يشتد النقاش واقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، حول الأحزاب التي يرتقب حصولها على المرتبة الأولى ورئاسة الحكومة، وإذا كانت التحليلات تتجه نحو بلورة تصورين اثنين في إطار الحديث عن وجود قطبين سياسيين يحتكران الساحة السياسية الراهنة، بناء على نتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة وما أفرزته من تقسيم بين المجالين الحضري والقروي، والتحالفات التي أعطت التقدم للأصالة والمعاصرة في رئاسة أهم وأكبر جهات المملكة، وهيمنة العدالة والتنمية على رئاسة المدن الكبيرة والصغيرة منها. 

تتجه التوقعات نحو تسيد الأصالة والمعاصرة أو العدالة والتنمية  لنتائج الانتخابات المقبلة، ورغم أن أغلبها (استطلاعات الرأي حول الثقة في الحكومة ورئيس الحكومة، تصريح اليازغي…) تتجه نحو منح هذا الأخير الأسبقية بناء على اعتبارات موضوعية، وتمكين ابن كيران من ولاية ثانية، إلا أن هناك أربعة عوامل تسير بالاتجاه العكسي لهذا التصور وتخدم مصلحة الأصالة والمعاصرة. 

أولا: إصدار النصوص التشريعية ذات البعد الاجتماعي 

يتعلق الأمر بالسرعة القصوى التي تم من خلالها تقديم القوانين التنظيمية، حيث أنهت ترسانة القوانين التنظيمية بعدما تدارست في مجلسها الأخير (الأسبوع الأول من غشت)، مشروعي قانونين تنظيميين؛ الأول رقم 26.16، يتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، والثاني رقم 04.16، يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. 

لن نثير في هذا المجال إشكالية تدبير الزمن التشريعي للحكومة الحالية بالنظر للبطء الذي شهدته السنوات الأولى من توليها السلطة، وتراكم العدد الهائل في الدورة الأخيرة من عمر الولاية التشريعية، بما يرافق ذلك من مشاكل وصعوبات مرتبطة بتجويد النصوص القانونية.  ورغم أن الأمر يتعلق بالمادة 86 من الدستور التي تلزم استكمال الورش الدستوري من خلال استصدار القوانين التنظيمية في الولاية التشريعية التي تلي تبني دستور 2011،  إلا أن الإسراع والإصرار على القيام بذلك يحيل إلى توجه مفاده أن دور بنكيران يحذو باتجاه نفسأ مصير رئيس حكومة التناوب عبد الرحمان اليوسفي. 

أهمية اخراج قوانين اللحظة الأخيرة، بعد إصدار العديد من النصوص التشريعية ذات أهمية قصوى، خصوصا القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية والقانون المنظم للإضراب وقبلهما القانون الخاص بالتقاعد، وعلاقتها بتوقعات رئاسة الحكومة المقبلة، تكمن في المكانة الاجتماعية لتلك القوانين والصراعات التي يمكن أن تثيرها في الساحة السياسية المغربية الراهنة، وصعوبة تمريرها من قبل حزب سياسي آخر.  والنتيجة أن حزب العدالة والتنمية وشخص ابن كيران تكلفا بإخراج النصوص التشريعية والتنظيمية التي يمكن أن تقف حاجزا أمام حزب الأصالة والمعاصرة. 

وكما فعلت مع الترسانة القانونية، عملت حكومة ابن كيران، على إدخال تغييرات في ورش الإصلاحات الاقتصادية، من خلال تحريرها قطاع المحروقات ورفع الضريبة على القيمة المضافة للعديد من المواد والخدمات والتي أدت – عمليا- للرفع من أثمنتها. وهي التعديلات ( أو الاصلاحات) التي تقبلها المغاربة على مضض ولم تثر؛ على الأقل ظاهريا؛ صراعات اجتماعية. من هنا يمكن القول أن العدالة والتنمية أنهت جل الملفات القانونية والاجتماعية والاقتصادية التي قد يصعب على حكومة تقودها الأصالة والمعاصرةصالةا تمريرها في وضع اجتماعي غير مستقر. 

ثانيا: خفض عتبة الانتخابات 

معركة “العتبة” تخدم هذا التوجه؛ بعدما انتهت وزارة الداخلية إلى تبني عتبة 3 بالمئة عوض 6 بالمئة سنة 2011، وهي النسبة التي دافع حزب العدالة والتنمية من أجل الإبقاء عليها، و10 بالمئة التي دافع  عنها حزب الاستقلال. 

