المتقاعد ليس "سيزيف" لتهضم حقوقه
أسطورة سيزيف–كما يعلمها الكثير– هي أحد أكثر الأساطير اليونانية القديمة شهرة بسبب عقوبته في العالم السفلي. وتقول الأسطورة أن الآلهة حكمت عليه بحمل صخرة عظيمة إلى قمة جبل عظيم، وعند وصوله إلى القمة تتدحرج الصخرة مرة أخرى إلى الأسفل فيعود في كل مرة إلى حملها مجدداً. وتوضح هذه الأسطورة مدى عبثية الحياة التي يحياها الإنسان، فليس هنالك أبشع من العمل طوال الحياة بلا جدوى.وقد تناولها الكثير من الأدباء والفلاسفة والفنانين. لعل من أبرزهم ألبير كامو في فلسفته العبثية
آراء أخرى
حال متقاعد الطبقتين الدنيا وتحت المتوسطة من دافعي الضرائب
وهذا،والله،هو ما ينطبق على متقاعد الطبقتين الدنيا وتحت المتوسطة والطبقة المتوسطة من دافعي الضرائب ببلادنا “السعيدة“،إذ تمر الزيادات في الأجور مرور الكرام أمام عينيه للعديد من موظفي القطاعات الحكومية،وهو يتجرع المرارة وأسرته من شواظ نار الأسعار المرتفعة لمعظم المواد الأساسية والكمالية مقابل جمود الراتب التقاعدي،ناهيك عما ستشهده السنة القادمة الكارثية لا قدر الله 2024 من نيران جديدة على مستوى الأسعار ستقضي على ما بقي من صبر واصطبار تحملهما هذا المتقاعد المسكين دافع الضرائب العمياء و المبصرة على حد سواء
هذا المتقاعد الذي أفنى زهرة شبابه ونصف عمره أو أكثر في خدمة البلاد والعباد،يدور عليه الزمن وتدور عليه دوائر شظف العيش،فأضحى حاله كحال“سيزيف” يحمل الصخرة إلى أعلى الجبل لتتدحرج إلى أسفله،فيعاود الكرة بعد جهد جهيد مرات ومرات،وهكذا دواليك دون أن يبلغ مبلغه ومعذبه السادي يتفرج على هذا المشهد المأساوي بلا ملل و لا شفقة
فلو حرص صناع القرار السياسي والاقتصادي على الموازنة الحقة وحسن تدبير الموارد المالية بإعادة النظر في الفوارق الصارخة في الأجور والامتيازات والعلاوات
وبالتشدد مع المتملصين والمتهربين من أداء الضرائب و بتضييق الخناق على مهربي ثروات البلاد إلى الخارج أو تبديدها بالداخل واستئصال اقتصاد الريع ومضايقة ركابه وفرض ضرائب على الثروة ومراجعة الإعفاءات الضريبية لفائدة قطاعات معينة وإرساء مبدأ العدالة الضريبية المواطنة ومحاربة الإثراء غير المشروع لكان للمتقاعد أيضا نصيب من ثروة الوطن ليعيش كريما كأقرانه ببلدان أخرى فأغلب المتقاعدين همومهم أكبر مما يتصور للبعض بهذا الوطن الغالي خاصة ممن لا يكسبون دخلا إضافيا موازيا للراتب،ولسان الحال عندهم ما فتئ يردد:أنا المتقاعد المظلوم تستخرج من معاشي المتواضع كل الضرائبالعمياء والمبصرة والرسوم الظاهرة والباطنة كالضرائب العمياء مثل الضريبة على القيمة المضافة كلما اقتنيت شيئا من متجر أو من الأسواق الممتازة وغير الممتازة أو ركبت عربة أو قطارا أو طائرة إلا البعير أو سافرت أو تنقلت غير مترجل من مكان لآخر أو احتسيت مشروبا بمقهى أو تناولت وجبة بمطعم أو تحدثت بالهاتف أو استعملت أداة تواصل إلكتروني مؤداة عنها أو دفعت ثمن فواتير الماء و الكهرباء أو اشتريت لباسا غير مهرب أو اقتنيت أدوية أو دفعت رسم تأمين أو رسوم تمدرس لأبنائي أوطلبت مصلحة مؤداة عنها أو تعاملت مع البنك أو البريد أو شركات تحويل الأموال،إلا وساهمت في عجلة الاقتصاد الوطني عبر الاقتطاعات المفروضة التي تهم حسابي البنكي أو البريدي ،بل أتحمل كل الزيادات المقررة والخفية ،المعلنة والسرية في الأسعار دون أن أشعر يوما ما أن راتب معاشي قد ارتفع قيد أنملة بالموازاة مع الارتفاع الصاروخي في أسعار العديد من الضروريات والكماليات
