مساء النور يا غادة، أنا واحد من هذا الجيل عمري 29 سنة، ولدتُ في المغرب، تعرفين مأساتنا أننا لم نحظَ مثلكم بحركة أدبية ثقافية مغربية خالصة، ومنذ عقود مازلنا نتأثر بالأدب المشرقي. نقرأ لك وللآخرين من جيلك، حنا مينة، ووديع سعادة سعد الله، ونوس عبد الرحمن، ومنيف علاء الأسواني، ومحمود درويش، ونزار قباني وآخرون كثر لا مجال للحصر.

أكتب لك وأنت في سن جدتي، وليس كل الأحفاد بحظي، وأنا أخط لك هذه الرسالة.

جدتي غادة، قرأت كل ما رافق نشرك لرسائل جدي أنسي الحاج، التي كان يبعثها لك، من لبنان، قرأتُ أيضا بعضا من تلك الرسائل التي كانت كلها شبقية جدتي، لست بمعرفة كثيرة لأتلمس الصدق فيها، ما أثارني هي تلك اللغة الشبقية، والزمن الذي كُتبت فيها، أقصد الليل الأخير جدتي، ولطالما كان الليل محفزا للكتابة وملهما.

من حقي أن أتموقع بين كل هؤلاء الذين طفوا فجأة على صدور جرائدنا العربية منذ فضحتِ رسائل الحاج إليك، وأنت تنشرينها في عمرك الأرذل، هل كان قاسيا عليك جدتي أن تبقي كتومة عقودا من الزمن، هل هنتِ أمام الذاكرة الجميلة أم بدأتِ تلقين ما بخزانة ملابسك من ودائع تركوها رجالٌ أخذ الموتُ أغلبهم ووحدك بقيتِ في دار العزاء تنتظرين مواكب جنائزية أخرى، لتفضحي أمواتك؟ جدتي غادة لستُ هنا لألومك، لأن حسناء مثلك طبيعي أن يكون واقعها هكذا، معشوقة الشعراء والأدباء، عبلتهم وأفقهم الشعري والخيالي.

تعلمين جدتي غادة، أنا أحب الرسائل بين العشاق، أحبّ هذا الجنس الأدبي الوديع الحميمي أكثر، فيه ضعفنا وقوتنا هشاشتنا وتماسكنا، فيه بَوحنا الحقيقي وكشف أسرار القلب، فيه انكساراتنا وعتابنا وقُبلنا في آخر الرسالة، قرأتُ قبل؛ رسائلك أنت وغسان كنفاني، صحيح كان بينكما ود وحب كبيرين، كنتما معشوقين، هل حال حب غسان دون أن تكشفي قلبك لأنسي الحاج الذي عاتبك على جفائك وعلى عدم ردك على رسائله؟.
هل أحببتِ غسان بقضيته الفلسطينية ورفضتِ أنسي الحاج بحربه التموزية؟

جدتي غادة، أنا أيضا أكتب رسائل كثيرة لحبيبتي، وهي تكتب لي أكيد، وسننشر رسائلنا كما اتفقنا من الأول، لأني أومن أن كل هذا الحب الذي نتراشق به كالماء، يجب أن يُقرأ وأن ينشر بين الناس، لستُ أدعي أي شيء، إنما رسالة حب تقرأ خير من حديث نبوي يدعو إلى القتال في سوريا.

أنا متيقن جدتي غادة، أنك لازلتِ تحتفظين برسائل أخرى كثيرة، على الأقل تلك التي كتبتها أنت، لا شك أنك تفاعلتِ مع عاشق ما في زمن ما، في بلد ما، ذات نزوة أو ذات شتاء طويل.

جدتي غادة، هل ستفضحيني أنا أيضاً؛ إن فعلتِ لن أكتب لك مرة أخرى، أقسم. 

عمت رسائل أيّها الزّمن الجميل.