1- إشتهر عندنا أن العلمانية هي الفصل بين الدين والدولة….أو بين الدين والسياسة…

2- الفصل بين الدين والدولة، أو بين الدين والسياسة ليس هو الخاصية الجوهرية للعلمانية بل هو عرض تاريخي، وليس صفة ماهوية.

3- جوهر العلمانية هو “التسويغ العقلي ” للتدبير السياسي والقانوني للدولة.

4- ما يجعل دولة ما دولة علمانية ليس هو أن تسن تشريعات مختلفة ومخالفة ومضادة للتشريعات الدينية، بل ان تستند في تشريعاتها على مبررات عقلية تعطي لها طابع التشريع النسبي غير المطلق وغير المقدس.

مثال: كان الاتحاد السوفييتي يمنع القرض بالفائدة(الربا )، وكان المسوغ هو ما ينتج عنه من ظلم اجتماعي (درجة أسوأ في سلم سيئات السطو على فائض القيمة )، ولم يكن المبرر مبررا دينيا. فبموجب المسوغ العقلي يمكننا أن نعتبر أن الاتحاد السوفييتي دولة علمانية.

5- ما يجعل دولة ما دولة دينية ليس هو أن اسم تشريعات دينية مأخوذة من هذا الدين أو ذاك، بل إن يكون مسوغ تشريعها مسوغا دينيا.

مثال: قد تمنع دولة مثل السعودية تعدد الزوجات وتحصر الزواج في الزواج بأمراة واحدة فقط، لكن إذا ما كان الشارع قد استند في قانونه هذا على آية قرآنية مثل “ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم” فمنع السعودية لتعدد الزوجات لا يجعل منها دولة علمانية، لأنها اعتمدت في تسويغ قانونها هذا على الدين.

6- لا يتعلق الطابع العلماني بمضمون التشريع بل بمصدره….فحينما يكون المصدر هو النص الديني فهنا لا نكون في ظل نظام علماني ولو كان مضمون المادة التشريعية “حداثيا”، أما حينما يكون المصدر هو العقل فإننا نكون ضمن المنطق العلماني، ولو كان مضمون المادة التشريعية “دينيا” كأن تشرع الدولة قانونا يمنع الخمر مطلقا، لكن بمبرر الحفاظ على الصحة الفردية والجماعية، الصحة هنا والآن.

7- حينما يكون مسوغ التشريع هو العقل، فإنه لا خوف من أي مضمون تشريعي مضر…فالتسويغ العقلي هو ما يضمن ألا تخترق مادة تشريعية مضرة المدونة القانونية.

8- حينما يكون مسوغ التشريع هو العقل، فإنه لا خوف هناك لأن التسويغ العقلي هو بطبيعته إيمان بأن التشريع فعل نسبي وتاريخي….التسويغ العقلي يجعل القانون نسبيا ويجعلنا نتحرك داخل ثنائية “الصواب والخطأ”، في مقابل التسويغ المطلق دينيا كان أو غير ديني، الذي يقحمنا داخل ثنائية “الحلال والحرام

9- الفصل بين الدين والدولة، أو بين الدين والسياسة هو مظهر من مظاهر العلمانية، لكن ليس كل فصل بين الدين والدولة هو علمانية، فقد يكون مسوغ الفصل دينيا.

10- حينما ترفض “علمانية ” ما إدراج قيمة دينية داخل “الآلية المسطرية في بناء التشريع” بحجة أنها معطى ديني فهذه العلمانية افتقدت أهم خاصية للعلمانية وهي “التسويغ العقلي “، وفقدت أنبل ملمح للعلمانية الخقيقية، وهو ملمح الديمقراطية التي تنص على الحق في التشريع للجميع، سواء التشريع انطلاقا من قيم مدنية، أو اجتماعية، أو كونية، أو دينية.