النساء! هل كيدهن عظيم؟ 

تطلق على المرأة مجموعة من التسميات في العالم العربي/ الأمازيغي، وبالخصوص في المجتمعات الإسلامية، هذه التسميات التي لا ترتبط فقط بتسمية كتسمية وإنما لها، بحسب الذين أطلقوها ويطلقونها الآن، إنما لها دلالة سلوكاتية تتميز بها المرأة في نظرهم، الشيء الذي جعل هذه المجتمعات تطبع المرأة بمجموعة من التسميات التي في غالبها تبقى تسميات قدحية تُنقص من شأن المرأة ومن قيمتها وإعلاء شأن الذكور بصفة عامة مقابل الإناث.

ولعل ثقافة التنقيص من المرأة ومن مكانتها بشكل عام خلقياً وسلوكيا ومجتمعيا، لعل هذه الثقافة نجدُ لها حضوراً كبيراً في المجتمعات القبلية، أو لنقل في المجالات القروية على عكس المجال المتمدن المتحضر الذي لا تحضر فيه هذه الثقافة إلا بشكل قليل. وقبل الخوض في معللات هذا التباين بين القرية/القبيلة وبين المدينة فلنحدد بعض هذه التسميات التي تطلق على المرأة والتي الغرض منها كما قلنا التنقيص من شأن المرأة.

تتعدد التسميات وتختلف من مكان لآخر وذلك بحسب ثقافة كل جماعة بشرية في مجال جغرافي معين، ولعل أبرز ما يطلق على المرأة من تسميات نجد ما يلي: “المرأة ناقصة عقل ودين” و “المرأة عندها غير نُصْ عْقل” و “المرأة ضلعة عوجة” و “كيدهنَّ عظيم”.

هذه التسميات التي توصف بها المرأة بالإضافة لمجموعة أخرى من الصور والأحكام القيمية التقليدية التي بنتها مجتمعاتنا القبلية قديما والتي ما زالت حاضرة بقوة اليوم، ومنها كأمثلة نذكر: “المرأة سمع لكلامها ما دير بيه” و “رابح من لمرا ولخاسر من لمرا” و “لمرا ديرها قدامك لا ديرها وراك”.

كانت هذه بعض التسميات والأمثال الشعبية وغيرها من الأوصاف الأخرى الكثيرة جدا التي تُضرب على المرأة، هي في حقيقة الأمر لا تعبر إلا على سلوك تمتاز به المرأة في نظر المجتمعات التي أبذرت فيها هذه النعوت. وإذا ما أردنا فهم أصل هذه التسميات والبيئة التي نشأت فيها فلابد لنا من الاتكاء على التاريخ والطوبونيميا وسوسيولوجيا المجتمعات القبلية. 

ومنه، فحضور هذه التسميات لا يمكن إلا أن يكون له داعٍ. وإذ ما نحن سلمنا على الأقل بظهور أغلب هذه التسميات في الفترة الإسلامية، على أن ظهور البعض الآخر كان في الفترة الجاهلية. فسنضطر لمسح سوسيولوجي خفيف للمجتمع العربي في شبه الجزيرة العربية، ومنه سنقول على أن الطابع العام الذي طبع العلاقات في المجتمع القبلي العربي آنئذٍ هو طابع السلطوية الذكورية على حساب المرأة، فالرجل هو القوي والمرأة هي الضعيفة، هو الذي يعمل وهي مكانها البيت، هو من يأمر وهي من يجب أن تطيع، هو الذي يقرر وهي التي تدبر. وهكذا دواليك، أي أن المجتمع كان أبويا بامتياز تتجمع فيه جميع السلط في يد الرجل، في حين يبقى على المرأة “الناقصة عقل ودين” أن تطيع وألاَّ تقول لا. 

من هذه العلاقة السلطوية المبنية على خشونة الرجل تُجاه المرأة، وإلى جانب حرمان المرأة من التعليم بداعي أن مكانها هو البيت وتربية الأولاد، من كل هذا وغيرُهُ كثير، كان على المرأة أن تدافع عن نفسها وأن تقف أمام الاستبداد المطلق الذي يمارسه الرجل في حقها، ربما باسم الحق الإلهي كما فعلت الكنيسة في أوربا في الفترة الوسيطية. قلنا من كل هذا كان على المرأة أن تدافع عن نفسها وهي مجبرة على ذلك، مجبرة بالطبيعة التي خلقت عليها، تلك الطبيعة التي لا تختلف في شيء عن طبيعة الرجل، بكونها ابنة تسع أشهر وبكونها تريد الحرية والتعبير عن آرائها وقول نعم ولا، والوقوف أمام الرجل من أجل فرض كينونتها ككائن يساوي الرجل في الحقوق والواجبات.

