“ينبغي العمل على تشجيع استثمارات مغاربة العالم بالمغرب عبر اعتماد سياسة شاملة ومندمجة ترتكز على آليات للمواكبة وربط الاتصال مع حاملي المشاريع في المغرب“: النموذج التنموي الجديد ص(141)

1 – لم يكن من السهل فيما مضى إقناع المهاجرين المغاربة بالعودة إلى أرض الوطن من أجل الاستثمار فيها وخلق فرص الشغل للشباب المغاربة ، والمساهمة في بناء البلاد .. بسبب افتقارنا الكبير آنذاك إلى آليات ومستلزمات الإقلاع التنموي المأمول، غير أن المجهودات الجبارة والمشاريع العملاقة التي باشرتها المملكة المغربية في العقدين الأخيرين كانت حاسمة في توجه مغاربة العالم صوب أرض الوطن، ليس فقط بغرض مد جسور التواصل وصلة الرحم وزيارة الأقارب، والاستجمام بين أحضان شواطئ وجبال ومظاهر طبيعية مغرية ، بل وأيضا بهدف نقل معارفهم وخبراتهم وتجاربهم الرائدة في مضمار الاستثمار البناء في مختلف ربوع البلاد. وإذا كان العاشر من شهر غشت من كل عام يعد يوما وطنيا للمهاجر ، فإن هذا الحدث شكل هذه السنة ميزة بالنسبة لعدد من المهاجرين المغاربة ذوي الكفاءات الرفيعة، الذين اتخذوا بلدهم الأصلي وجهة مفضلة لتفجير طاقاتهم وبلورة مشاريع هامة ومشجعة.

2 – وقد عبر أحد هؤلاء المواطنين مؤخرا للتلفزيون المغربي ( القناة الأولى) واسمه أحمد بنعياد عن غبطته وهو يزور البلد بعد غياب دام عشرين سنة، حيث فوجئ بنوعية المشاريع المفصلية الحيوية، التي لا يمكن إلا أن تكون قاطرة لنهضة اقتصادية واعدة ، من طرق سيارة متقدمة ووسائل نقل بالغة التنوع و الأهمية ومؤسسات إنتاجية جوهرية ، ونخص بالذكر ميناء طنجة المتوسط .. وإذا كان أحمد بنعياد قد ترجم مشروعه الأول على أرض الواقع المغربي، والمتمثل في تأسيس فرع لشركته الكبرى بإسبانيا للنقل عبر القارات، فإن عددا كبيرا من أمثاله استحسنوا هذا القرار وأخذوا يتقاطرون بشكل منتظم على المدن والقرى الوطنية من أجل تحقيق مزيد من الربح المادي المشروع ، وخلق مناصب شغل لنسبة كبيرة من شاباتنا وشبابنا، الذين هم في أمس الحاجة إلى هكذا استثمارات طموحة ومواطنة. مما يعني أن موسم جني ثمار استنبات المشاريع العملاقة من قبيل الطاقة البديلة والموانئ عالية الجودة قد بدأت في الدنو ! 

3 – بيد أن الأمر يحتاج إلى ثورة بنيوية خلاقة في مجال توفير المناخ الملائم للنهوض التنموي الشامل، وعلى وجه التحديد التصدي للبنية العميقة للبيرقراطية المعرقلة لأي مسعى بناء، وتسهيل المساطر الإدارية وتخليصها من النمطية ووضع حد للكم الهائل من الوثائق غير الملزمة والمحبطة، وانخراط المؤسسات القانونية والبنكية بحماس واحترافية، لإنجاح مسيرة كل المغاربة المقيمين داخل الوطن وخارجه ، وتشجيع كل أصحاب الإنجازات التي تعمل على تقوية النسيج الاقتصادي الوطني، والضرب بيد من حديد على من يسعون إلى الاغتناء خارج المشروعية والقوانين المنظمة، وتفعيل القاعدة الدستورية المحيلة على ربط المسؤولية بالمحاسبة ،كل ذلك رغبة في “تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع“، حسب منطوق النموذج التنموي الجديد !