صديقـي التلميذ،

الامتحانُ هو مجرَّد اختبارٍ لمعارفِك، ولمدى ضبطِك المنهجي، وحسنِ امتلاكك للقدرات التحليليةِ. وامتحانُ البكالوريا هو أسهلُ اختبارٍ سيصادفُك في مسارك الدراسيِّ كلِّه. لذلك، لا داعي من النظر إليه وكأنَّه غولٌ سيلتهمُك؛ فإنك كلَّما نظرتَ إليك بهذا المنظار، ازدادتْ حظوظك في التعثُّرِ، لا في التفوُّقِ والنجاحِ.

إنَّ الامتحان ما هو إلا نتيجةٌ تأتي بعد مسارِ سنةٍ من العملِ، ولا يأتي دفعةً واحدةً، ولا على حين غفلةٍ؛ فله تواريخُ محدَّدةٌ، ومواعيدُ معلومةٌ. وما علينا إلا أن نتهيَّأ لهُ. ومعنى التهيُّؤُ هو مقابلتُه بانبساطٍ، لا بانقباضٍ.

ولن أحدِّثَك في هذه المقال عن التحضيرِ المعرفيِّ، وفهمِ الدروسِ واستيعابِها، لأنَّ تلك عمليَّاتٌ تمتدُّ على طول السنةِ الدراسيَّةِ، وإنما سأحدِّثُك عن التَّهيُّئِ النفسِيِّ، والمراجعةِ بما تعنيه من استذكار لبعضِ المعارفِ، وتثبيتِ لما هو منهجيّ. وسأقسِّمُ ذلك إلى ثلاثةِ مراحلَ: قُبَيْل الامتحان، وفي أثناءِ الامتحان، وبعد الامتحان.

1. قُبَيْلَ الامتحانِ

صديقـي التلميذ،

أعلمُ أنك تسهرُ إلى وقتٍ متأخرٍ من الليلِ محاولاً التهامَ أكبر قدرٍ من المعارفِ في الدقيقةِ التسعينِ. وهذا يعني نتيجةً واحدةً هي أنك تدخلُ إلى قاعة الامتحانِ مُرْهَقاً مُجهَداً، خائرَ القوى؛ فتصيرُ تلك القاعةُ قاعةً للراحةِ، أو مستشفىً في أسوأ الحالاتِ، فتكون خاسراً من حيثُ تريدُ ناجحاً رابحاً. لذلك، يجب أن تدخل إلى القاعةِ وأنت بكامل قواك الجسدية، لتستطيع القيام بكل العمليات الذهنية المطلوبة منك بشكل فعَّال.

وفي هذا السياقِ أيضاً، لا تُفرِّطْ في نظامك الغِذائيِّ؛ فمن الخطأ أن تُجهِدَ جسمَك بعدم تناول الطعام الكافي، فأنت في حاجةٍ لجسمك خلال الامتحان في أكمل صحةٍ.

واحرصْ، في تنظيمك لأوقات مراجعتك للامتحان واستذكارِك، أن تجعل برنامجَ المراجعة و الاستذكار صارماً في بداياته، أي في أيامِه الأولى، وكلَّما اقترب موعد الامتحان، صار ليِّناً، وخفيفاً وسلساً؛ فإنْ كنت -مثلا- تراجعُ مدةَ 12 ساعةً في اليومِ قبل الامتحان بعشرين يوماً، فاجعلها 5 ساعات قبلَه بأسبوع، واجعلها ساعتيْن خلال ذلك الأسبوع. واجعل اليوم الذي قبل الامتحانِ يومَ راحةٍ تامةٍ، واقضه رفقة أصدقائك في الاستجمام، ناسياً الامتحان تماماً، اضحكْ، وغنِّ، وارقصْ… مارسْ ما يستهويك من الهوايات في هذا اليومِ. وإنْ كان لا بُدَّ من أن تُراجعَ، فاكتفِ بوقفات تأمليَّةٍ لمختلِف الفصولِ وتصاميمِها، ولملخصاتك التي أعددتها للمقرَّر.

2. يومُ الامتحانِ، وفي أثنائه

صديقــي التلميذ،

قد أبدو مثالياً في ما سأطلبُه منك في هذه الفقرة، لكنَّه مبنيٌّ على معطياتٍ بعضُها مُستقىً من التجربةِ الحياتيةِ، وبعضُها علميٌّ.

استيقظ باكراً، وتمشَّ قليلاً، واستنشق هواءً طيباً، واستمتع بجمال الطبيعة الباكرِ وسحر ها، وبأنغام طيوره وعصافيره. ثم أفطر جيداً. وقبل أن تغادِرَ المنزل، تأكد من أن كل أدواتك جاهزة، حسب المادة التي ستجتازُها، فإنَّ بحثَك عن قلمٍ زائدٍ لدى زملائك -مثلا- يُشتِّتُ تركيزكَ، ويهدِرُ وقتكَ.