من هنا كان على المرأة أن تدافع عن نفسها ولو “بالأسلحة النووية لو توفرت آنئذٍ، وفي هذا سأكون إلى جانبها، قلت هنا ستبحث المرأة عن الحلول التي من شأنها الدفاع بها عن نفسها، فاستعملت الحيلة والتوْكال والسحر والشعوذة، واعتمدت كذلك على زيارة الأضرحة تتضرع لهم بالدعاء ظنا منها أنهم سيجيبونها طلبها، وبالدعاء لله، فكانت المرأة عبر هذا القليل من الكثير تريد الدفاع عن نفسها والوقوف أمام الرجل الذي استبد بها ولا يزال كذلك في المجتمعات التقليدية. 

وفي جميع الأحوال وبنظرة موضوعية لهذه الممارسات التي أقبلت عليها المرأة، لا يمكن إلا التسليم بكونها ممارسات مشروعة بالنسبة لها من أجل الدفاع عن حقها والوقوف أمام الرجل، فبغض النظر على أنها ممارسات لا عقلانية وغير إنسانية إن صح القول، فهنا سنقول: كيف كان للمرأة أن تدافع عن نفسها وهي محبوسة بالبيت؟ كيف كان لها أن تقف في وجه التلسط الذكوري وهي التي حرمت من التعليم؟ كيف لها أن تتصدى لكل أشكال التعذيب النفسي والمعنوي والجسدي الذي يمارس عليها من طرف ذلك الخشن الذي لا يعرف رحمة ولا رأفة؟ ألم تكن المرأة على حق في هذه الممارسات وهي الضعيفة المسكينة المغلوب على أمرها؟ أليس من حقها الطبيعي أن تدافع عن نفسها؟ بالله عليك بما ستدافع عن نفسها؟ بالحوار! وهل هناك من ثقافة حوار لدى الرجل الخشن الذي ما زالت الثقافة التقليدية راسخة في ذهنه؟ ثقافة الضرب والركل والرفس والعفس؟

لن أنحاز للمرأة ولا للرجل، ولكن في سياق التاريخ والممارسات التي مارسها الرجل على المرأة، وما يزال، فهذه الممارسات التي كانت تقوم بها المرأة وما تزال حاضرة لليوم، فهي لم تأتي عبثا ولم تأتي لشيء في خلق المرأة ولا في تكوينها النفسي والبنيوي، ولكن جاءت هذه الممارسات فقط للدفاع عن نفسها. فإن دافعت المرأة يوم البارحة بالسحر والشعوذة وغيرهما فهي تدافع اليوم عن نفسها عبر الجمعيات والمنظمات الحقوقية وغيرها من الوسائل الأخرى. وهذا هو التاريخ الذي يُعرف أنه في تطور، أكان تصاعديا أو دورياُ.

القطع مع هذه الممارسات لا يمكن إلا من خلال القطع مع الجهل والأمية التي ما زالت تستبد بالمجتمعات العربية وخصوصا المجالات القبيلة التي ما زال فيها الشيخ والمريد و”الجْماعة”، لأن القبيلة ما زالت تعتبر المرأة ناقصة وليس من حقها العمل والدراسة والخروج ومجموعة أشياء أخرى، وأن عليها فقط الركون في البيت وتربية الأولاد وممارسة الجنس. ما عدا ذلك فهو ليس من حقها، وفي حضور هذا المجتمع الذي يستمد ممارساته من الماضي ومن ثقافة أكل وشرب عليها الدهر، في حضور هذا لا يمكن القطع مع هذه الممارسات، ولو أن هذه الممارسات لم تعد فقط موجهة ضد الرجل، وإنما أصبح يوجهها الرجل كذلك ضد المرأة.

مجتمع قبلي قروي ماضوي تقليدي في ممارساته لا يمكن إلا أن يعبر عن ماضويته في سلوكياته، والقطع مع هذه الماضوية يكون بالقطع مع فكر الماضي، والقطع مع الفكر الماضي الذي لسنا بحاجة إليه يكون باستخدام العقل، بالتربية وبالتعليم. أما في غياب هذا فسنبقي على نظرتنا القيمية التقليدية القديمة للمرأة، وهي بريئة كل البراءة من هذا، فالطبيعة التي خلقت عليها المرأة ووجدت فيها هي تلك التي وجد عليها الرجل، ومنه كان لزاماً عليهما التمتع بنفس الحقوق والواجبات والتساوي في الأمر والنهي، وعدم فرض سيطرة أحد على الآخر. هنا سنبقي على الطبيعة النفسية لكل طرف وبالتالي حياة عادية للطرفين.

علموا المرأة وحرروها وثقفوها وأعطوها حقوقها ثم حاسبوها.

فلتكن نظرتنا شاملة وأشمل، ولتشمل نظرتنا مجتمعات أخرى لما وصلت إليه المرأة.

الإبقاء على نظرتنا التقليدية هذه للمرأة هي بمثابة الإبقاء على خلل في عجلة المجتمع، وبالتالي بقاؤنا في تأخر دائم.

المرأة هي الوطن؛ هي الحب؛ هي الأمل؛ المرأة كل شيء