أداء الضرائب واجب وطني،ولا ريب في ذلك، ولكن الأمر توازيه حقوق أيضا خاصة بالنسبة للمحالين على المعاش الذين أدخلوا إلى “غرفة الإنعاش” ومنها إلى دائرة النسيان كلما تعلق الأمر بإقرار زيادات في الأجور للموظفين والمستخدمين وإن كانت لا تسمن من جوع أمام ارتفاع تكاليف المعيشة ببلادنا منذ قرابة عقدين من الزمن
إقصاء صوت المتقاعدين
فالمتقاعدون لا بواكي لهم أيضا في معظم جلسات الحوار الاجتماعي وكأنهم يعيشون في كوكب آخر غير كوكبنا ،وكأنهم لا يتأثرون بالزيادات المتوالية في الأسعار من وقت لآخر مقابل جمود معاشاتهم جمودا تاما والذي لا حراك فيه منذ إحالتهم على التقاعد وكأنهم بدون أبناء متمدرسين ولا أسرتنتظرهم،ولا حتى معدة ولا قلب ولا سمع ولا بصر ولا فؤاد ولا وزن لهم ولا اعتبار ولا ضروريات ولا أسفار ولا أوراق إدارية ولا أمراض ولا علاج أو بمعنى آخر، مجرد موتى ولاحياة فيهم وهو ما يتناقض مع روح دستور 2011 الذي نص على السواسية في الحقوق والواجبات.فهل من المعقول شرعا وعقلا أيتها الحكومة وأيتها النقابات أن تستخرج من معاشات هؤلاء الجامدة المجمدة كل الضرائب والرسوم الظاهرة والباطنة كالضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الاستهلاك ثم إنهم يتأثرون – قسرا– بكل الزيادات الملحقة بأسعار هذه الخدمات ونحوها رغبوا في ذلك أم لم يرغبوا وكأن السيوف على أعناقهم بين حياة أو موت ويساهمون بذلك في إنعاش الخزينة العامة للمملكة وفي تحريك وتنشيط عجلة الاقتصاد الوطني وعبرالاقتطاعات المفروضة غير المبررة أو المعقولة أحيانا التي تهم حساباتهم البنكية أو البريدية هكذا كل ذلك دون أن يشعروا يوما ما برد للاعتبار عبر استرداد جزء مما أدوه من صافي معاشاتهم الميتة لخزينة الدولة وللجماعة بالاستناد إلى وسائل حديثة معمول بها دوليا كالإعفاء الضريبي على السلع والخدمات أو التخفيض القيمي لفائدتهم عند الاقتناء برعاية الدولة بحكم أنها المستفيد الأول من ضرائب ورسوم المتقاعدين أو تخصيص هبات سنوية لمصلحتهم لتغطية العجز الذي يحصل لهم بسبب ارتفاع الأسعار مقابل جمود معاشاتهم
ليس من العدل حرمان أبناء متقاعدي الطبقة من المنح الجامعية
وإن أقل رد للاعتبار يمكن أن يناله متقاعد الطبقة المتوسطة وتحت المتوسطة هو أن تصرف لأبنائه منحة الاستحقاق الاجتماعي ليتابعوا دراستهم الجامعية في أمن وأمان.فالمنحة الدراسية أقوى محفز للطالب الجامعي
وهنا،أذكر, سيادة وزير التعليم العالي ببلادنا أن المنحة الدراسية التي تصرف للطالب الجامعي المحتاج إليها, لهي بحق أقوى محفز له ليمضي قدما نحو المزيد من الكد والاجتهاد في دراسته الجامعية،فالدول الخليجية خاصة السعودية منها وكذا الدول التي سبقتنا في التعليم الجامعي،لو لم تكن تخصص ميزانيات هائلة لطلابها الجامعيين و لتجهيز الجامعات لما تربعت على عرش المعرفة والبحث العلمي بين مصاف دول العالم
