مسلسل الاستثناء المغربي مستمر، وهذه المرة مرتبط بتفعيل أحد أغرب القوانين الانتخابية  والتي ستؤطر سباق الأحزاب نحو مدرجات البرلمان، وذلك بعد التصويت على القانون التنظيمي 04.21 من طرف اغلبية مكونات مجلس النواب، والذي تم بموجبه اعتماد احتساب “القاسم الانتخابي” على أساس عدد المسجلين في الدائرة الانتخابية  بدل  الاعتماد على عدد المصوتين يوم الاقتراع على غرار الانتخابات التشريعية الماضية .

وهو بدعة مغربية خالصة، خصوصا وأنه لا توجد دولة في العالم تعتمد هذا النوع من القوانيين الانتخابية، لأن اغلب الأنظمة الانتخابية تعتمد على قاسم انتخابي يعبر عن إرادة المصوتين لا إرادة المسجلين، وهو ما تجسده نتيجة تقسيم مجموع الأصوات المعبر عنها على عدد المقاعد المتنافس عليها.

إن اعتماد القاسم الانتخابي الجديد الذي يطرح العديد من الإشكالات لا يجب النظر اليه من منطلق كونه مجرد صيغة حسابية لتنظيم الانتخابات، وإنما هو مناورة سياسية جديدة جاءت لتحقيق أهداف معينة.

لكن قبل الخوض فيما يطرحه القانون الجديد من تداعيات سياسية ودستورية، لابد من الوقوف على ذلك المشهد الذين رأيناه جميعا يوم الجمعة 05 مارس، حينما ” نفذ ” برلمانيو العدالة والتنمية إنزالا قويا بمجلس النواب (120 برلمانيا من أصل 125)، في خرق تام للإجراءات والتدابير الاحترازية التي اتخذها مجلسا البرلمان مع بداية أزمة كورونا، وذلك من أجل التصويت ضد قانون القاسم الانتخابي الجديد الذي تعتبره العدالة والتنمية خرقا للديمقراطية، وترى في “الإنزال” حقا دستوريا وممارسة طبيعية للدفاع عن الديمقراطية.

الأصل أن لكل نائب برلماني الحق في الحضور من أجل المناقشة و التصويت على أي مشروع قانون، لكن الاستثناء الذي يحاصر حزب العدالة والتنمية هو أن برلمانييه  لم يسبق أن حضروا بهذا العدد  في العديد من مناسبات التصويت على مشاريع ومقترحات القوانين ضمنها أكثر 70 مشروع ومقترح قانون منذ 2020  فقط ، ولم يحضروا بكل بنفس الحماس أثناء مناقشة تعديلات مشروع قانون المالية لسنة 2020 الي تقدمت بها  فيدرالية اليسار، والتي كانت تهم تخفيض ميزانيات القصر الملكي والبرلمان والداخلية والمالية وإدارة الدفاع، قصد الرفع من ميزانية الصحة والتعليم ولم يعلنوا الاتحاد للتصويت ضد  رفع سن التقاعد  أو منع إقرار القانون الإطار المتعلق بإصلاح منظومة التربية والتعليم، أو الدفع بمقترح العفو العام عن معتقلي حراك الريف الذي تقدم به النائبان عمر بلافريج ومصطفى الشناوي …

إن حالة التناقض التي يعاني منها حزب في العدالة والتنمية في انتقاء مشاريع القوانين التي ستجعله يستنفر برلمانييه لصدها، ليؤكد على معطى واحد هو أن توحيد الصف في الحزب من أجل أو ضد قانون معين هو مرتبط بالمساس بكراسي ومناصب وتعويضاته “مناضليه “، وليس مرتبطا بالمصلحة العامة للمواطنين.

