لماذا يزعج الدكتور محمد الفايد؟
في الصين يتعايش الطب الحديث مع الطب التقليدي الصيني منذ عقود ولم نسمع أبدا أن مشكلة ما قد نشبت ما بين الأطباء من الفريقين.
آراء أخرى
في ألمانيا كذلك نرى نفس المشهد من التعايش والاعتراف المتبادل لدرجة أن الجامعات الألمانية تخصص منحا سنوية للطلبة الراغبين في دراسة الطب الصيني التقليدي من وخز بالإبر أو علاج بالأعشاب الطبية أو ترويض طبي أو…
فرنسا المعروفة بنزعتها العلمية المادية وتحت الطلب المتزايد على العلاجات البديلة سمحت أيضا لمجموعة من الجامعات بتدريس ما يصطلح على تسميته بالطب البديل ووضعت إطارا قانونيا لممارسي هذا النمط الجديد القديم من التداوي بعيدا عن العقاقير الصيدلانية المعروفة.
والأمثلة كثيرة ولا مجال لحصرها…
فما الذي يحدث في المغرب في الآونة الأخيرة من هجوم شرس على شخصية علمية وأكاديمية كالدكتور محمد الفايد؟
هل يرجع الأمر إلى مؤهلاته العلمية أم إلى شيء آخر؟
إذا كان الأمر يتعلق بمؤهلاته العلمية فهذه الهجمة ليست فقط هجوما على شخص بذاته بل هي أيضا هجوم على المستوى الأكاديمي الذي يتمتع به هذا الرجل وهجوم على الجامعات التي تخرج منها وتشكيك في مصداقية الشواهد العلمية التي منحت له. وهذا أمر خطير وزعزعة للثقة في المؤسسات العلمية بالمغرب وخارجه. وبهذا المعنى يستوي الدكتور الحاصل على شهادة الدكتوراه بعد سنوات من البحث العلمي، والأمي الذي يثرثر في كل شيء وهو جالس على أرصفة الشوارع أو على كراسي المقاهي. ولا معنى لأي شيء على الإطلاق إذا كنا نشكك في كل شيء.
الدكتور الفايد من أوائل المتخصصين في علم التغذية ليس في المغرب فقط ولكن في العالم العربي الإسلامي. ومحاضراته التي يعتبرها خصومه مهاترات، تعود إلى الثمانينيات من القرن الماضي وكل من انجذب إلى هذا التخصص من بعد ذلك دراسة وبحثا فبفضل هذه الشخصية العلمية ولا يمكن إنكار ذلك.
فما الذي يحدث بالضبط؟
هل هكذا تعامل الأطر العلمية وخصوصا في هذا الوقت الحرج بالذات والذي يحتاج فيه الناس جميع التخصصات العلمية للوقاية من الفيروس التاجي؟
كيف نفسر الدعوات إلى محاكمة الدكتور الفايد تحت طائلة الإخلال بقانون الطوارئ وخصوصا ما يتعلق منه بالترويج للأخبار الزائفة؟
هل المعطيات العلمية أخبار زائفة؟
وإذا فعلى هذا الأساس يجب محاكمة الجامعات التي تخرج منها الدكتور لأنها تتحمل المسؤولية فيما يصرح به من أخبار زائفة. قطعا لا.
فما هذا الهزل الثقيل؟
يبدو أن المسألة برمتها تتعلق بالقناعات الإسلامية للرجل. بمعنى أخر، بما أن الدكتور إسلامي المظهر فلا يحق له أن يدلي برأيه في تخصصه العلمي. ولو كان حليقا مثلا ولا يستشهد بالآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية لكان الأمر شيئا آخر.
ألهذه الدرجة أصبحت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تهمة؟
ونحن على مشارف شهر رمضان؟
هل وصل ″الخلط بين الحركات الإسلامية والإسلام″(أنظر مقالنا بالموقع بنفس العنوان بتاريخ 06 غشت 2019 ) إلى المستوى الذي يتهم فيه كل مسلم يؤمن بالقران والسنة؟ ولو كان كفاءة علمية أكاديمية؟
هل هكذا نؤسس لحرية الرأي والرأي المخالف في بلد تقمع فيه الحريات؟
ألم يحن بعد أوان احترام القناعات والتحلي بالشجاعة الضرورية لرمي ″أقنعة القناعات″ (راجع المقال بالموقع تحت نفس العنوان بتاريخ 03 فبراير 2019 ) بعيدا عن الأحقاد والضغائن التي يضمرها الكل للكل؟
صحيح أن التوظيف السياسي للإسلام والفشل الذريع لهذه التجربة هو السبب الرئيسي لهذه الحساسية المفرطة لكل ما هو ديني، لكن هذا لا يمنعنا من الاعتراف بالإسلام كحضارة وتاريخ ساد في يوم من الأيام وشكل الأساس الذي قامت عليه النهضة الغربية في جميع العلوم الإنسانية والطبيعية. وبالأخص في الجانب الطبي ولا حاجة للتذكير بالعلماء المسلمين الأوائل في هذا المجال.
فكيف تكون العودة إلى الطب الصيني العريق موضة هذه الأيام، بينما العودة إلى الطب الإسلامي تهمة تجر على صاحبها التهم والويلات؟
متى نتصالح مع ذواتنا حقيقة؟ مع ماضينا وتاريخنا؟ الإسلامي وغيره..بدون أقنعة للقناعات المزيفة.
ملاحظة :
– كاتب المقال لا تجمعه بالدكتور الفايد أية علاقة شخصية أو مهنية.
– الاقتناع والقناع لا يجتمعان في وجه واحد، وإذا حضر أحدهما ذهب الآخر!
