إستضاف برنامج “من العاصمة” الذي يذاع على قناة العيون الجهوية ضيفين (…) قدم أحدهما على أنه رئيس مركز للدراسات الإستراتيجية والآخر بصفته باحثا في العلاقات الدولية، موضوع الحلقة كان هو التطورات التي عرفتها قضية الصحراء خاصة تداعيات القرارين الأخيرين للمحكمة الأوربية حول وقف الإتفاقية الزراعية مع المغرب والثاني للإتحاد الأوربي بوضعه مقترحا لدى الأمم المتحدة لتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل حقوق الإنسان.

 من تابع الحلقة سيلاحظ أن الضيفين كانا بعيدين كل البعد عن الصفتين اللتين قدما بهما، إذ ظل نقاشهما وتحليلهما سطحيا جدا، بل وكارثيا أحيانا، فمثلا تحدث رئيس مركز الدراسات وشاطره الرأي الضيف الثاني عن إزدواجية  المعايير لدى بعض الدول الأوربية، كبريطانيا مثلا التي تتناقض مواقفها -حسب كلامهما- بين قضية الصحراء والقضية الفلسطينية فاعتبر أنها تغض الطرف عن إنتهاكات الإحتلال الإسرائيلي لحقوق الشعب الفلسطيني في حين تترصدها دون تحفظ في الصحراء !!!

 ولعل المشاهد لاحظ سذاجة التحليل وماتنطوي  عليه الفكرة من هفوة في المقارنة لاتليق بمن يفترض بأنهما أكاديميين يدافعان عن طرح معين، هذا من جهة ومن جهة أخرى وكما العادة كانت الجزائر أم كل المشاكل ومصدرها و الشماعة التي تعلق عليها كل إخفاقات المغرب وهزائمه وإنتكاساته ولم يبق للضيفين إلا أن يحملاها مشكل الجفاف والإنحباس الحراري. 

  أما عن الأوراق التي يمكن أن يلعبها المغرب للضغط على أوربا فقد مر الضيفان مرور الكرام  على عناوين كبرى ودون إبراز حقيقي و تشخيص مقنع لتلك الأوراق  كدور المغرب في محاربة الإرهاب والهجرة السرية نحو أوربا…إلخ.

المضحك في الحلقة هو الخبر الذي ذكره أحدهما بأن ألمانيا تريد إستنساخ التجربة المغربية في مجال المقدمين والشيوخ كآلية استخباراتية ناجعة … ! وهنا ذهب بي الخيال إلى مشهد  مقدم أو شيخ ألماني بشعره الأشقر وبشرته البيضاء وعينيه الزرقاوتين وهو يسابق الريح بدراجته النارية “103” لحضور نشاط معين (ندوة سياسية، وقفة احتجاجية، تجمهر خطابي…) ومروره على الدكاكين والمحلات التجارية المجاورة لتجميع المعلومات عن أعداد المحتجين و الشعارات التي يرددونها ثم تلهفه وحرصه الشديد للحصول على نسخة من البيان الصادر عن الوقفة أو الندوة أو التجمهر لإيصالها لرؤسائه.

  وسرح بي الخيال أبعد من ذلك فتصورت وصول وفد من المقدمين والشيوخ الألمان كمتدربين وتوزيعهم على المقاطعات والدوائر للحصول على تكوين في المجال، ثم مسارعة باقي الدول الأوربية لعقد إتفاقيات شراكة مع المغرب لتدريب وتكوين المقدمين كما هو الحال مع الأئمة الأفارقة وكيف ستصبح هذه المسألة وسيلة ضغط قوية في يد المغرب على الإتحاد الأوربي في قضية الصحراء !؟!

 خلاصة القول إن كون البرنامج يسجل بعيدا عن الصحراء وبدون مشاركة الصحراويين كمعنيين أساسيين وحقيقيين بالمشكل مؤشر واضح للعقلية التي لازال يدار بها الملف رغم كل الشعارات المرفوعة عن التدبير التشاركي و المقترحات المقدمة كالجهوية الموسعة والحكم الذاتي، كما يكشف بالملموس عن ضعف الإلمام بقضية الصحراء حتى بين صفوف النخب المغربية فما بالك بباقي فئات الشعب ..