عموما، فجدل القاسم الانتخابي قد تم حسمه، والعدالة التنمية خسر النزال حين صوت أغلبية البرلمانيين لصالح القانون، وسيتم اعتماده رسميا في الانتخابات المقبلة، وهو ما يطرح العديد من النقاط التي لابد من الوقوف عندها:

– أولا: القاسم الانتخابي بمنطق عدد المسجلين بشكل عام، لا يمكن أن أكثر من مخطط سياسي لتقييد حزب معين (أو أكثر) حتى لا يحصل على أغلبية قوية داخل البرلمان، والمستهدف به في هذه المرحلة بشكل خاص هو حزب العدالة والتنمية، والمراد هو قطع الطريق أمام فوزه بولاية ثالثة بعد التيقن من استحالة هزيمته بشكل ديمقراطي، خصوصا أمام تزايد مؤشرات ضعف نسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات المقبلة، وهو طبعا ما سيستفيد منه حزب العدالة والتنمية الذي يتوفر على كتلة ناخبة ثابتة، والتي لا تتوفر عليها الأحزاب الأخرى .

• ثانيا: التصويت لصالح القانون الجديد جاء بعد تواطئ جل الأحزاب معارضة واغلبية ( باستثناء فيدرالية اليسار الديمقراطي ) ضد العدالة والتنمية من أجل الإطاحة به في الانتخابات المقبلة  عبر توظيف القانون،  بعدما فشلت في منافسته بشكل ديمقراطي فلا هي تمكنت إقناع المواطنين بعدم مقاطعة الانتخابات ولا استطاعت بناء قاعدة تعوضها أصوات المواطنين المقاطعين للعملية الانتخابية.
• ثالتا: نحن أمام “طبخة” جديدة لإعادة تقسيم المقاعد على أكبر عدد من الأحزاب وهو ما سيقطع الطريق على بروز اقطاب برلمانية قوية تستطيع التأثير داخل المشهد السياسي المغربي، المستفيد الأكبر منها هو الأحزاب الصغيرة او الضعيفة غير القادرة على منافسة الأحزاب الكبيرة، والتي ستتكمن من الظفر بقاعد في البرلمان بعدد أفل من الأصوات.
• رابعا: القاسم الانتخابي الجديد يتعارض مع أسس التمثيل النسبي، كما أنه يلغي إرادة المواطنين، حيث سيجد مقاطعو الانتخابات أنفسهم متساوون مع المصوتين على مستوى التأثير على توزيع المقاعد من جهة أخرى، ومن جهة أخرى يسعى القانون الى التمييز بين إرادة المصوتين أنفسهم، فلا يعقل معادلة عدد من الأصوات لصالح حزب معين مع عدد أقل منه بكثير لصالح حزب اخر، لأن العددين مهما اتسع الفارق بينهما فسيؤديان الى الظفر بنفس عدد المقاعد.
• خامسا: اعتماد القاسم الانتخابي الجديد هو أمر شاذ ديمقراطي، ليس فقط لأنه لا يتوفر على أية مرجعية دولية، بل لأنه يضرب في عمق مقتضيات الدستور، فالتمثيل الديمقراطي مرتبط بانتخابات نزيهة وحرة وشفافة حسب المادة 11 من الدستور، وحق التصويت الذي تكفله المادة 30 يعتبر الوسيلة التي تمكن المواطنين من اختيار من سيمثلهم عبر صناديق الاقتراع، كما أن مبدأ المساواة بين المواطنين يعتبر إحدى أهم الركائز الدستورية، والقانون الانتخابي الجديد مخالف تماما لكل هذه المقتضيات.
• ساسا: من بين وظائف الاحزاب السياسية حسب المادة 7 من الدستور أنها تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية. والقاسم الانتخابي ليس وسيلة ديمقراطية تضمن مشاركة الأحزاب في السلطة وفق تعددية حقيقة بل تعددية صورية.

القانون الانتخابي الجديد وباعتباره قانونا تنظيميا، من المفروض أن يكون مكملا لروح الدستور لا متعارضا معه، والمرحلة المقبلة في ملعب القاضي الدستوري، وعليه اعتبار القاسم على أساس عدد المسجلين مخالفا للدستور، فالنظام الانتخابي المعتل أصلا في المغرب والذي لا يترجم المفهوم الحقيقي للتمثيلية البرلمانية، ليس في حاجة لقانون تنظيمي أكثر علة منه.