ولقد سبق لحزب الاستقلال أن نادى بتعميم المنح الجامعية على كل الطلبة، وهو أمر فيه إشكال، لأن أبناء الميسورين لن يكونوا في حاجة إليها إلا إذا كانوا من فئة أصحاب منحة الاستحقاق الدراسي والتي لا يفوز بها إلا عدد قليل من الطلبة المتفوقين جدا
أما المعيار الحالي الذي يحدد أحقية الحصول على المنحة الاجتماعية الدراسية،فهو يقصي فئة عريضة من أبناء متقاعدي الطبقة المتوسطة التي يقل راتب معاشها الشهري عن حوالي عشرة آلاف درهم، وهو أمر مجحف بالطبع لهذه الشريحة الاجتماعية التي لا تستفيد من الزيادات في معاشها منذ أن أحيلت عليه مقابل ما تعانيه من تآكل في هذا الراتب الجامد المجمد مع ما تشهده الحياة المعيشية من الزيادات المتتالية في أسعار المواد الأساسية وفي الضرائب والرسوم خاصة وأنها غير معفية بالمرة من أدائها أو أداء البعض منها كالرسوم العقارية ورسوم التسجيل والتأمين و رسوم تمبر جواز السفر الذي زادت قيمته و كلفة إنجاز رخصة السياقة التي ارتفعت قيمتها أيضا وغيره كثير مما جرى في عهد تدبير حكومة “البيجيدي” غير المأسوف عليها في نظري المتواضع رغم تعالي أصوات المواطنين ضد تلك الإجراءات المجحفة التي تضررت بها قدرتهم الشرائية مدة عشر سنوات عجاف سالت فيها دموع الأرامل والمطلقات وتقوض فيها مسار أصحاب الدخل المحدود وغضب فيها أشد الغضب سكان الطبقة المتوسطة حتى عاد ذلك الحزب الأغلبي آنذاك بخفي حنين،من 125 مقعد برلماني إلى 13 مقعد برلماني لا تسمن ولا تغني من جوع
أفضل عيش للمتقاعد بهذه الدول لعام 2021
وحسب موقع “أرقام“ووفقًا لتصنيف مجلة “إنترناشونال ليفينج” الذي شمل 25 دولة، فقد تصدرت كوستاريكا قائمة أفضل دول العالم للتقاعد،إذ حصلت على نقاط عالية في كافة فئات التقييم.واعتمدت المجلة على 10 عوامل للمساعدة في تحديد أفضل الدول للتقاعد؛ منها تكلفة المعيشة والإسكان والرعاية الصحية، ومزايا المتقاعدين، والترفيه، والمناخ والحوكمة، والتي تم تحديدها بناءً على الإحصاءات والبيانات المرسلة من صحفيين حول العالم
جدير بالذكر أن المجلة تعمدت إبقاء الولايات المتحدة خارج تصنيفها لأن الغالبية العظمى من قرائها أمريكيين، وهم بالفعل على دراية بالحياة هناك
وذكرت رئيسة التحرير التنفيذية للمجلة “جينيفر ستيفنز” لموقع “ياهو فاينانس“: يعكس اختيارنا للبلدان مجموعة كبيرة من أنماط الحياة والأماكن، فتلك المواقع التي نعتقد أنك ستجد فيها أفضل مزيج من العوامل التي تناسب التقاعد في الخارج
وتصدرت “كوستاريكا الترتيب، إذ يمكن لزوجين العيش بشكل مريح مقابل 2000 دولار شهريًا، يشمل ذلك استئجار منزل مكون من غرفتي نوم، بالإضافة إلى الإنفاق على منتجات البقالة والترفيه والرعاية الصحية
وتبقى أفضل الدول التسع الأوائل في العالم من حيث جودة التقاعد بعد كوستاريكا– حسب نفس المجلة– هي على التوالي: بنما والمكسيك وكولومبيا والبرتغال والإكوادور وماليزيا وفرنسا ومالطا و فيتنام