ولا تكنْ، صديقـي، من الذين يتلون كلَّ المقرَّرَ دفعةً واحدةً صباح الامتحان، أو في طريقهم إلى المؤسسة التي سيجتازون فيها الامتحان، أو عند دخولهم إلى قاعاته، أو قبل مادة الاختبار ، بدعوى إلقاءِ النظرة الأخيرة، فإنَّه دربُ المُعوِّلين على الصُّدفةِ، لا على اجتهاد السنةِ. واعلمْ أنَّ ذلك لن يغنيك شيئاً، بل سيضاعف حدة توترك، ويشتت ذهنك، وأنت تحتاج في تلك اللحظة إلى التركيز، واستجماع قواك.

وعندما تدخلُ إلى قاعة الامتحان، ضع ساعتك وأدواتك أمامك، ولا تترك تلك الأدوات مشتتة فوق الطاولة، بل تأكد من تنظيمها لكي لا تتحوَّل إلى مشتِّتاتٍ ذهنيَّةٍ، واكتب معلوماتك في ورقة التحرير باللغة المطلوبةِ، وبخط واضح ومقروءٍ، واعلم أن نسيانَها قد يسبِّبُ لك مشاكلَ قد تصل إلى إلغاء ورقتِك. ثم حاول  التخلُّصَ من كلِّ الشحنات السلبية التي قد تعتريك، ومنها التوتر والقلق والاضطراب. وتذكَّر دوماً أنك أمام أسهل امتحان في مسارك الدراسي.

وعند حصولك على ورقة الامتحان، حدد الوقت المخصص لك، وأحسن تدبيره، واقرأ موضوع الامتحان بتأنٍّ، واقرأ كل سؤال على حِدَةٍ، وحدد المطلوب بدقةٍ؛ ففهمُ السؤالِ بشكل جيدٍ جزءٌ من الجوابِ الجيدِ والدقيقِ. فالسؤال -مثلا- بصيغة:

أ. [تحدث عن…، تكلم عن…، ما هي…؟ ما هو…؟]، يتطلَّبُ سرداً عامّاً،

ب. [حدِّد، قارنْ، حلِّل، احسب، بيِّن، عرِّف، ناقش…]، يتطلَّبُ التركيز والدقة في عمليات ذهنيةٍ محددةٍ.

أحسنْ استعمال مسودَّتك (ورقة الوسخ)، فهي ورقةٌ مساعدةٌ، وليست ورقةَ تحريرٍ، لذلك من الأفضل أن تكتبَ فيها إجاباتك على شكل خطاطات تُجزِّئُ فيها السؤال المركَّب، وتُثبِتَ تحت كلِّ جزءٍ إجاباتٍ مركَّزَةً. وينبغي أن تُرقَّمَ المسودَّات إن كَثُرَتْ، وتُنظِّمها، وتتجنَّبَ أن تمتصَّ معظَمَ وقتِك، فإنَّ القيِّيمين على الحراسةِ لن يقبلوا منك المسوَدَّةَ، ولن يُرفِقوها بورقة التحرير إن ضيَّعت وقتك كلَّها فيها، وسيذهب مجهودك هباءً.

ابدأ دائماً بالأسهل، ثم السهل، ثم الصعبِ، فالأصعبِ، مع ترتيبِ الإجابات بترقيمِها كما هي مُرقَّمةُ في ورقةِ الأسئلةِ.

وإذا كنت تُجيبُ على مادةٍ يتطلبُ الجواب عنها تحرير النصوص (اللغة العربية، اللغة الانجليزية، اللغة الفرنسية، الفلسفة، التاريخ والجغرافيا…)، فاحرصْ أن تبدأ كلَّ فقرة بترك فراغٍ (Alignement de texte)، واكتب بخط واضحٍ مقروءٍ، واعلمْ أن خطك السيِّئ قد يحكُم على ورقتك، محترماً علامات الترقيم ما أمكنك. وعندما تنتهي من فقرة، وتنتقل إلى فقرة مواليةٍ، اترك الفراغ في أولها، واترك سطراً فارغاً بين الفقرتيْن، واعلم أن هذه التفاصيل التقنية التي قد تبدو لك بسيطة لها تأثير مهم في تصحيح ورقتك. واكتب بأسلوب واضحٍ، وبجمل بسيطةٍ، وتجنب الأخطاء اللغوية ما أمكنك ذلك.

3. بعد الامتحانِ

عندما تنتهي، صديقي، من مادةٍ، فركِّز على المادة الموالية، ولا تفكر فيما اجتزته، ولا تدخل في نقاشات ما زملائك حول امتحان مادة اجتزتها. وعندما تنتهي من الامتحان كله، سافرْ فقط، واستمتع بحياتك، ولا تُزعِجْ نفسَك بشيءٍ آخر… عُد إلى ممارسة هواياتك، وابحث عن مدارسَ تفتح أبوابها أمام الحاصلين على البكالوريا؛ وأودع ملفك عندها؛ فإن حصلت على تلك الشهادةِ، فهنيئاً لك، وإن لم تحصل عليها، فاعلم أن نهايةَ عالَمٍ ليس نهايةَ العالمِ. فقط، حاول معرفةَ مكامن الخلل لتعالجها في السنة المواليةِ، واستمتع بحياتك.