«بقبولها «المحاسبة» فإنه يكون للسلطة حظوظا أوفر للفوزخصوصا اذا ماطال أمد الحرب أو الأزمة» نيكولاس غوسيلي

بالإضافة الى المؤسسة الملكية والبرلمان والحكومةوالجماعات الترابية والقضاء والمحكمة الدستورية أحدث دستور 2011 مجموعة من المؤسسات الدستورية باختصاصات وتركيبة محددة منها من رأى النور ومنها مازال في طور التشكل كبعض المجالس الاستشارية والمجلس الأعلى للأمن.
تكون مهمة المحاسبة والمراقبةوابداء الرأي والاستشارةذاتجدوى وفعالية وتتقوى بهم الديموقراطية وتتحصنخاصةفي فترة الازمات والمحن والحروب لا في فترات الرفاه، غير أنه مع جائحة كورونا وما تبعها من حجر صحي وإجراءات وماخلفته من تأثيرات اقتصادية واجتماعية وصحية ونفسية على المجتمع بكل أطيافه وفئاته وأجياله يجعلنا نسائل مؤسساتنا الدستورية التي مارست حجرا ذاتيا رغم ماتتوفر عليه من إمكانات مادية و لامادية تمكنها من مساعدة السلطة التنفيذية و الوطن للخروج من هذه المحنة.
سنحاول هنا على سبيل المثال لا الحصر، مساءلة دور مؤسساتنا الدستورية في ظل جائحة كورونا:
1-المجلس الأعلى للحسابات: (الفصل147 من الدستور) هو الهيئة العليا لمراقبة المالية العموميةب المملكة،ويضمن الدستور استقلاله، يمارس مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية  والمحاسبة،بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية.
منذ ظهور هذه الجائحة، وحتى تستجيب الحكومة لمتطلبات هذه الازمة وبالنظر للطابع الاستعجالي الذي أصبح يتسم به عملها وتدخلاتها تم اللجوء لبعض الاستثناءات واتخاذ بعض القرارات والتي مست شق المالية العمومية وهو ما سمح للمدبرين العموميين بالإنفاقخارج المساطر إضافة الى ارتفاع حجم ومصادر النفقات المرتبطة بالأزمةالشئ الذي يشكل مجالا خصبا لعمل المجلس على مستوى المراقبة و المصاحبة والمساهمة في دراسة الأثر وإعطاء التوصيات لتحسين وعقلنة تدبير الازمة.
2-المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (الفصل152) للحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين أن يستشيروا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في جميع  القضايا،التي لها طابعا قتصادي واجتماعي وبيئي.كما يمكن للمجلس أن يقوم،بمبادرة منه،بالإدلاءبآراء أوتقديم اقتراحات أو إنجاز دراسات أوأبحاث في مجالاتا ختصاصه،على أن يخبر الحكومة ومجلسي البرلمان بذلك ويمكنه أيضا ان يدلي برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة. ويضم في عضويته (105 عضوة وعضوا) موزعة كمايلي : فئةالخبراء24عضوا،فئةممثليالنقابات24عضوا، فئة الهيئات والجمعيات المهنية 24عضوا،فئة المجتمع المدني16عضوا ، فئة الشخصيات التي تمثل المؤسسات والهيئات المعنية بالصفة 17 عضوا.
رغم ما عانته البلاد من أزمة اقتصادية واجتماعية وصحية ونفسية بسبب الجائحة لم يحرك المجلس ساكنا كأنه غير معني البتة رغم تميز تركيبته و توفره على جيش من الأعضاء و الخبراء والمتعاقدين والموظفين كان من باب أولى أن يساعد الحكومة بدراسات وتحاليل و أبحاث ومقارنات دولية من أجل دعم جهود الوطن لتجاوز الازمة على جميع الأصعدة لكن للأسف لم نسمع أو نقرأ له أي سطر في الموضوع .
3-المجلسالوطنيلحقوقالإنسان(الفصل161)مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال.
يعتبر مجال تدخل المجلس من المجالات التي تأثرت بفعل الازمة خاصة جانب الحريات العامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية غير ان المجلس بدل ان يدلو بدلوه في تأثيرات الازمة على مجالات تدخله ولعب دور الناصح والمستشار والمراقب والحامي لهذه المجالات رغم توفره على عدد لا يستهان به من الأعضاء و الأطر و الخبراء فإننا لم نلمس أي تحرك منه إبان الازمة و مدى تأثيرها و مدى استفادة المعاقين والأطفال والفئات الهشة بصفة عامة من البرامج التي وضعتها الحكومة في هذا الخضم إضافة الى رأيه في تصوير المرضى والمعتقلين والحملات التي تقوم به السلطة وتصويرها….