إن تخفيض “العتبة الانتخابية” لن يخدم مصلحة الأحزاب الكبيرة، خاصة حزب العدالة والتنمية الذي استفاد من عتبة 6 بالمئة السابقة سواء في إطار اللوائح المحلية او الوطنية، ونفس الأمر بالنسبة لأحزاب الاستقلال، والأصالة المعاصرة والأحرار والحركة الشعبية، بسبب تشتيت الأصوات والمقاعد، وهو ما يفضي إلى تعقيد التحالفات الحكومية للعدالة والتنمية عكس الأصالة والمعاصرة، بالنظر للخريطة السياسية ولبنية الأحزاب المغربية. 

ثالثا: الركود الاقتصادي 

سجل معدل نمو الاقتصاد الوطني على عهد حكومة ابن كيران منذ 2011، تباطؤا واضحا خاصة بسنوات 2012، حين استقر في 2,7 في المئة، بعد أن بلغ 5 في المئة سنة 2011، وسنة 2014 بعدما لم يتجاوز 2,4 في المائة، في الوقت الذي تشير التوقعات الرسمية لسنة 2016 إلى معدل نمو لا يتجاوز 2 بالمئة. 

وفيما يتعلق بالمديونية العمومية للمغرب، وبناء على تقرير لمركز الظرفية، كشفت الأرقام أن مديونية خزينة الدولة ارتفعت إلى 63.4 في المائة سنة 2014، مقابل 61.5 في المائة سنة قبلها، في حين لم تكن النسبة تتعدى 45.4 في المائة سنة 2008. التقرير كشف، كذلك، أن المديونية العامة للدولة استمرت في منحاها التصاعدي طوال العشرية الأخيرة، وبلغت أكثر من 720 مليار درهم خلال العام الماضي، مقابل 385 مليار درهم عام 2007. ويحتل بذلك المغرب صدارة الدول الإفريقية والعربية من حيث حجم الديون مقارنة بالناتج الداخلي الخام. 

يكفي الانطلاق من النتائج  المحققة عمليا دون الخوض في الأسباب التي أدت لتواضع الانجازات الاقتصادية للحكومة الحالية، واستمرار المنحى التصاعدي للديون العمومية، للقول أن تباطؤ نمو الاقتصاد الوطني، يدفع نحو حكومة اقلاع اقتصادي، تنهي مبرر المغامرة بخمس سنوات أخرى تتسم بالركود الاقتصادي. 

رابعا: تراجع تأثير الربيع العربي-الديموقراطي 

كشفت تجربة الربيع “العربي/الديموقراطي” عن ضعف البنية المؤسساتية للأحزاب والمجتمع المدني والأحزاب المعارضة التي شكلت جزء أساسيا من الحراك السياسي. فخلافات قوى التغيير أضعفت برنامج التحول الديمقراطي وسهلت عمل قوى الثورة المضادة لإجهاض المشروع الديموقراطي المأمول، بل ودفعت به في اتجاه العودة للاستبداد من خلال الإسلام المتشدد المتبني لعقيدة العنف أو أنظمة عسكرية استبدادية تتخذ من الحفاظ على الاستقرار مبررا لاستلائها على السلطة. أدى ذلك إلى تغيير جذري في منظور الشارع المغربي للثورة، بالموازاة وتطورات الأحداث في الساحة العربية وما تشهده من تراجعات وصراعات دامية حول السلطة، ولخير دليل ما تشهده سوريا وليبيا واليمن من مآس إنسانية خطيرة. 

حضور الربيع الديموقراطي في سباق الوصول لرئاسة الحكومة، يتجلى في اعتماد حزب العدالة والتنمية على فكرة الاصلاح في ظل الاستقرار، إشارة منه لكون الحزب ضامنا لاستقرار المغرب في محيط اقليمي يتسم بالفوضى. وهي الرواية التي تم تجاوزها بعد “فشل” تجارب تغيير أنظمة الحكم وما آلت إليه من اشكالات اجتماعية واقتصادية وعرقية، ولم يعد من ضرورة للاعتماد عليه من قبل القصر لضمان  الاستقرار بالمغرب. 

وبذلك يمكن القول أن العدالة والتنمية أنهت أغلب الأوراش القانونية والاقتصادية والاجتماعية التي تستوجب بقاءها في الحكم، ولم يعد من مبرر لاستمرارها في رئاسة الحكومة، في ظل وضع اقتصادي يتلاشى تدريجيا؛ مررت قوانين التقاعد والاضراب والأمازيغية وقدمت إصلاحا لصندوق المقاصة كان يرهق ميزانية الدولة، وصار المحيط الاقليمي في عكس تطلعاتها. وكلها مؤشرات تعطي الأسبقية للأصالة والمعاصرة في رئاسة الحكومة المقبلة، خصوصا أن الحزب ترك امكانية تولي شخصية غير الأمين العام  منصب رئيس الحكومة في حال الفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات، وهو ما يعطي امكانيات واسعة لاختياره من أطر الحزب المؤسسين أو الملتحقين.