"رؤية".. نشرة تواصلية أم فضيحة إعلامية؟
أصدرت المديرية الإقليمية للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين سوس ماسة بتيزنيت، مؤخرا، نشرة تواصلية سمتها “رؤية”. الأكيد أن مصلحة الشؤون القانونية والشراكة والتواصل هي المسؤولة عن إعداد وتنفيذ وإخراج هذه النشرة، وذلك تبعا للصلاحيات المخولة لها بمقتضى المذكرة الوزارية رقم 16×047 في شأن تدقيق مهام واختصاصات المصالح المحدثة بالمديريات الإقليمية، لا سيما من زاوية “العمل على إعداد سياسة المديرية اٌلإقليمية في مجال التواصل والعمل على تطبيقها”، و”الارتقاء بالاتصال الداخلي بين المديرية الإقليمية ومصالحها، والتواصل الخارجي مع الشركاء والإعلام والمصالح الخارجية”، و”تجميع المعلومات والسهر على حسن تداولها وتبليغها إلى جميع الشركاء على الصعيد الإقليمي والمحلي”، وكذا “إعداد نشرات ودوريات تعني بقضايا التربية والتكوين على مستوى اٌلإقليم”.
آراء أخرى
وتضمنت النشرة افتتاحية للمدير الإقليمي المهدي الرحيوي، شدد فيها على أن إصدار هذه النشرة يأتي “لتقريب عموم الجمهور، والمتدخلين في الحقل التربوي بالإقليم على وجه الخصوص، بما تم إنجازه خلال الموسم الدراسي الحالي، خاصة المشروع التربوي المندمج لتيزنيت، أنزي وتافراوت، وإحداث منصة للدعم التربوي، إضافة إلى تثمين أنشطة المؤسسات التعليمية في مجال الارتقاء بالحياة المدرسية، والتعريف بمشاريع القانون الإطار”.
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حول هذا الإصدار الأول من نوعه على مستوى المديرية هو: هل استطاعت النشرة التي تم إصدارها الاضطلاع بالفعل التواصلي / التسويقي المسطر لها نظريا؟ أم أنها، في المقابل، قد تسببت في ترتيب نتائج عكسية؟ سؤال سنحاول في هذه الورقة ملامسة بعضا من أوجهه، من خلال إخضاع المنشور المعني لمحاولة تحليل، فحرصنا أن يحيط بالجانب الفني / التقني، وبالجانب المضموني / المحتوى، فضلا عن الجانب اللغوي والأسلوبي.
ضحالة إبداعية
يعتبر غلاف أي مطبوع، دورية كان أو مجلة أو جريدة أو كتابا، بمثابة الواجهة التسويقية له، الشيء الذي يستوجب الحرص على توفير الشروط الفنية القمينة بتحقيقه لعنصري الجاذبية والدافعية للقراءة لدى الجمهور العام أو المتخصص، غير أن هذا المعطى لم يؤخذ بعين الاعتبار لدى مصممي “النشرة التواصلية” للمديرية الإقليمية.
فإذا كان اختيار تسمية “رؤية” لهذه النشرة اختيارا موفقا من حيث المبدأ، فإنه من الناحية العملية يبطن، في المقابل، إخفاقا من مهندسيها على مستوى امتلاك “رؤية” واضحة وتملكها، مع ما يستتبع ذلك من مخطط مواكب لهذا الحامل/ الوسيط الإعلامي.
ويتجسد هذا الإخفاق من ناحية أولى في عدم القدرة على تصميم اسم النشرة تصميما فنيا يراعي الشروط الجمالية والتعبيرية المطلوبة في أي شعار مماثل (Logo)، حيث تم الاكتفاء بكتابة الاسم بخط (font) عادٍ جدا مع تكبيره قليلا، والحال أن أسماء المطبوعات تخضع لتصميم فني دقيق بحجم وقياسات مضبوطة يخول للمطبوع/ النشرة إمكانية امتلاك هوية بصرية مميزة لها، بمحرد رؤيتها البصرية.
ومن ناحية ثانية، فإن تصميم الغلاف (conception) يكشف عن عقلية هاوية لا عن رؤية مهنية مؤسساتية ناضجة، وهو ما يحيل رأسا على ضحالة الباع التقني وقصور التصور الفني والإعلامي لمهندسي هذه النشرة. أما تجسيد ذلك فيتجلى في توظيف صورة بئيسة وغير ذات حمولة دلالية إيجابية للبوابة الرئيسية للمديرية على صدر الغلاف (اللهم إن كانت الغاية من اختيار تلك الصورة هو تشكيل صورة ذهنية سلبية عن المديرية !)، هذا فضلا عن عدم إثبات “مانشيت” رئيسي على الغلاف، حيث تم تعويضه بعرض معيب وغير موفق لأبواب النشرة، وعنوان المصلحة الراعية لهذه النشرة، لأن محل عرضها الطبيعي هو الصفحة الثانية أو الثالثة.. .
