طرحت مجلة «بري لنش مونتشريفت» الألمانية على مجموعة من الفلاسفة والمفكرين في نوفمبر 1784سؤال ما التنوير؟ فكان جواب الفيلسوف إيمانويل كانط كالتالي : ” “ما التنوير؟ إنه خروج الإنسان من وضع الحجر الذي هو نفسه مسؤول عنه، وهذا الحجر يعني عجز الإنسان عن استعمال عقله دون وصية غيره، فالإنسان مسؤول ذاتيا عن هذا الوضع، والسبب في ذلك لايعود إلى قصور في عقله، ولكن إلى قصور في اتخاذ القرار وإلى افتقاد الشجاعة في استعمال هذا العقل دون اللجوء إلى الغير. ” لتتجرأ على المعرفة، ولتكن لديك الشجاعة على إعمال عقلك الخاص” ذلك هو شعار التنوير.” (إيمانويل كانط – ما التنوير؟ ترجمة : مصطفى لعريصة – مقدمات – العدد: 31- خريف 2004- ص.12-13).

 قبل أن نعلق  على هذا النص الفلسفي التاريخي ، لابد أن نتوقف عند معنى كلمة ” حجر” حَجَرَ عليه يَحْجُرُ حَجْراً وحُجْراً وحِجراً وحُجْراناً وحِجْراناً . مَنَعَ منه ، وقال صاحب تاج العروس: الحجْرُ مُثَلَّثَةً : المَنْعُ مِن التَّصَرُّفِ .

البون شاسع بين كلام الوزير الرباح وكلام الفيلسوف كانط ، رغم ان هناك تباعد في الزمن كانط تفلسف في القرن 18 حيث ساد الظلام و الإستبدادو قد كان شعار حركة الأنوار ” نحن الأنوار ما عادنا ظلام في ظلام ” في حين  الوزير الرباح توصوص في القرن 21 ( فرض وصايته على الشباب إن صح التعبير نبدع مفهوما جديدا على وزن تفلسف كانط و توصوص الرباح) إن الحياة السياسية بتناقضاتها تفرض راهنية الفكر التنويري اليوم في هذا الوطن الذي يسعى فيه الجميع للكلام نيابة عن الآخرين. فالدعوة من طرف الرباح لتعطيل الكلام و النقد و الصوم عن التفاعل مع الأحداث لا يمكن تصنيفه إلا في دائرة الحِجر و الوصاية على العقول . مادام كلامه موجه لجميع الشباب و من جميع التيارات . و نحن من التيار المخالف لأيديولوجيته الإرتكاسية ، مما يعني أننا معنيُون بالأمر. إن هذا الكلام الرجعي لا يهدف إلا إلى تعطيل العقل ، بالزج بالمواطن في”وضع الحجر والوصاية” المرفوض و المنبوذ من طرف كانط ، فإذا كان المواطن الحداثي الذي يفكر يتحدث عن الجرأة في إستعمال العقل وعن تملك الشجاعة لإعمال هذا العقل ويقرر ذلك شعارا له في الحياة ، فإن الوزير ذو المرجعية الدينية المحافظة  يتحدث عن خطر العقل، وتهديده للمشروع السياسي الإسلاموي ، على اعتبار عدم أهلية المواطن المغربي للتفكير وإعمال العقل دون توجيه من شيوخ التيار من رئيسهم إلى أصغرهم في الشبيبة. ربما تناسى السي الرباح أن من أوصله لمنصبه الحكومي هو حناجر الشباب بفضل شجاعتهم في كسرحاجز الخوف و استخدامهم لعقولهم و رفعهم لشعارات كبيرة لم يحلم بها الرباح عندما كان شابا و من بين هذه الشعارات  : ” يسقط الفساد  ” “يسقط  الريع ، تسقط الحكومة…

يبدو الوزير الرباح بكلامه هذا مثيرا للشفقة . لأنه نحن في عصر النقد و الإحتجاج لا في عصر الشيخ والمريد فثقافة الوصاية و الحجر على عقول الناس لم يعد لها مكان بيننا اليوم نحن شباب ” فلسفة الرفض ” كما عنون كاستون باشلار أحد كتبه . لقد نصحنا الوزير الرباح بالصمت ؟ لنحجب أفكارنا يجب أن لا ننتقد  ريع “خدام الدولة” كما يجب أن لا  نتساءل عن مصير المال العام و لا يجب  ايضا أن ننتقد الحكومة  ، و لا يجب علينا أن نقول أن أكبر تحكم هو أن تلزم الناس بالصمت . فحتى الدستور المغربي الذي هو مجموعة من المؤسسات التي بموجبها  يتم تأسيس السلطة  و ممارستها و إنتقالها في الدولة ، يتحدث عن فن الحرية أو عن صناعة الحرية . بل الدستور ليس إلا أداة لحماية الحرية : حرية التعبير و الكلام داخل حقل السلطة . فالجهد من أجل التوفيق بين الحرية والسلطة هو الذي أنجب مفهوم الدستور كوثيقة و ممارسة .

 تبدو صيحة الصمت مع الرباح و فريقه بمثابة حل للنقاشات العمومية و التي ليست إلا جزءا من السياسات العامة داخل الحقل السياسي المغربي .  ما معنى أن تلتزم الصمت ؟معنى هذا دع الكبار يتكلمون ، كبار السياسة و الأحزاب الفاعليين الفاشلين المرتزقة بدلا عنا هم أدرى بمشاكلنا . بل هم بارعون في إيصال إحتجاجاتنا و سخطنا .” ولتكتفي بعقل غيرك ؟ذلك هو شعار الوزير الرباح “، الذي لايكتفي بمطالبة الآخرين بالكف عن كل تفكير ونقد، بل يمتد إلى تكفير كل تفكير مخالف للفكر السائد. فالفلسفة الجديدة : فلسفة الجماهير و الشباب هي “فلسفة  الرفض ” كونها “تحريض” على السؤال والنقد وخلخلة المألوف، الشيء الذي يهدد بضاعة “حزب العدالة و التنمية  لأن يوم الحساب السياسي دناأجله “، مما يجعلها تقاوم ركلات الفكر النقدي،  النابع من عمق المعيش اليومي للجماهير الساخطة على السياسات العمومية للحكومة  و الدولة . ركلات فكرية فيسبوكية  لا شطحات صوفية كما يدعي الوزير الرباح  قد تتحول إلى إحتجاجات منتظمة خلاقة تقضي على مشروع العدالة و التنمية و تغير موازن القوى في إنتخابات 7 أكتوبر ، وذلك أشد مايخشاه الوزير الرباح و( أتباعه و مريديه) الساعي إلى استئصال كل ما يمت إلى النقد و المساءلة و الإحراج.. بصلة، اليوم نختم على أوهامهم و ندع ماكيافيللي يكلمهم بعمق و جِدّة: ” لن تزدهر الدولة ما لم يندفع مواطنوها إلى العمل لمجدها بدافع غير الخوف من عقاب الحاكم ” و ” لا يمكن المحافظة على الدول عن طريق الكلمات ” و بصيغة أخرى لن تتقدم الدولة بالصمت أو الخنوع أو بالاستسلام لجيوب الفساد و التحكم و الظلام. لأن ما تنعم فيه الحكومة اليوم من صلاحيات وسلط . جاء عن طريق الفكر النقدي و بفضل الإحتجاج و بفعل المعتقلات السرية و لم ياتي أبدا بالصمت . إنما بدماء الشهداء الأحرار :”  المهدي بنبركة ،عمر بنجلون ، سعيدة المنبهي ..و القائمة طويلة.