من ينقذ الطبقتين المتوسطة وتحت المتوسطة من الغرق بواد سحيق ؟
بعدما عانت هاتان الطبقتان من تقلص قدراتها الشرائية منذ سنوات الحكومات السابقة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة والزيادة في الضرائب والرسوم الجبائية،هل تكون الحكومة الحالية في ظل تزايد الأسعار وجمود الأجور وتقلصها آخر مسمار لإسقاط هاتين الطبقتين المنعشة لدينامية الاقتصاد الوطني بواد سحيق من الفقر وقلة الحاجة وعجز اليد عن الإنفاق
فلا ريب أن لوبيات الشركات الكبرى الخاصة في معظم المجالات الحياتية لها نصيب الأسد في الأرباح المسترسلة وفي ضرب متوسطي الدخل ببلادنا الذين يمثلون تقريبا نصف السكان،كما أن الحكومة لا تحاول بجرأة بالغة حماية شرائح الطبقتين من موظفين ومستخدمين ومتقاعدين وأساتذة و معلمين ومسؤولين صغار وأصحاب مهن حرة ومن يشبههم في الأجور وفي السكن والعيش، وذلك بالتخفيض من الضرائب والرسوم التي تؤديها وبالزيادة في مداخيلها السنوية أو الشهرية والزيادة في التعويضات العائلية ومنح ليونة أكبر معها عند الرغبة في الاستفادة من الحاجيات الصحية والتعليمية والسكنية والسياحية إلخ والتقليل من الفوائد البنكية إلى حد أدنى في حال الحصول على قروض قصيرة،متوسطة أو طويلة الأمد
إن أشد ما تخشاه هاتان الطبقتان المدرجتان بين المنزلتين،رغم أهميتهما الاقتصادية البارزة، أن يأتي السجل الاجتماعي الموحد على كل ماتبقى من كينونتهما في المجتمع لتنحدرا إلى أسفل سافلين، وهذا ما كان يطمح إليه رئيس الحكومة الأسبق عبدالإله ابن كيران عندما قرر أو قرر له أن يعيد النظر في صندوقي المقاصة و التقاعد بنية الإصلاح على حساب هاتين الطبقتين اللتين تعيشان شهريا على مايوازي أو يفوق قليلا 10 في المائة مما يصرف من الأجور العليا التي ينعم بها ابن كيران نفسه وغيره من المسؤولين الكبار على رأس الإدارات العمومية والصناديق والمكاتب والمجالس والهيئات العمومية وشبه العمومية والشركات المملوكة للدولة،والتي تصل إلى الملايين “المملينة” ناهيك عن الامتيازات الأخرى المواكبة للأجور والتي لاحصر لها، ويمكن الاطلاع على تفاصيل ذلك بأعداد “الجريدة الرسمية”،ففيها ما يغني عن السؤال ويضر بخاطر السائل من فئة متوسطي الدخل المهضومة حقوقهم ببلادنا
فهل يعاد النظر إذن مع هذه الحكومة ومع غيرها لاحقا في مسألة توزيع الثروات والتقليص من الفوارق في الأجور والتعويضات وإرساء مبدأ العدالة الضريبية وتثبيت الحكامة والمحاسبة وفرض ضرائب على الثروات خاصة تلك جمعت بطرق غير مشروعة أو مشبوهة
المغرب غني بثرواته وليس ببلد فقير و لا مجال لقلب الحقائق
لا شك أن بلادنا تتوفر على خزان مهم من معدن الكوبالت المطلوب بحدة دوليا في صناعة السيارات الكهربائية ناهيك عن الاحتياطي الكبير من الفوسفاط ومعادن أخرى نفيسة ومتعددة ببلادنا وثروات بحرية وباطنية هائلة دون الحديث عما يجنى لفائدة خزينة الدولة من ضرائب على الدخل وعلى الاستهلاك وعلى القيمة المضافة ورسوم جبائية متعددة الشارب
كاتب صحافي