وقد أفضت هذه الأخطاء التي لا يرتكبها حتى الهواة، وهي مجتمعة، لعدم التوفق في اختيار الخطوط المناسبة للتصميم وعدم إثبات تاريخ الإصدار واسم مدير النشرة لانها تخضع لضوابط قانونية ومهنية..)، إلى توفير الشروط البصرية والنفسية لتنفير القارئ من هذه النشرة، وبالتالي عدم تمكينها من شروط التداول بين الجمهور، بما ينبغي ان تكون اصلا رصدت من أجله.
من التواصل إلى التلوث البصري!
يجمع الناس عادة على استهجان “التلوث الإيكولوجي” الناجم عن النفايات العضوية، وقد يضيف البعض منهم تبرمه من “التلوث السمعي” المتولد عن الضجيج والضوضاء، لكن ماذا عن تقييمنا لظاهرة “التلوث البصري” (Pollution Visuelle)؟
إن المطلع على “النشرة التواصلية” للمديرية سيجزم حتما بأنه قد أصيب بالإعياء في عينيه وبالإرهاق الجسدي، فضلا عن الشعور بزيادة التوتر والانفعال والإحساس بالسأم والضجر والنفور والاشمئزاز. وهي كلها عوارض مجتمعة من أعراض الإصابة بالتلوث البصري الذي يمكن عزوه إلى مشاهدة منظر غير متناسق جماليًا، منظر يتسم بعدم التناسق في الألوان وتنافر الأشكال وخطوط الكتابة. فإذا كان مهندسو “نشرة رؤية” يتغيون من وراء إصدارها تحقيق التواصل والترويج الإيجابي لمنجزات وهميّة للمديرية، فإن فعل التواصل عبر تلك النشرة قد أفضى إلى نتائج عكسية. وقد يفضى إلى تحقيق اللاتواصل بسبب ما تسببه تلك النشرة من تلوث بصري لمطالعيها، مما يذكرنا بمقولة شهيرة للسياسي الفرنسي الشهير (François Dominique de Reynaud) إذ قال:
(Un ton faux, dans nos communications, en détruit l’effet)
الدرجة الصفر في الإخراج الفني
أ- معالجة الصور:
تعتبر الصورة من العناصر التيبوغرافية (Typographique) المهمة في الإخراج الصحفي لأية وسيلة إعلامية مبثوثة على حامل ورقي طبيعي أو إلكتروني، وذلك بالنظر إلى استخدامها بطرق متعددة لإضفاء جمالية على المطبوعة فضلاً عن أهميتها الوظيفية. لهذا السبب قال “وولت ديزني”: (من بين كل اختراعات التواصل الجماهيري، تظل الصور هي اللغة الأكثر فهما في العالم). فكيف تعاملت “نشرة المديرية” مع الصورة؟
فضلا عن التصرف المعيب الذي لحق الصورة الرسمية لجلالة الملك كما سلفت الإشارة إلى ذلك، فإن الصور التي تم توظيفها في النشرة لم تتم معالجتها تقنيا، كما هو معمول به حتى عند هواة البرمجيات وتطبيقات الهواتف الذكية. فالصور المنشورة لم يتم إخضاعها لعمليات تعديل بواسطة برامج معالجة خاصة بهدف تحسينها وتصفيتها من الشوائب أو تعديل إضاءتها وتنسيق ألوانها. بل كشف توزيعها على صفحات النشرة أنه توزيع عشوائي لم تتحكم فيه “رؤية” إخراجية ناظمة وضابطة.
ب- التصميم البنائي لماكيط النشرة (Maquette):
يشدد خبراء التصميم الفني للمطبوعات (infographie) على وجوب عدم تقسيم الصفحة بشكل نصفي، إما طولياً أو عرضياً، مقابل تثمينهم اللجوء إلى تداخل المواد. غير أن مصممي “نشرة المديرية” ليسوا مطلعين، على ما يبدو، على هذه القاعدة الأساسية من قواعد الإخراج الفني، إذ نجد مجمل صفحات “النشرة” قد تم تقسيمها بشكل عرضي رتيب، مما أفضى إلى إحداث شرخ واضح في خلق مواد متجانسة ومتداخلة بغاية تحقيق التوزيع الأمثل للصور وأرضيات الشبك بين المواد.
الإملاق المعجمي والكُساح الأسلوبي:
إن الإطلاع على “النشرة التواصلية” موضوع هذا المقال، يجعلنا مصدومين أمام هَوْل العَوَز المسجل في الرصيد القاموسي لمحرريها، وضحالة زادهم الأسلوبي. مما أفضى بهم إلى إنتاج “نصوص” مَشُوبَةُُ بالتَّكَلُّسِ اللُّغوي غير المقبول صدوره عنهم لعلتين أساسيتين: أولهما ثراء المعجم العربي الذي تفيد آخر الإحصائيات العالمية أن عدد كلماته، المستعملة منها أو المهملة، تربو على 12 مليونا و400 ألف مفردة، وثانيهما يتعلق بصفتهم المهنية المفترضة كأنبياء وقديسين أنابهم المجتمع لحراسة وصون الأمن اللغوي لأبنائه من المتعلمين والمتعلمات، فصلا عن عدم احترام ابسط ابجديات التحرير والكتابة وعناصرها ومكوناتها.
