تعيش بلادنا من شرقها إلى غربها على إيقاع  احتجاجات وتظاهرات، وقنوات التواصل الاجتماعي تموج وتمود بمختلف الأخبار والصور والمقالات  وكلها حول واقعة الحسيمة التي ذهب ضحيتها الشاب محسن فكري الذي قضى نحبه بين كماشات شاحنة الأزبال، وأضحت هذه المدينة  قبلة لمختلف القنوات الإعلامية العالمية التي ذهب بعضها ليتناول بالتحليل ما وراء الخبر والأسباب التي أدت إلى هذه الحادثة البشعة، ومنها من شبه الفقيد ببوعزيزي المغرب..                                                    

وقد ألزم انفجار الغضب الشعبي هذا وحجمه، السلطات الحياد، وهي التي ألفت إخراج كل أنواع قوات التدخل وقتما تم الإعلان عن مسيرة أو تظاهرة، واضطرت لحجب آلياتها القمعية التي اعتادت قرع رؤوس المحتجين حد إسالة دماء البعض منهم. هول مأساة ابن الحسيمة، الشاب محسن فكري، أججت كل الضمائر الحية وأيقظت ما بداخلها فأبت إلا أن تخرج للتعبير عن استيائها من الوضعية التي وصلت إليها بلادنا من الاستهثار بالقانون والتعسف في استعمال السلطة.    

 ورغم كل هذا كل هذا العجيج المجيج، فأحزابنا “مامسوقاش”، بمعنى زيرو اهتمام. غابت عن الأنظار وأصبحت في خبر كان، وفضلت أن تدفن رأسها في التراب، تنتظر أن تهدأ العاصفة ربما، لتخرج للعلن لتصدح بشعاراتها المعتادة حول التغيير والديمقراطية. الغليان تجاوز مناطق المغرب ليمتد صيته وإيقاعه خارج المغرب، وهيآتنا الحزبية لا همّ لها سوى تدارس الطرق والأساليب والتكتيكات التي ستمكنها من الحصول على نصيب أوفر من كعكة الحكومة، لقد أنساها اللهث وراء الحقائب الوزارية، أن الحزب الذي لا يشارك الجماهير الشعبية همومها ويقف لجانبها في مآسيها فهو كمثل جسد بلا روح وكيان بدون معنى ولا مغزى.

فكيف لأحزاب تدعي أنها صوت من لا صوت له، أن تختزل النضال في حملات انتخابية ومقاعد برلمانية وحقائب وزارية، وما بالها وكأنها قد أصيبت بالصمم، ولم تحركها أحداث من هذا الحجم في أي شيء ولو بشكل تمويهي، يعني كما يقول المثل المغربي، “إيديرو الصواب”. والأنكى من ذلك أن هناك من عمد إلى تهويل هذه الاحتجاجات الشعبية تبريرا لتقاعسه واعتبرها دعوة للفتنة، وغض الطرف عن الظلم الاجتماعي الذي سرى في ثنايا هذا البلد، وهناك من ذهبت به  قريحته الهوجاء  إلى نعت أهل الريف بشتيمة ربما قد يكون قائلها بنفسه قد ندم ولو في قرارة نفسه على التفوه بها.

لقد أبانت بكلامها السفيه هذا، على مستوى مدركاتها السياسة التي لا تتجاوز حد التبندير في البرلمان، وقضاء المآرب عبر أحزاب يدرك الجميع أنها خرجت من رحم طنجرة الضغط لوزارة الداخلية، كما أنها لم تنتبه أنها دنست بعفن كلامها هذا، قنوات التواصل الاجتماعي التي استعملتها للتعبير عن وقاحة ربما لو خصصت جائزة لأوقح وقاحة لسنة 2016 لنالت المرتبة الأولى. إنها وأمثالها هم دعاة الفتنة الحقيقيين، المتخصصين في شحد ألسنتهم كلما حاول الشرفاء من أبناء المغرب التعبير عن سخطهم واستيائهم تجاه آلة الفساد الإداري والمالي التي تجتاح بلادنا، ولم يدرك معها من يسابقون الريح لإشهار يافطة التخوين في أوجه حشود المتظاهرين أن لا أحد يبالي اليوم بهذا الكلام المهترئ، وأن التذرع بأن هناك أعداء متربصين بالوطن وكل احتجاج سيستغل من طرفهم لم تعد تنطلي على أحد، وأن من يتربص بحق وحقيقة بلادنا وبتماسكها الاجتماعي والاقتصادي هو الفساد المستشري في كل القطاعات.