بعد الإعلان عن تشكيل ما سمي بحكومة التناوب التوافقي في سنة 1998م برئاسة الكاتب الأول للإتحاد الإشتراكي السيد عبد الرحمان اليوسفي. كثر الحديث عن هذه التجربة عبر جميع وسائل الإعلام،  إلى درجة أثارت انتباه زوجتي التي لاتهمتم أساسا بأخبار السياسة ولا برجالاتها ولا بنسائها، – فهي من الدين يلعنون السياسة والسياسيين،  بدون أن تلعن الناس أجمعين- . ذات ليلة مقمرة من ليالي شهر مايو من سنة 1998م،  سألتني عن معنى التناوب الديمقراطي الذي يتحدثون عنه في المغرب؟،  فكرت قليلا وبدأت أسترجع وأستجمع معلوماتي حول ما قرأت عن تجارب بعض الدول الديمقراطية ، وبعد ذلك حاولت تنظيم وترتيب أفكاري كي أشرح لها إنطلاقا من هذه التجارب الناجحة .لكن بعد لحظة،  إنتبهت إلى أن حديثي سيكون خارج الموضوع،  حيث تذكرت أن زوجتي سألتني عن التناوب الديمقراطي في المغرب،  أي في إطار ما يسمى “بالديمقراطية الحسنية” . لحظتها لم يسعفني إلا استحضار إحدى الحكايات القديمة التي تتحدث عن حوار دار بين بئر ودلاء . فما كان لي إلا الاستعانة بها،  لكي أوضح لزوجتي معنى التناوب الديمقراطي الحاصل في المغرب،  والذي سيستمر عشرات السنين وربما أكثر،  حيث الاستثناء المغربي في كل شيء . وبدأت في سرد تفاصيل الحكاية .

يحكى  عن إحدى القرى النائية المهمشة،  حيث تنعدم أدنى شروط الحياة،  منها غياب قنوات لمد السكان بالماء الصالح للشرب. كان الأهالي يجلبون حاجياتهم من الماء من بئر عميق ومظلم عن طريق وسائل تقليدية حبل ودلو،  و كلما قام أحد السكان بإنزال الدلو في البئر لجلب ماتيسرمن الماء،  كانت تسمع أصواتا ، وكان الكثير من أهالي القرية يعتقدون أن الأصوات المسموعة هي لجنون أو أرواح ساكنة في عمق البئر،  لكن بعض النبهاء من الشباب ،  شككوا في الإعتقاد السائد لدى الأهالي وكذبوه، وقالوا ليس في الأمر أية صلة لا بالجن ولا بالأرواح، بل هي فقط نتاج لتلاطم الدلو بجنبات البئر نظرا لضيقه وكذا الصدى. لكن شيوخ القرية لم يستسيغوا الأفكار والشروح الجديدة التي أتى بها الشباب فما كان عليهم إلا أن يلتجئوا إلى أحد الحكماء من خارج القرية الذي عرف بحكمته وفك الرموز، كذلك فهمه لأصوات الحيوانات والرياح والأشجار والأحجار،  ليفصل بينهم في الأمر.وبعد أن قصوا عليه حكايتهم و الجدال القائم في قريتهم وكيف تجرأ بعض الشباب على المس  بمعتقدهم. ما كان من قول الحكيم وشرحه إلا أن صدم الشيوخ حيث قال لهم

– ان تلك الاصوات المسموعة من طرفكم ليست لجن ولا لأرواح بل هي للدلو يتحدث إلى البئر ويقول له 

– أيها البئر ها أنا قادم أنا الدلو الجديد المتين سوف لن أترك بجوفك أية قطرة ماء سوف أجففك وأجفف منابعك .

