شرعية، في وقت فضل فيه المغرب القيام بتعديلات أمنية خارج هذه المؤسسة الاستشارية  التي من المفروض أن يسند اليها  النقاش حول الاستراتيجية الامنية ، وتم خارج ذلك تنصيب مدير الاستخبارات المغربية ،الى جانب هذه المهمة مديرا لمديرية اللامن الوطني، دون أن نغفل الحديث عن استثناء هذا المجلس دون باقي المجالس المنصوص عليها بالدستور من قانون تنظيمي يحدد قواعد تنظيمه وتسييره ،والاقتصارعلى قانون داخلي في هذا الشأن. 

  مما يضعنا أمام تساؤلات سياسية مرتبطة بعلاقة الملك بحكومة بنكيران، وهل هو تباطؤ حتى انتهاء هذه الحكومة لولايتها وبالتالي اضاعة الفرصة على رئيس الحكومة ووزير العدل الاسلاميين المشاركة في اعداد هذه الاستراتيجية ،بحكم ان الدستور ينص على عضويتهما بالمجلس تحت الرئاسة الفعلية للملك الذي يمكن أن يفوضها لرئيس الحكومة وفق جدول اعمال محدد ،الى جانب عضوية رئيس مجلس النواب ،ورئيس مجلس المستشارين،والرئيس المنتدب للمجلس الاعلى للسلطة القضائية،والوزراء المكلفون بالداخلية،والدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الادارات الامنية،وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وشخصيات اخرى .

اسئلة تضع المتتبع للشأن السياسي المغربي يعلق أجوبته في انتظار الخطاب الملكي بمناسبة المسيرة الخضراء ، فربما المناسبة شرط للحديث عن الموقف المرتبط بملف الصحراء،والموقف الرسمي للمملكة من الاستفزاز السويدي، والمطالبة بتعجيل اخراج المجلس الاعلى للامن للوجود في اطارالسعي لمقاربة استراتيجية شمولية  لأمن المغرب واستقراره .