فالقارئ الذي حكمت عليه الأقدار بالإطلاع على “النشرة”، حتما سيصاب بالذُّهُول لتَكْرار نفس العبارات النمطية المسكوكة في مختلف التقارير المنشورة. وتكفي الإشارة هنا إلى أن نصف تلك التقارير قد تم استهلالها بعبارة “في إطار تنزيل…”. هذا عيب تحريري ولغوي، ينضاف إلى عدم توفقهم في بناء المواد المحررة المنشورة بتنويع مواضع استخدام الجمل الفعلية والإسمية، أو الموازنة بين أساليب الخبر واسلوب القصة الخبرية وتقنية الهرم في الكتابة الصحفية وغيرها من المؤاخذات المَاسَّة بقيمة المادة الإعلامية التواصلية المنشورة.
الجهل بالأجناس الصحفية وقوالبها:
منذ الإطلالة الأولى على “النشرة التواصلية” للمديرية، سيكتشف القارئ، المهني وحتى غير الملم بأبجديات الإعلام والتواصل، مدى افتقارها إلى خاصية التنويع في الأجناس الصحفية المعتمدة في تحرير المواد الإعلامية الموجهة للنشر. فباستثناء “العمود الصحفي” الذي صيغت به الافتتاحية من حيث شكله دونما جوهره، سقط محررو النشرة في فخ اجترار جنس واحد هو جنس ليس بالتقرير الإخباري ولا غيره على امتداد الصفحات التسعة للنشرة. حيث كان بالإمكان، أو لنقل إنه كان مفروضا بالأحرى، أن يستعين محررو النشرة على الأقل بأجناس التقرير بأنواعه و الاستطلاع والكرونيك، والتحليل الاخباري، والتقرير الصحفي، والتحقيق والروبورطاج والحوار وغير ذلك، مما سيجنبهم، بالتعدي (par transitivité)، الوقوع في عدم تنويع القوالب الصحفية المستعان بها لتحرير تلك المواد، أي السقوط في إفراغ جميع المواد في قالب واحد هو قالب الهرم المعتدل.
إننا إذ نشدد على تنويع هذه القوالب، فإنما نود بذلك لفت الانتباه إلى الرتابة والاطراد اللتان شابتا المواد المنشورة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يشعر القارئ بالملل والسأم والضجر وهو يقرأ المواد المنشورة بنفس الإيقاع… إنه سيتألم، سيتوجع، سيتأوه وسيغتاظ ويرمي بالنشرة في القمامة.
ضحالة المعرفة بعلامات الترقيم:
على الرغم مما لعلامات الترقيم من أهمية بالغة في تيسير استيعاب المكتوب، لا سيما تعيينها مواضع الوقف وتمييز الجمل الخبرية عن الاستفهامية والتعجبية، أو جعلها مبنى الجمل كاشفا عن معناها، فإن محرري “النشرة التواصلية” قد أبانوا عن فقر فظيع في إدراك وظائفها البنائية والدلالية، حيث يصطدم القارئ بـــ”عبارات” ملقاة على قارعة النصوص المنشورة من غير روابط منطقية. وهو ما يكشف لنا أن هؤلاء “المحررين” لا يعرفون، ربما، أن علامة النقطة (.) وجدت لتوضع عند نهاية الجملة التامة في المعنى والإعراب مثلا، وأن الفاصلة (،) تستخدم بعد لفظ المنادى أو بين أنواع الشيء وأقسامه لتحيل إلى وقف قصير، فيما تستخدم الفاصلة المنقوطة (؛) للدلالة على التفسير، مثل وضعها بين جملتين تكون الأولى منهما سبباً للثانية.
على سبيل الختم:
لقد تبين، تأسيسا على مختلف لحظات القراءة وموضوعاتها التي أخضعناها للتحليل، أن فعل التواصل يعتبر مدخلا ورافعة أساسية لتعزيز القيادة إن هو اتسم بالفعالية والنجاعة، غير أنه سرعان ما يفضي إلى نتائج تدميرية هدامة إذا صدر عن ذوات هاوية غير مالكة لنواصي اللغة، ولا ملمة بأبسط أبجديات التواصل والإعلام.
إذا لم تكن الهشاشة اللغوية والأسلوبية واقعا يمكن التعامل معه بالصفح والمغفرة بالنسبة لأطر محسوبة على الصف الأول في المسؤولية التربوية بالإقليم، فإنه ليس العيب أن يكون زادهم في الإخراج الفني والكفايات الإعلامية صفرا على الشمال، إنما العيب – كل العيب – في أن لا يستشيرون ذوي الاختصاص عملا بقاعدة (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). ذلك بأن تلك النشرة تمثل وجه المنظومة التربوية بالإقليم ككل ولا تمثل محرريها ومصمميها، وقبلهم مهندسيها فحسب. قصارى القول: إنه من العيب أن تتحول “رؤية” هكذا “نكرة” من مشروع نشرة تواصلية إلى ما يشبه “فضيحة إعلامية” .
*ناشط أمازيغي