4-مجلس الجالية المغربية بالخارج، (الفصل163)، يتولىإبداء آرائه حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه.
لايخفى على أحد أن أول متضررمن الجائحة كان هو إخواننا بالمهجر خصوصا البلدان التي تتواجد بها اعداد كبيرة من جاليتنا والتي للأسف كانتالاكثر تضررا من الوباء كإيطاليا و اسبانيا، زد على ذلك المغاربة العالقين بالبلدانالأخرىبسب اغلاق الحدود ورغم حجم الضرر ورغم معاناة هذه الفئة تميز رد فعل المجلس بالسلبية كأنه غير معني اطلاقا رغم أنه كان بإمكانه توفير الدعم للحكومة والجالية في هذه الظروف كإحداث مرصد لتتبع حالات المغاربة المصابين هناك وتوفير الدعم النفسي لأسرهم هنا و احداث مركز انصات و اعداد دراسات وتحاليل للوضعية والأثرو اقتراححلول وامكانيات ترحيل المغاربة العالقين ببلدان المهجر…..
6-مجلس المنافسة(الفصل166)هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.
باستثناء الراي الذي ادلى به بطلب من الحكومة بشأن أسعار المعقمات، لم يقم المجلس باي دراسة او تقييم او تحاليل مقارنة او مراقبة لمجال تدخله من اجل مساعدة الحكومة في اتخاذ القرارات المناسبة في مجالات المنافسة والأسعار والتي تهم المواطن بشكل مبشر خاصة في ظل هذه الجائحة.
5-المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (الفصل168) هيئة استشارية مستقلة مهمتها إبداء الرأي في كل السياسات العمومية، والقضايا ذات الطابع الوطني، التي تهم ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي. من أدوار المجلس كذلك، تنوير ذوي القرار والفاعلين والرأي العام، بواسطة التقييمات الكمية والنوعية، المنتظمة والدقيقة لمختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي التي ينجزها. يضم المجلس 100 عضو موزعين كما يلي فئة الخبراء والمتخصصين ( 20عضوا )، فئة الأعضاء المعينين لصفتهم (26عضوا)، فئة الأعضاء الممثلين للنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، والأطر التربوية والإدارية، وآباء وأمهات وأولياء التلاميذ، والمدرسين والطلبة والتلاميذ، والجماعات الترابية، وجمعيات المجتمع المدني والمقاولات والهيئات الممثلة للمؤسسات الخاصة للتعليم والتكوين الخاص، (54عضوا).
إذا كان من قطاع ذو صلة بالحياة اليومية والمستقبلية للمواطن وتوقف بسبب جائحة كورونا فهو التعليم و التكوين، وقد تأثرت بفعله جميع الأسر وعانت تبعاته الدولة و المدرسة والمدرس و المتلقي. فشهدنا تحولا جذريا من نمط تدريس حضوري تفاعلي الى نمط تدريس عن بعد دون سابق انذار أو تحضير فاستعملت جميع الإمكانات المتاحة من تلفاز وراديو وتطبيقات هواتف و انترنيت …..وانقلب الزمن المدرسي رأسا على عقب و تغيرت الاستحقاقات و العطل ولم ينبس المجلس المذكور ببنت شفة في حين كان الأجدر به تعبئة إمكاناته البشرية ولجانه وخبرائه ووضعهم رهن إشارة الوطن والمواطنين من خلال دراسات و أبحاث وأفكار ومشاريع وميزانيته من أجل مساعدة الوزارة والدولة بصفة عامة من أجل تجاوز هذه المحنة البيداغوجية التي ستؤثر لا محالة على مستقبل التعليم والتكوين ببلادنا.

إن الأزمة الحالية التي سببتها جائحة كورونا فرضت على الجميع دولا وحكومات وشعوبا و منظمات التعبئة الشاملة من أجل مواجهتها.
وعلى مستوى بلادنا،كان هناك انخراط منقطع النظير وتضامن قل مثيله شارك فيه الجميع مواطنون ودولة، من اجل ان تتجاوز بلادنا هذه الازمة الغير مسبوقة بسلام. و المؤسسات الدستورية،بدورها،بامكاناتها المادية واللامادية مطالبة اكثر من أي وقت مضى و بإلحاح أن تنخرط في هذه المعركة الوطنية والتي يحتاج فيه الوطن لجميع موارده وطاقاته متى وأينما وجدت!!