 وبعد أن يصل الدلو إلى عمق البئر ويرتطم بسطح الماء، يسمع صوت مخالف للأصوات الأولى ،إنه صوت البئر يجيب الدلو :

– إنزل ،مرحبا أيها الدلو، تفضل أنا الجب العميق المظلم لا بأس عليك، تمهل وتريث سوف تمر وتسلك نفس الطريق التي مر منها سابقوك من الدلاء، وستقوم بنفس الوظيفة التي قاموا بها لا أقل ولا أكثر.

: و يرد عليه الدلو

– لكن أنا حديث الصنع ، متين، مادتي من حديد، حجمي كبير، وهم مصنوعين فقط من جلد أو خشب أو مطاط وحجمهم يقل عن حجمي .

: ثم يجيبه البئر

– مهما يكن، فأنتم من نفس الفصيلة، تقومون بنفس العملية وتؤدون نفس الوظيفة ونفس المهمة وبالتالي كلكم دلاء .

: و بعد أن أسرد الحكيم الحوار الذي جرى بين البئر و الدلو واصل التوضيح لشيوخ القرية  

   وهكذا يوما بعد يوم، سنة بعد سنة، نفس العملية، نفس الحوار، نفس الأصوات، إلى أن يتآكل الدلو وتنتهي مهمته و صلاحية استعماله. وبعد ذلك تلقون به  في مطارح النفايات الى جانب بقايا الدلاء المستهلكة، ويترك ليتلاشى مع مرور الزمن كما حدث لسابقيه، و البئر يبقى على حاله .و مع جلبكم لأي دلو اخر جديد مهما كانت متانته أو أصالته أو حداثته، ستتكرر نفس العملية، وستسمع نفس الأصوات و نفس الحوار ولا مكان للجن أو الأرواح في ذلك.

  مرت لحظات سكون كأن بزوجتي تنتظر أن أضيف شيئا ما .

 وبعد هنيهة.

قالت: أكمل لم أفهم شيء .

قلت :إنتهى الحكي .

 قالت :وما علاقة حكاية البئر والدلاء بمسلسل التناوب الديمقراطي في المغرب ؟ إنني لم أفهم الرابط ووجه الشبه والتماثل بينهما ؟

قلت: لا بأس سأوضح أكثر.

 البئر العميق المظلم : هو المخزن . 

 الدلاء: هي الأحزاب المغربية .

الحبال :هي قنوات التواصل بين المخزن والأحزاب.

 الأهالي :هم الواقع المعاش والإشكالات المطروحة بدون اجابات .

الأصوات التي يحدثها البئر والدلاء:هي وسائل الإعلام المسخرة للدعاية هي إيديولوجيات وبرامج الأحزاب ووعودهم .

 مطارح النفايات :هي التاريخ الذي لا يرحم .

       * ملحوظة

 مع مرور الوقت من زمن السيد اليوسفي إلى بداية مرحلة السيد بنكيران مرورا بمرحلة كل من السيد جطو والسيد الفاسي نسيت أو تناسيت سؤال زوجتي ولم أعد أتذكره  بتاتا لكن مع تشكل حكومة السيد بنكيران وما تلاها من ضجة إعلامية  وفي إحدى ليالي دجنبرمن سنة 1120م سألت زوجتي:

 هل مازلت تتذكرين الحكاية ؟

 قالت: أية حكاية ؟

قلت :حكاية البئر .

 قالت : آه  قصة  يوسف  وإخوته والبئر المذكورة في القرآن؟ .

 قلت :لا بل حكاية أهل القرية و  البئر والدلاء .

 قالت :أجل تذكرتها .

 فهمست في أذنها وقلت: إنه الدلو الجديد قد أتي به.  

* تنبيه 

      مع كامل الاعتذار للدلاء حيث”لا قياس مع وجود فارق” فهي على الأقل تساهم في مد السكان بالماء الصالح للشرب وتشتغل بمنطق الشمعة التي تحترق لتضيء الاخرين. أما أحزابنا المحترمة فلكم كل الحرية و واسع النظر في تقديرها .